الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -23-

كمال عبود

2016 / 11 / 19
الادب والفن


ابن البلّانه
*****

ملعونٌ أنت يابن البلّانه ...
ملعونٌ في الدنيا والآخره ...
ممنوعٌ من دخول القريةِ ومطرودٌ منها ...
ما حكايته هذا ابن البلانه ...؟

هو-عطّاف - شابٌ وسيم الشكل .. أعزب .. بيتُه في الحارةِ الشرقيّة ، قرب التنور... مشهور بحبه ل ( سعَيده ) ، يستيقظ وينتظر .. يضع كرسياً قرب النافذةِ وينتظر .. عينُه على التنور .. يراقب نساء القرية والصبايا القادمات لخبز العجين ، كم يعشقُ هذا المنظر ؟ .. صبايا يحملن ( جرزات) الحطب على رؤوسهنّ ... وآخراتٌ يحملن أطباق واسعةً من القش مُغطاة بقماشِ تحته كرات العجين المُتخمره .. ومنظرُ أردافهنَّ يسعدُهُ .. كم يروقهِ اشتعال النار في التنور وهمهمات الصبايا ..؟ وهو يستغرق السمع لما يقلْنَ عن أخبار فلانٍ وفلانا .. وكم يتلهّف لرؤية ( سعَيده ) ، وسعَيده حينَ تطلُّ يخفقُ قلبهُ وتتراقصُ الدنيا في عينيه .. وحين تضحكُ أوحين يأتي دروها وتشعلُ النار فكأنّما يشتعلُ اللهب في صدر عطّافاً هذا... وسعَيده تماطل وتصدّ المُغرم ..

قَالَتْ مَرّةً تُزجره : روح خليك متل الشباب ، اشتغل في الأرض ، لسّا بتضل متل الحريمات في البيت ..
وفي مرّةٍ أخرى : انت أهبل وغبي .. مافي نصيب لك عندي ، يا .. تنبلْ ..

باءت كل محاولات عطّافاً بالفشل ... مرّ وقتٌ طويل ولم يفلح في خطبِ ودِها .. فقرر الإنتقام ...
صار كل مساء يملأُ التنور بالماء فيصبح رطباً ويتشرّبُ الطين والفخار بالماء ويصبح من المستحيل إشعال النار وخبز الأرغفة ... والنسوة والصبايا يلْعَنَّ هذا الفعل السيء وتمسي العائلات بلا خبز ... وحينَ يئسنَ من الفاعل أنشأنَ تنوراً في الحيّ الشرقي وفقد عطّافاً متعة التنور وناره، و(سعَيده ) وأحاديث الصبايا...

أختار عطّافاً أمراً آخر للإنتقام .. مساءَ يومٍ أمسكَ بهرّةٍ كبيرةٍ ذبحها ورماها في بئر القريةِ الوحيدة ...
ذهبت النساء يحملن جرارهنَّ صباحاً ورأينَّ الهرة المذبوحة طافيةً بدمها فوق الماء في البئر، فرجِعنَ دونما ماء للشرب ، وذهب الرجال الى شيخ القرية يستفتونه ...
قال الشيخُ : أخرِجوا الهرّة وأخرِجوا سبعةَ دلاءٍ من الماء وأفرغوها على الأرض ثُمَّ قدّموا إليَّ الدلو الثامن ...

هكذا فعل الرجال وهكذا أخذ الشيخُ كأسَ ماءٍ من الدلو الثامن وشرب وقال: ها قد أصبح الماءُ طاهِراً .
لكنَّ عطّافاً لم يعجبه الأمر ، فعمدَ ليلاً إلى حمارٍ يملكهُ جارهَ أبو مصطفى ، فأخذه إلى جانب البئرِ ودفَعهُ فسقط الحمار في البئر ، وانهال عطّافاً بالحجارة والصخور وأغصان الشجر الغليظةِ ورماها فوق الحمار الذي غرق في البئر ولم يترك عطّافاً شيئاً قذراً يستطيع حملَهُ إِلَّا ورماه في البئر...

عرف الجميع أنّ عطّافاً هو من فعل هذا وكان من المستحيل إخراج الحمار النافق من البئر وخاصّةً بعد أن تفسّخ واختلطتْ أحشاؤه بماء البئر وأوساخه وعفونة ما رُميَ هناك...

تقاطر القوم إلى عند الشيخ يشكون عطّافاً ، رفع الشيخُ يديه داعياً :
ملعونٌ أنتَ يا عطّافاً في الدنيا والآخرة ...
مطرودٌ أنت من القرية ومن الرحمة ..
حدَث هرجٌ ومرج .. أختلطت الأصوات:
الله يلعنهُ ..
بيستاهل ...
ابن ال..
الله يلعن الحاكم اللي ما حفر لنا بئراً ارتوازياً...

لكنّ أحمد الأعرج من ساقه اليمنى أستند على عكازه اليسرى وقال: طول عمركم هيك ، عند الشيخ إمّا تلعنوا الحاكم أو تلعنوا شي واحد تاني ، بدل الثرثرة روحوا احفروا بئراً آخر .. بيومين بيخلص ..
جاءه بضعة ردودٍ يقول كل واحد:
أنا ما دخلني ..
أنا ما فاضي ..
أنا ما بحفر شي..
خلّوا الحاكم يحفر!
*****

قال الراوي : من العام 2011 م بداية الحرب والأزمه في سوريا مازالت القريه بدون بئر وأهلها يشترون الماء وما زال عطّافاً يزور القرية بين الحين والآخر.
*****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07