الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو رؤية جديدة للكتابة في الصحراء

أحمد بطاح

2016 / 11 / 19
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


لا شك أن المتتبع للانتاجات المكتوبة في الصحراء – جنوب المغرب-، سواء أكانت أدبية أم فكرية أم تاريخية، سيلاحظ أن الطابع العام الذي يغلب عليها ينضوي تحت رؤية الإنتاج وإعادة الإنتاج، بمعنى أن أغلبية الكتابات لا تكاد تخرج عن وصف المجتمع الصحراوي، ومحاولة الوقوف على قيم ثقافته، وأهمية أبعاد هذه الثقافة، فتجد الكتاب تارة يتغنون بأهمية المنتوج الشعري، وتارة أخرى بجمالية الخيمة أو فضاء الصحراء أو الأمثال الشعبية الحسانية، وتارة ثالثة يستحضرون تاريخ الأجداد وأمجاد الماضي ودور المرأة في المجتمع وغير ذلك من المواضيع الواصفة لمختلف تجليات البعدين الفكري والواقعي للمجتمع الصحراوي، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: ألم يحن الوقت بعد للانتقال إلى الكتابة النقدية للمجتمع الصحراوي؟
قد يتساءل البعض عن معنى الكتابة النقدية، أو القصد الذي أرمي إليه من خلال هذه الكلمة المركبة، وهذا السؤال أراه مشروعا من عدة أوجه، وسأحاول الإجابة عنه من خلال اعتباري أن الكتابة النقدية هي التي لا تقوم على الوصف أو التسجيل، بل تقوم على المساءلة والاستنطاق والوقوف موقفا صحيحا ومفكرا فيه لكل بعد فكري أو واقعي أو أدبي حول ثقافة معينة أو مجتمع معين. وهذا الأمر هو الذي جعلني أتخذ موقفا من أغلب الكتابات التي تكتب في الصحراء أو عنها من لدن النخبة المثقفة الصحراوية، ذلك لأنها في مجملها تقوم على مغازلة التاريخ أو الثقافة، كما تقوم على التغني بالموروث الشعبي، أو انجازات القبائل، أو استحضار انجازات شخصيات تاريخية، أو في أقصى الحدود معالجة بعض الإشكالات الاجتماعية كما هو الشأن للمنجز الأدبي الشعري وأيضا الروائي في الآونة الأخيرة. وإني وإن كنت أرى أنه من الضروري تدوين التراث، وجمع أقصى قدر ممكن من المادة المكتوبة حول المجتمع الصحراوي، إلا أنه بات من الضروري إرفاق الكتابات التي تحدثت عنها أعلاه بطرق أخرى في الكتابة تقوم على النقد وجلد الذات من أجل تطويرها، وأن لا يبقى التغني ببعض العادات والتقاليد حجر عثرة أمام مسيرة التقدم والانخراط في مشروع الحداثة. الأكيد أن الكثير من المثقفين سيعارضونني في هذه النقطة، خاصة المثقفين من ذوي المرجعية التي تنتصر إلى التقليد والأصالة. لكني أرى أنه بات من المهم بمكان أن نؤسس لنوع كتابة جديد يقف على مواقف عقلانية من كافة أبعاد الثقافة الحسانية، لا أن نتقبل هذه الثقافة على أساس أنها ثقافة سليمة أو وصلت إلى مرتبة من التقدم لا تحتاج معها إلى النقد، بل على العكس من ذلك؛ فالثقافة الحسانية حينما نقارنها بالثقافات الأخرى العالمية فنسجد أنا –بدون إخفاء للشمس بالغربال- ثقافة متخلفة عن الركب، وإذا كانت حتى الحضارة الغربية حاليا ما زالت تنقد ذاتها انطلاقا من عدة مشاريع منذ نيتشه مرورا بجاك دريدا ووصولا إلى هابرماس، فما بالك بثقافتنا نحن. أليس من المعيب لا من الإيجاب أن نجلس نصف اليوم أمام صينية الشاي للخوض في مواضيع قد تكون تافهة؟ أليس من الحمق أن نتغنى بالخيمة وحليب النوق وجمال البادية ونحن نسكن المدن ونسعى إلى أن نكون حداثيين؟ إنه بلا شك نوع من الفصام الذي تعيشه الذات الصحراوية. أؤكد من جديد أنه بات من اللازم علينا أن نمارس تلك الممارسة التي كما يقول عنها "بول ريكور" تحمل ذاك الاسم الجميل المسمى "النقد". إننا حينما ندخل في إطار جلد الذات وإعادة التفكير في ما نعتبره إيجابيا لا ننقص من قيمة ثقافتنا بل نعالجها، وقد أذهب أبعد من ذلك إذا اقترحت إعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها الثقافة الصحراوية، خاصة الأساس الديني والقبلي والعرفي، ذلك لأن هذه الأسس قد تشكل في جوهرها أصل المشكل، إذا آمنا أن بنية العقل الصحراوي تعيش أزمة عميقة سبق أن أشرت لها في مقالي السابق (المجتمع الصحراوي، مجتمع تقليدي بقناع حداثي)، وهي الازدواجية في العيش، وعدم مطابقة الفكر للواقع، حيث يعيش الإنسان الصحراوي في مظاهر الحداثة بذهنية تقليدية.
إن إخضاع الموروث الثقافي للنقد والتمحيص والمساءلة مهمة صعبة تقع على عاتق النخبة المثقفة، خاصة النخبة التي تناضل بالقلم في سبيل تكوين ذات صحراوية واعية تعي تمام الوعي الإشكالات التي تتخبط فيها، وإذا فهمت النخبة المثقفة هذه المسألة ستعي أنه لا بد لها من تغيير خطابها من خطاب قائم على الوصف والمغازلة والتغني إلى خطاب قائم على النقد والموضوعية وبناء موقف عقلاني من كل ما أنتجته ثقافة الصحراء. فحين نطرح أبسط سؤال وهو: ماذا قدم الإنسان الصحراوي للعالم؟ سنكتشف حجم الصغر والقزمية التي نعاني منها بين الثقافات الأخرى، وبالتالي فإن ما أسعى إليه بالأساس هو الدفع بهذا المجتمع إلى إنتاج مفكرين كبار بحجم ديكارت أو ماركس أو فرويد..، وإنتاج أدباء كبار بحجم غابرييل ماركيز أو دوستويفيسكي أو تولستوي، أو علماء كبار من حجم أديسون أو نيوتن...
في ختام هذا المقال، أود أن أشدد التأكيد على أن قضية جلد الذات ليست هي الانتقاص من قيمتها كما سيفهم البعض، بل هي أمر لا بد منه لتطوير هذه الذات. فكل إنسان وكل مجتمع لا يعي سلبياته لن يطور أبدا نفسه لأنه يعتبر أن تلك السلبيات هي نقط قوة، في حين أنها نقط ضعف لا قوة، وهذا ما سيدفعنا إلى التخلي عن وهم القط الذي يرى نفسه أسدا على المرآة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم