الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيئة الحقيقة والكرامة في تونس تصنع المشهد المتلفز لتطويع الضحايا بدل ضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب

بشير الحامدي

2016 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


هيئة الحقيقة والكرامة في تونس تصنع المشهد المتلفز لتطويع الضحايا بدل ضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب
ـــــــــــــــــــــــ
[من كثرة التكرار وبمساعدة معرفة جيدة لنفسية الأشخاص المعنيين يبنغي أن يكون ممكناً تماماً البرهان على أن المربع هو في حقيقة الأمر دائرة]
وزير الإعلام والبروباغندا النازي‏Joseph Goebbels
ـــــــــــــــــــــ
في الحقيقة لا يمكن فهم الأدوار التي تأسست من أجلها هيئة الحقيقة والكرامة دون فهم آليات ما يسمى بالانتقال الديمقراطي وهو المصطلح الذي اتخذته قوى الثورة المضادة محليا وبإسناد وتوجيه ودعم من القوى الاستعمارية لوقف تجذر مسار التغيير الاجتماعي الذي بدا في 17 ديسمبر 2010.
لقد مثل فرض ما يسمى بالانتقال الديمقراطي كآلية وكشكل من أشكال السلطة في بعض البلدان المرتبطة بالقوى الاستعمارية مسألة مركزية بالنسبة لهذه القوى التي بنت استراتيجياتها على مراقبة وتوجيه وحتى صنع التغييرات السياسية في بقية بلدان العالم لمواصلة هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وقد وقع فرض هذا الشكل من الحكم في سبعينيات القرن الماضي في بالبرتغال و إسبانيا و اليونان ثم فيما بعد في الثمانينيات في بعض بلدان أميركا الجنوبية وآسيا وأفريقيا وأروبا الشرقية ليفرض كواقع لمرحلة ما بعد ديسمبر جانفي 2011 في تونس ومصر واليمن.
نظام الانتقال الديمقراطي اعتمد وفي كل بلد طبق فيه على هيئات تشكل فيما بينها منظومة حكم مهامها ترميم النظام و إعادة الثقة في مؤسساته ودولته بكل أجهزتها ووقف كل تجذر للحركة الثورية وشلها عن مواصلة تنفيذ المهام الثورية الجذرية التي ثارت من أجل تنفيذها الجماهير العريضة وتتطلبها الثورة.
ومن بين أهم الهيئات التي جاء بها الانتقال الديمقراطي في تونس نجد هيئة الحقيقة والكرامة التي تترآسها السيدة سهام بن سدرين والتي يدور حولها وحول ارتباطاتها جدل كبير سواء قبل أو بعد 14 جانفي 2011 .
هيئة الحقيقة والكرامة هي هيئة ونظريا على الأقل مطروح عليها و انسجاما مع ما تقوله عن نفسها أو ما يسوغه لها الانتقال الديمقراطي بشكل عام هيئة مهامها أساسا تكريس "عدالة" تقتضي على الأقل.
ـ تحديد الجرائم المقترفة [سياسية واقتصادية]
ـ تحديد قائمات المجرمين والفاسدين
ـ تحديد قائمات الضحايا
ـ تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب
ـ إحضار المجرمين والفاسدين وسماع اعترافاتهم ومحاكمتهم محاكمات عادلة علنية
لكن المتتبع لعمل هيئة الحقيقة والكرامة لاشك سينتبه إلى أن أهدافها متناقضة تماما مع مفهومي العدالة والحقيقة ومع مفهوم الكرامة الإنسانية في كل أبعادها.
هيئة الحقيقة والكرامة حولت مفهوم العدالة الذي يقتضي المحاسبة إلى مصالحة وهو في الحقيقة توجه فرضه ومرره تحالف حزبي النهضة ونداء تونس لتستفيد منه العصابة الفاسدة التي أنتجها النظام على مدى 7 عقود كاملة. مصالحة استفاد منها رجال الأعمال الفاسدين الذين أثروا في ظل النظام البورقيبي وفي ظل نظام الديكتاتور بن علي مجرمون في كل أنواع الجريمة من الجريمة الاقتصادية إلى الجريمة السياسية إلى جرائم التعذيب و الاغتيالات ووو.
هيئة الحقيقة والكرامة قفزت عن مبدأ عدم الإفلات من العقاب وإحضار المجرمين وسماع اعترافاتهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة بسماع الضحايا في مشهد متلفز وحركة مشهدية مدمرة للضحايا ولمن يشاهدهم لا تهدف سولا لمزيد إذلال الضحية وقلب المشهد الواقعي على قفاه حيث يقع التطويع والإذلال والترويع والتلاعب بعقول الجميع ولا يظفر بشيء لا بمنع الجريمة ولا معاقبة المجرم إنها حركة دعه يفعل دعه يمر في تجلياتها السيكولوجية .
إنها فلسفة القهر الناعم التي لا تحتاج لعصا الجلاد بل فقط تحتاج لإذعان الضحية.
أن يذعن الضحية يعني أن ينسى من أجرم في حقه ومن عذبه ومن طارده ومن انتهك كرامته وشرفه و إنسانيته ومن جوعه ومن سجنه ومن سحله ومن نكل به ومن منعه من الدراسة ومن منعه من السفر ومن حكم عليه بالإقامة الجبرية من حكم عليه بالسجن ومن كتب شهادة طبيبة موزرة في حقه ومن فرض عليه الإمضاء بالعنف على أقوال ليست أقواله أن يذعن الضحية هو أن يسرد حكايته على سجانه وعلى المجرمين وعلى وزير الداخلية الذي سمح بتعذيبه وعلى رئيس الحزب الحاكم الذي تسببت سياساته في كل هذه الانتهاك ويخرج فرحا مسرورا وكأن قضية التعذيب والإنتهاكلت والفساد انتهت بمجرد هذه المصالحة أو هذه المصارحة.
ليست هيئة الحقيقة والكرامة هي الأولى في العالم التي نظمت جلسات استماع إلى ضحايا القمع والتعذيب ممن قدموا إليها ملفات ووقع نقلها مباشرة إلى الرأي العام في كل العالم لقد سبقتها لذلك هيئة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا سنة 1995 ولكن في جنوب إفريقيا وقع إحضار المجرمين وقدموا اعترافاتهم على عكس ما يجري هنا في تونس والذي يثبت مرة أخرى أن مسار الانتقال الديمقراطي ليس في الحقيقة سوى مسار انقلاب على المسار الجذري وكذلك هي هيئة الحقيقة والكرامة ليست أكثر من هيئة لتكريس مسار الانقلاب على مهمة المحاسبة.
إنه التطويع والتلاعب بالعقول
إنها الملهاة بكل أبعادها
إنه السيستام يوظف ضحاياه لستر جرائمه
ولكن وبرغم كل ذلك لاشيء يمكن أن يحول دون مقاومة الأغلبية من أجل فرض التغيير الجذري فالثورة المضادة وإن قدرت على تأجيل الإعصار الكبير فإنها لا تقدر على إلغائه حدوثه ووقتها لن يحول دون ممارسة الأغلبية لوجودها الإنساني أي استغلال أو قهر أو عسف أو فساد أو ظلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
20 نوفمبر 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل