الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يزال هناك من يحلم بالدولة الشيوعية

عبدالله المدني

2006 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


مع سقوط دولة المرجعية الشيوعية في الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات و تراجع الماوية إلى مجرد ضريح و كتيب و أعلام حمراء في مسقط رأسها الصيني قبل ذلك بعدة سنوات، ساد الاعتقاد بأن الحركات المسلحة الشيوعية في بلدان العالم الثالث سوف تنهار مثلما انهارت أنظمة شرق أوروبا الماركسية تباعا. غير أن الذي حدث هو أن بعضا من تلك الحركات لا تزال ناشطة وتقاوم سلطات بلادها مستخدمة حرب التحرير الشعبية و الكثير من الوعود الوردية و الشعارات التي أكل الدهر عليها و شرب، و كأن شيئا لم يكن. والأغرب من هذا أن ساحات عمل هذه الحركات أصبحت محصورة في آسيا، حيث العملية الديمقراطية و ترسيخ الحريات و الحقوق قطعت شوطا بعيدا يسمح بتحول شيوعييها إلى النضال السياسي السلمي.

وإذا كان احد أكثر الأمثلة الحية الراهنة على العنف الثوري المسلح بقيادة الماويين هو ما يجري منذ أواسط التسعينات في نيبال (مع مفارقة غريبة هي أن بكين هي التي تدعم حكومة كاتمندو ماديا و عسكريا في حربها ضد المتمردين الماويين) فان المثال الآخر هو ما يجري في الفلبين التي تواجه أعمال عنف متزايدة من قبل الذراع العسكري للحزب الشيوعي الفلبيني أو ما يسمى بجيش الشعب الجديد.

فشيوعيو الفلبين الذين احتفلوا في 26 من ديسمبر بالذكرى الثامنة و الثلاثين لانطلاقة حربهم الشعبية، باتوا باعتراف السلطات يشكلون التهديد الأول للدولة و النظام، فيما يأتي التهديد الذي يمثله الانفصاليون المسلمون في جنوب البلاد في المقام الثاني. والسبب أن هؤلاء ينشطون في 69 مقاطعة من مقاطعات الفلبين التسع و السبعين، و لا يزالون يمتلكون كادرا مسلحا يترواح عدده ما بين 8 – 12 ألف مقاتل، إضافة إلى تكتيكاتهم العسكرية التي تسببت في مواجهات دموية حصدت حتى الآن أرواح 40 ألف إنسان.

وفي الأشهر القليلة الماضية لوحظت زيادة في وتيرة عمليات جيش الشعب الجديد، بحيث لم يعد يمر يوم دون سقوط ضحايا من قوات الشرطة و الجيش قتلا أو جرحا بالألغام أو التفجيرات. و يعزو بعض المراقبين السبب إلى الضعف الذي تشكو منه إدارة الرئيسة الحالية "غلوريا ماكاباغال أرويو" التي تصارع من اجل البقاء في السلطة في مواجهة اتهامات لها بالتأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية و مطالبات بضرورة مساءلتها وطرح الثقة بها في البرلمان. وهذا قد يكون صحيحا، لا سيما و أن هناك سوابق تشير إلى أن المتمردين الشيوعيين يزيدون من ضغوطهم القتالية على الحكومة كلما شعروا أن الأخيرة في مأزق، و ذلك من اجل استغلال الوضع في تحقيق بعض المكاسب. من هذه السوابق، إنهم من بعد فترة من الهدؤ و الاسترخاء في أواخر التسعينات، عادوا إلى التصعيد العسكري في عام 2000 منتهزين انعكاسات الأزمة النقدية الآسيوية على الدولة و تراجع شعبية الرئيس السابق جوزيف ايسترادا بسبب خبرته السياسية المحدودة و روابطه المشبوهة بشخصيات و جماعات فاسدة.

غير أن البعض الآخر من متابعي الشئون الفلبينية يعتقد أن التصعيد الشيوعي الحالي هو احد افرازات توقف جهود السلام التي دشنت في العام الماضي برعاية نرويجية،على غرار مساعي اوسلو لإيجاد تسوية سلمية في سريلانكا بين الحكومة و المتمردين التاميل. و المعروف أن تلك الجهود وصلت إلى طريق مسدود بعدما رفضت مانيلا طلبا من المفاوضين الشيوعيين للتدخل لدى واشنطون و حليفاتها الغربيات من اجل رفع اسم جيش الشعب الجديد من القوائم الأمريكية و الأوروبية الخاصة بالمنظمات الإرهابية.

ومهما يكن السبب، فان حرب الشيوعيين ضد الحكومة الفلبينية و جيشها لم يعد له مبرر منذ سقوط نظام فرديناند ماركوس الديكتاتوري و عودة الديمقراطية. صحيح أن ديمقراطية الفلبين ليست نموذجية و أحوال البلاد ليست مثالية، بل متخلفة بأشواط عن جاراتها الناهضات إلى الحد الذي توصف معه الفلبين برجل جنوب شرق آسيا المريض، إلا أن الصحيح أيضا أن اللجؤ إلى العنف و حرب العصابات و ما ينجم عنها من قتل للأرواح و تدمير للبنى التحتية و تعطيل للسياحة و تأخير لمشاريع التنمية ليس هو الحل، خاصة و انه من الصعب بل المحال أن يقبل الجوار الإقليمي و المجتمع الدولي بقيام نظام شيوعي ماوي الأجندة في هذا الجزء من العالم، ناهيك عن رفض السواد الأعظم من الشعب الفلبيني الذي ذاق حلاوة الحرية و الديمقراطية من بعد حقبة طويلة نسبيا من القمع الرسمي. يضاف إلى ذلك أن المتمردين فقدوا المصداقية في أنظار الفلبينيين، وجلهم من الكاثوليك الملتزمين، لأسباب عديدة كان آخرها قرار الحزب الشيوعي الفلبيني بالسماح لأثنين من مقاتليه المثليين بالزواج، بل و إضافة مادة بهذا الشأن في دستور الحزب، و ذلك في أول واقعة من نوعها في تاريخ الحركات الثورية المسلحة. وأول من يعرف هذه الحقائق هم المتمردون بجناحيهم السياسي المتجسد في الجبهة الوطنية الديمقراطية، والعسكري ممثلا في جيش الشعب الجديد. إذ لولا إدراكهم لصعوبة تحقيق هدف المعلن بإقامة نظام شيوعي لما دخلوا ابتداء في مفاوضات مع مانيلا.

وعليه يمكن وصف الحرب الدائرة بالعبثية التي لا طائل من ورائها، و التي لا يساعد على استمرارها سوى مقاتلون إما غسلت أدمغتهم بالشعارات البراقة أو تربوا في أحضان أيديولوجية ماوية لا تعرف سوى الدم سبيلا لتحقيق الغايات. و لعل ما يؤكد ذلك أن ظاهرة العنف وصلت إلى داخل اطر جيش الشعب الجديد، بدليل قيام الأخير في أواخر الثمانينات بحملات تطهير في صفوفه للتخلص ممن وصفوا بالجواسيس و الخونة أو غير الملتزمين. في هذه الحملة التي تذكرنا بثورة ماو الثقافية في الصين و حملات التطهير التي قادها بول بوت في كمبوديا، حصدت أرواح ألفين من المقاتلين والأنصار باعتراف من تمكن من الهرب و الانضمام إلى صفوف قوات الحكومة. ويعتقد أن هذه، إضافة إلى حملات الجيش و الشرطة المضادة، هي التي تسببت في انخفاض أعداد المتمردين من 26 ألف مقاتل في عز تألقهم و بروزهم في الثمانينات إلى نحو 8 آلاف مقاتل في الوقت الراهن.

كم حري بشيوعيي الفلبين، و أيضا شيوعيي نيبال، أن يتعلموا من رفاقهم الماركسيين في الهند الذين انخرطوا منذ استقلال الأخيرة في مؤسسات البلاد الديمقراطية و ناضلوا سلميا في سبيل تحقيق أجنداتهم، فحصدوا حكم ولايات بأكملها و برعوا في نيل التخويل الشعبي انتخابات وراء انتخابات، بل كانت لهم إسهامات و إصلاحات في المجالات الاقتصادية والتعليمية و الاجتماعية و الصحية لا تزال ماثلة في أذهان شعوب ولايات مثل كيرلا (ثانية كبرى الولايات الهندية لجهة أعداد المسلمين) التي تدين بالكثير في ما وصل إليه أبناؤها من تقدم علمي و تنمية و تنوير لحقبة حكم الحزب الشيوعي الهندي في السبعينات و الثمانينات.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: الأول من يناير 2006
البريد الالكتروني: [email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية