الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاج السخافة بالرداءة

مزوار محمد سعيد

2016 / 11 / 20
كتابات ساخرة


ما أقرب الأزمان عند الذهن المتعالي، أو ما يسمى جزافا بـ: الإنسان، وما أحوج العقلية الجزائرية لتلك العبقرية المطرودة المسماة بـ: القابلية، ففي ظل الوهم المستبد بتضليل مقصود، يسبح الفرد الجزائري في فلك جماعي شاق، وهو يدرك بأنه لا يدرك سوى بمسافة إدراكي لما يجري في مفاعلات روسيا من تفاعلات. لقد شعرنا بالخطر ونحن نزاول أمورنا الواقعية، شعرنا بالسوء ونحن نرافق أيامنا الحياتية، ونحن نلمس تساؤلاتنا الغبية بشركاء أذكياء للغاية، لتغدوا أعمالنا ظرفية وسط أمواج الغضب الروحي الهائل.
منذ صغري وأنا أشاهد مآسي أيام الجزائري تتراوح بين المشكلة والكارثة، وهذه الأوصاف ليست بليغة جدا، لأن الأوضاع على الأرض أكثر تراجيدية مما قد يصوّره أي لسان ولا أية لغة من لغات البشر، فالحالة الاجتماعية مترهلة، والمهنية عاجزة، والمادية مفلسة، والدينية منافقة، والروحية متشعبة، بينما الفكرية لا أجد بما أصفها سوى بـ: القابلية. لا أخفي شعور كرهي للفرنسيين مع تحميلي لهم مسؤولية كل الكوارث التي تعيشها الجزائر إلى الآن، لكن ما يجعلني أكاد أنفجر من لوعة ما يجري من حولي، هي تلك الغباوة التي تصيب الكثير من الجزائريين، غباوة بمزج الضياع بالغباء، وهي حالات تتكرر في محيطي الجزائري بشكل متواتر، علاقة فخمة للتيه بالظلمة، لتنفرج بين العوالم تعقيبات لا تعكس سوى البؤس الذي لم يعرفه حتى فيكتور هوغو في حياته كلها ولم يستطع حتى تخيله.
لم يعد من المفيد أن يلتق الفكر بالعالم الجزائري سوى على سبيل "الرواية"، فقد بقيت صناعة جزائرية بامتياز، وأجاد الفرد الجزائري هذه الصنعة بشكل رائع، بل إن المشاعر الجزائرية بقيت حكرا على الصيغة الروائية بعيدا عن الشعر والعقل والعلم رغم وجود الكثير من الأفراد الجزائريين في هذه المجالات أيضا. ما من حيلة تقترب من الجزائر والجزائريين إلا وتلمس ذاك الانهزام الخفي أمام سلطة عصابية للتعالي الأجنبي، لم أفهم لما هي موجودة رغم وجودها، ولما هي متحكمة في تقلبات المزاج العام لهذه المصادر التي صارت حكرا لا ينفصل عن الجزائريين.
على التاريخ أن يسجّل أن بلادا مثل الجزائر هي بلاد "قراصنة" منذ فجر وجودها، وتحت مسمى الدين والأصالة والانتماء والعروبة والتحضر قدّم العالم الجزائري نفسه كذات تقتات من فتات وغنائم تكتسبها من ثقافات الأرض، ليختلط عليها الحابل بالنابل، وتصبح ذاتا ظرفية مائعة لا تجد أي قالب إلا وتأخذ شكله ولونه؛ وكأن الجزائريين بهم يطبقون كلمة السر في التأقلم التي قال بها كونفوشيوس على الرغم من أني على يقين بأنهم إكتسبوها باليأس لا بالبأس!
تجد الشاب الجزائري أكثر شباب الكوكب ضياعا، وتجد الشيخ الجزائري في حسرة صامتة على ضياع حياته بلا نفع، وتجد المرأة تقبل بمنصب "الجارية"، وتجد الطفل بلا أحلام، وكل هذا موجود لدى الطبقة الواعية فقط، أما أغلبية الجزائريين فهم بعيدين عن الواقع، ولكل منهم وسيلة هروبه منه، فهناك من يهرب إلى عدم المبالاة، والباقي يهرب إلى التفاخر والتظاهر والتمظهر بشكل متغطرس ولا ينبع سوى من ضعف عميق.
أمة بعقلية قرصان بليد، هي الأمة الجزائرية، تتراوح بين المبكي والأكثر حزنا، لا تفرّق بين ألوان الحياة سوى بالخرافات وأهازيج العولمة والحضارة، أمة لا تدرك ماهيات الأمور التي حددها العالم الغربي منذ ما قبل الميلاد، جاءها الوحي فتجاهلت معانيه، وجاءها العلم فحملت عباءته لا غير، وجاءها الشعور فآمنت به سرا وكفرت به في العلن، أمة تسمى بالجزائرية كذّبت وجود الوجود، وراحت تلعن ذاتها كوجود، إذن لا تستحق أن تكون ضمن قائمة الماهيات ولا الموجودات أصلا.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب