الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-قلق غزالة- إنعكاسات على مرآة الشعر

طارق سعيد أحمد

2016 / 11 / 21
الادب والفن


تُرتب نصوص ديوان "قلق غزالة" صورة الشاعرة عالية شعيب أمام قارئها، ليست تلك الصورة التي تطفو من بين ثنايا الديوان، بل صورتها كإمرأة يتدفق الشعر من كل مسامها ليغرق متلقيها في بحر من الألفاظ الشعرية، والتي هي الأخرى تتدخل بدورها لترسم تلك التفاصيل الدقيقة لشخصية تتفجر من ذاتها الشاعرة تجربة إنسانية عميقة تنعكس على مرآة الشعر.
ففي قصيدة "العارية" تثير الشاعرة/المرأة حوار بصري بينها وبين لوحتها العارية التي لم تكتمل بعد بصوت داخلي، هادئ وبإيقاعات شعرية بطيئة وهي واقفة أمامها تقول:ـ
"لا أغار منها
العارية التي في لوحتي
تشعل الغرفة والفراش والستائر
بأحمر شفاها.
لن أكملها
سأتركها تفوح.. تموء طوااال الليل
متوجعة.. متألمة.. متوقعة.. متلبكة.. متوعكة
متنوعة.. متألمة.. منتشرة.. منتشية.. متلوية
ومنتظرة أن تأتيها صباحا، تُقبلها
تقول: صباحك سكر
فتكتمل".
"أنا" قصيدة تُصهر الإنساني بالمادي، وتضيف مساحات مشتركة بينهما، وأبعاد وجدنانية تعيد رسم الحدود الجغرافية للعالم بتذويب المناطق الحدودية الفاصلة بين كل ما هو إنساني ومادي يسمح بإكتشاف الذات عبر المادة، فتقول الشاعرة
"مسافرة في دانتيل اللحظة
حنان يلقي بشباكه ويصطاد الروح
كأن الضياء يراودني عن نفسي
يحدثني عنها
كأنني في مرايا الظل أتعرف إلي
صوتي لوني عطري عطشي
كلما تاه ليل وشردت غيمة
ترتب الكلام
تشكلت التفاصيل
وما آن أوان انعتاق العطر من الزجاجية".
ومن النصوص التي كتبت "له" العاشق /المعشوق الذي يظهر من حين إلى آخر في ديوان الشاعرة عالية شعيب"قلق غزالة" والصادر مؤخرا عن دار "العين"، بحضور تتبدل دلالاته ما بين اكتشافه أو اكتشاف الذات من خلاله أو اكتشاف العالم أو الحديث عنه فقط للحديث عنه تقول الشاعرة
"يدك لي
باطنها فراشي وخارجها معبدي
أصابعها ضلوعي
وخشب سجني وبخور خشوعي
يدك لي
وإن لم تلمسني
إن لم تُعد رسم وجهي وتشكل جسدي
إن لم أزرعها قمحا
وأجنها قُبلا
ما نفع الحياة
وما جدوى الوجود؟".
وبهذا السؤال الوجودي "ما جدوى الوجود؟" تتبلور في ذهن المتلقي حزمة من الأفكار التي تقف ما بين الوجدان والوجود غالبا ما تكون غامضة ومجردة، لكن السياق الشعري السلس وألفاظه الناعمة المنتقاه، والتي يبدو عليها أنها فرضت نفسها على الشاعرة أثناء الكتابة أذابت كل العلاقات بين كل ما هو وجداني وفلسفي.
وفي قصيدة "توقيت" يتجلى الزمن ويتلاشى المكان وفي لحظة حاسمة يتحول الزمن إلى "أنا" العاشق المحقق الواقعي والدال الوحيد على الوجود فتقول الشاعرة في بداية النص
"الساعة الآن، أنا إلا أنت
وبعد ساعة، أنا.. سواك
وبعد ساعتين،.. أنا وأنا
وبعد ساعات،.. أنا
وآخر اليوم، قلبي.. تك.. تك
صرت أنا الساعة".
وإذا كان بداية النص أكثر ذهنية وكتابة شعرية تأملية استغلت الشاعرة فيها تقنيات وإمكانات استخدام اللفظ الواحد وتحريكه من مكان إلى آخر لتتبدل دلالته وتتراكم فوقه المعاني المتنوعة، جذبها من جديد قلبها النابض بشيء من الحب وسيطر على قلمها فتقول
"وجهك قبلتي
صوتك سجادة صلاتي
وقُبلتك بوصلتي
أخاف أن يأتي الليل دون صوتك
وأخاف أن يليه الصباح دون صوتك".
وكأنها تنتصر للحب دون غيره، رغم كل الإشارات الشعرية التي تضيء من حين إلى آخر في مواقع مختلفة في ديوانها الأخير"قلق غزالة" والتي تؤكد أن الحب له وجوه كثيرة، وأحيانا يكشر عن أنيابه ليلا.
هامش: عالية شعيب شاعرة وروائية وقاصة وتشكيلية من مواليد الكويت، حصلت على ليسانس آداب قسم فلسفة من جامعة الكويت عام 1985، كانت رسالة الماجستير من جامعة برمنجهام البريطانية عام 1991 في فلسفة الأخلاق وكان موضوعها "أخلاقية الفعل الإنساني"، وفي عام 1994 حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة برمنجهام البريطانية وعنوان رسالتها "الهوية الجسدية للمرأة في القرآن"، عملت في جامعة الكويت، قسم الفلسفة كأستاذة لمادة فلسفة الأخلاق منذ 1994 وحتى 2008، كما انها عضو في رابطة الأدباء الكويتيين، صدر لها العديد من الإصدارات القصصية والشعرية والدراسات الفلسفية منها"امرأة لا تتزوج البحر" قصص قصيرة عن دار كاظمة الكويتية عام 1989، "أحبك لا أحبك" ديوان شعر دار المختبر الأخلاقي أمريكا 2004، "كلام الجسد" دراسة أخلاقية في طبعتين دار المختبر أمريكا 2001، "طيبة" رواية دار المختبر الأخلاقي أمريكا 2005، كما أنها أقامت ستة معارض تشكيلية بين الكويت وبريطانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين