الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المزاد المخزني

الهيموت عبدالسلام

2016 / 11 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


1) هناك إجماع قلَّ نظيره على بؤس الممارسة السياسية وعلى انحدارها لأقصى درجات الانحطاط وعلى إنتاجها لزعامات كارطونية تعاني من الخواء الفكري والرصيد النضالي، بل نحتث هذه الزعامات مسارَها بالهراوات والكلاب بل وبالعمالة والوشاية والاستقواء بأجهزة السلطة للحسم في العديد من الخلافات الداخلية ،الأكثر من هذا لم يعد مِن معنى لمواصفات اليمين واليسار والوسط في المشهد السياسي المغربي مادامت كلها تسعى فقط لاقتسام الثروة والقرار السياسي عبرالمتاجرة في أصوات المواطنين وبؤسهم، كما لم يعد من معنى حتى للتوصيف السياسي لهذه الأحزاب والتي تحولت إلى أجهزة بدل أحزاب بلغة "مهدي عامل" مادامت كل الأحزاب-مع عدم التعميم التبسيطي - تناضل للتقرب من المؤسسة الملكية ،تتاجر بل وتتآمر أحيانا بهدف الاستفادة من هامش السلطة وجزء من الثروة الوطنية والحصانة من المتابعة والمساءلة. هل هي إذن بداية النهاية لنمط معين من الأحزاب السياسية أصبحت تشتغل بمنطق المقامرة والمناورة والابتزاز و"التنوعير" و"التبنديق"....بلغة الاقتصادي "ادريس بنعلي".

2) على خلاف الأحزاب في الدول المتقدمة التي ارتبطت نشأتها بالمشاريع الفكرية والسياسية وبالمواطنة وصندوق الاقتراع وبمفاهيم المشاركة والعقل والعلم والحق والواجب وبقيم الحرية والمساواة والاختلاف فإن الأحزاب المغربية ارتبطت بالزاوية التي تحيط فيها الزعيمَ بهالة من القدسية وارتبطت نشأتها ليس بالصندوق بل بالنضال ضد الاستعمار، كما ارتبطت بالعلاقة العمودية التي تربط الأسياد بالرعايا ،و الكبار بالصغار والجنرلات بالجنود ،لذلك تجد أكبر العاهات والأعطاب من صنف اللصوصية والارتزاق والترحال والطائفية والقبلية والنرجسية والخسّة والدسيسة والقذارة والكيد والانبطاح والإثراء والعجرفة والتسامي هي ما يميز زعماء هذه الأحزاب ،وأن حكاية التأطير والتمكين والتكوين اندثرت من برامج الممارسة الحزبية ،وأن شعارات النقاء والعفة ونظافة اليد والتضامن ومصلحة الوطن وخدمة الصالح العام هي مجرد وقود للاستهلاك وللحملات الانتخابية ولتجييش البسطاء كلما اقترب موسم غنيمة ما. واقع الحال الذي وصلته الأحزاب والأدق الأجهزة السياسية هو من ساهم إلى جانب النظام السياسي في إنتاج "شعب" لاهَوية ولابوصلة ولامِلّة ولاعقيدة له،"شعب" متلون حسب الحالة وحسب السياق،شعب يقضي يومه مع جهة معينة ويبيت مع الجهة الأخرى، هوقومي مع القوميين ويساري مع اليساريين وإسلامي مع الإسلامي حَسَبَ الحاجة... شعب مخزني بامتياز، طبعا ليس هناك شعب ولكن هناك شعوب ، الشعب الذي يمارس قضاء الشارع ويقبل أن يلعب دور البلطجة والشعب الذي يبيع ذمته في الانتخابات ب200 درهم ليس هو شعب حركة 20 فبراير،وليس هو الشعب الذي صرخ عاليا في الشوارع ضد طحن محسن فكري ،وفي العديد من المحطات ،وليس هو الشباب الذي رفض الاستبداد والظلم والحكرة باكرا وأدى التكلفة باهضة جدا.

3) كذِب "محمد اليازغي" الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حين صرّح بعد رحيل "الحسن الثاني" أن "المخزن مات" إن المخزن لم يمت بل زاد عنفوانا ورسوخا ،المخزن اكتسح حتى المساحات التي شكّلت قواعد خلفية للأحزاب التقدمية والراديكالية ،المخزن هو الذي يميت الأحزاب والأشخاص والنخب وهو الذي يقصيها و"يغضب" عليها ،هو الذي يحييها بعد مماتها، صدق إذن مَن اعتبر المخزن مثل العربة لا تغير مسارها ولا البضاعة التي تحملها ،لكن تغير الأحصنة فقط التي تجرُّها ،وصدق الصحافي "عبدالعزيزكوكاس" الذي شبّه المخزن ببراد الشاي من حيث الشكل فهناك الرأس، والبطن المنتفخة والعضو المنتصب والذي يمكن أن يتحول إلى أداة للكيّ أو مصبًّا للشاي،ومن حيث المضمون قدرتُه على تذويب وبسهولة السكر من صنف "سنيدة" ومن صنف الأقراط ،"سنيدة" والأقراط يعني بها الأحزاب الإدارية والوطنية والنخب الفكرية والثقافية أما سكر القالب الذي يعنى به الأحزاب الراديكالية فإن المخزن يكسر هذه القوالب إلى طوب فتسهل عملية التذويب.
الخطر الذي يجعل البلد في مهب الريح هو أن يتحول المخزن إلى مزاد يساوم فيه السياسي والمثقف والكاتب والنقابي ورجل الأعمال والصحافي والأستاذ والباحث والخبيروالفلاح والعاطل ... حاجياتهم ،الخطر أن يصبح هذا المزاد هو المسلك الوحيد والأوحد للحراك الاجتماعي وللترقي وللسلطة وللجاه ،الخطر أن تتسع الهوة عميقا بين طبقة الأسياد والسدنة والخدم وسماسرة الانتخابات وزعماء الأحزاب والنقابات ومقاولو الجمعيات وأباطرة المخدرات ومافيا العقار وغاسلي الأموال والموالين وحراس التقليد وحراس المعبد والطبالين والمزمرين ...من جهة وبين القاعدة العريضة من الفقراء والكادحين وصغار الموظفين والفلاحين والجنود والعسكريين والفراشة والعديد من الفئات المسحوقة التي تحصل على قوتها إما من عرقها أو من لحمها أو عن طريق التهريب والنشل وبيع اللذة ... من جهة أخرى.

4) ترشُّح هذه الطينة من الأحزاب والنقابات والجمعيات للانقراض أمرٌ لا مناص منه ،بقى أن يعلِّق الشعب المغربي الأملَ على روح حركة 20 فبراير وعلى مطالبها وتطلعاتها وعلى اليسار الجذري أو الراديكالي الذي لم يسبق له أن حكم ولا أن غرق في اللعبة المخزنية المغلَقة ،فهذا اليسار بصدقيته النضالية وقبضه على الجمر و تضحياته الجسيمة فهو بدوره يعاني من التشتت ومن الحلَقيةومن وهم امتلاك الحقيقة ومن النرجسية ومن أوهام الطهرانية ومن البرجعاجية ومن قلة التواضع ومن الكره الرفاقي ومن "الجذبة" النضالية ،أزمة اليسار على خلاف باقي المعمور لم يستطع بلورة حد أدنى سياسي تلتف حوله جميع القوى والفعاليات والتيارات والحساسيات وإلا سيظل ينهشه التآكل والعزلة ولم لا الانقراض؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس