الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد جُرْذ

علي دريوسي

2016 / 11 / 19
الادب والفن


الجُرَذُ الذي لا ظِلّ له ولا عنوان، شَاعِرٌ تَيَّمَهُ الْجُبْنُ!
*****

لا أحد يكتب عن الجُرْذَان لا الجياع منها ولا الشِبَاع!
ألا يستحق السيد جُرْذ قصيدة أو قصة أو ربما رواية؟
*****

عندما اِشتَدَّ الفقر في مدينة المَرْفَأ، طبخت الأم لأولادها الجُرَذ بذَنَبه الطَوِيل، أمسكوا به بعد مَشَقَّة مُطارِدته كمجرم حرب، اختبأ في أحد المجارير العفنة خوفاً من الجوع، رعباً من الموت مسموماً، كان ضْخَماً، قذراً، أَسْوَد العَيْنَيْنِ، قبيح الجلد والوبر، بليداً بآذَانه المُسْتَدِيرَة. طبخته على نارٍ هادئة، طويلاً حتى تفتَّتَ لحمه في الماءِ العَكِرِ، نضج حتى غدت رائحة البيت جُرْذَية، أكل الأولاد الجِياع، الصيادون المهرة، من الحَسَاء المطبوخ حتى آخر قطرة، أكلوا حتى تقرَّحَتْ بطونهم كبطون الخَنَازِير.
*****

بعد أنْ تَحَوَّلَ الطفل الفقير إلى جُرَذ، بينما كان يفعلها في أحد مراحيض الشرق البائسة، وجدوه يتكلم اللغة الألمانية بوضوحٍ، كأنّه قد وصل لتوِّه قادماً من مدينة هاميْلن بعد أنْ تَخَلَّصَ منه صائد الفئران بمزماره السِحْرِيّ، أو كأنّه وصل لتوِّه قادماً من مدينة درسدن بعد أن طرده مهندسو الصرف الصحي هناك. في ذاك اليوم اِتَّخَذَ قراره بالبحث عن جنوده من الأطفال الجِرْذَان وإعداد العُدَّة لغزو ألمانيا من جديد والانتقام!
*****

زرتُ عام 2004 محطة معالجة مياه الصرف الصحي (المجارير) في إحدى مناطق مدينة درسدن في الشرق من ألمانيا... ألقى المدير خطبة جميلة احتفلَ فيها مفتخراً برحيل آخر الجُرْذَان عن المحطة... قدّم مع طاقمه كؤوس ماء الصرف المُعالج للضيوف لشَّمّه والتأكد من غياب رائحته العفنة، ثم أكّد على صلاحيته للاستعمال كمياه شرب!
*****

في ألمانيا تقع هاملن، مدينة قديمة ورومانسية، مدينة الجرذان ورجل المزمار، مدينة الغلمان الذين اختفوا، هناك تستطيع أن تُمضي الليل في فندق صائد الفئران، أن تزور معرضاً للحرف اليدوية، أن تشتري فأرة من شوكولاته، أو تأكل قطعة خبز على هيئة فأرة ناعمة، من هنا أو هناك تستطيع أن تقرأ تلك الأسطورة التي خلدها الشاعر الإنكليزي روبرت براونينغ عام 1842 بقصيدة الزَّمَّار صاحب الوعود.
*****

هل سمعتم بحكاية الفتاة الجرذ التي انتشرت يوماً في أوساط المسلمين؟
تلك التي مُسِخَتْ على هيئة جرذ قبيح لأنها كانت ترقص على موسيقا غربية صاخبة بينما تقرأ والدتها آيات القرآن الكريم في شهر رمضان... قالوا أن الفتاة قد جن جنونها عندما رجتها والدتها أن تضعف صوت الموسيقا كي تتمتع بالقراءة...قالوا أنها أمسكت القرآن مزقته، رمته أرضاً، داست عليه، تلفظت بكلمات نابية... قالوا أن الله عاقبها فوراً لأنها دَنَّسَت الإسلام، أرسل لها ناراً اشتعلت بها من أخمص القدمين إلى الرأس...قالوا أن الأم الطيبة هلعت وبيدها لحاف السرير السميك الأبيض رمته على طفلتها لتنقذها...قالوا أن الأم قد رفعت بقايا اللحاف الأسود بعد أن همدت النار، لتجد تحته طفلتها على هيئة جرذ قبيح...
*****

لن ننتصر على الجرذان إلا بالكتابة عنها، عن بشاعتها، قمائتها، عيونها، أنوفها، أسنانها، وبرها، ذيلها، جسدها كجسد قطة كهلة في حالة استرخاء، أمعاءها، أغوارها، أوكارها، أطفالها، تدهسها السيارات العابرة، تتطاير أشلاءها، تعلق بقاياها على وجوه وأجساد أطفال الأزقة وهم يلعبون بكرات الشراطيط، سنكتب عن الجرذان في أفريقيا وأسيا، في المراحيض، في المطابخ، في غرف النوم وغرف الضيوف... سنكتب عن الجرذان التي نأكلها في خبزنا اليومي، عن بقاياها في الخبز الطازج، بعد أن تُعجن في عجّانات الشرق قبل طهيها في الأفران، سنفضح أسرار الجرذان، سندعو إلى عالم خال من الجرذان... حتى البيضاء منها.
*****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يرسم برج إيفل في حقل زراعي احتفالا بدورة الألعاب


.. الكينج وكاظم الساهر وتامر حسني نجوم حفلات مهرجان العلمين فى




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يتحدث عن كلمات أغنية ع


.. عوام في بحر الكلام - الشاعرة كوثر مصطفى تتحدث عن أعمالها مع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 8 يوليو 2024