الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود اليمين المتطرف فى الغرب..محاولة للفهم

رياض حسن محرم

2016 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


كوكتيل من القوى اليمينية التى تحمل شعارات عنصرية من عناصر سياسية تمثل أحزاب يمينية وتطلق شعارات شعبوية تقربا للجماهير اليائسة والمحبطة ويمكن إضافة بعض تيارات اليسار المغامر ذوى الملامح الفوضوية لتشكل جميعها الصعود الحاد لظاهرة اليمين المتطرف العنصرى فى الغرب.
بدأ صعود الفكر الشعبوى فى أمريكا منذ زمن طويل وتحديدا فى ستينات القرن الماضى ممثلا فى المرشح الجمهورى الملياردير "بارى جولد ووتر" فى مواجهة ليندون جونسون "الذى صعد على أكتاف جون كينيدى بعد إغتياله" حيث أكمل مدة رئاسته وإستطاع الفوز بسهولة على جولد ووترالذى ركّز فى دعايته الإنتخابية على نيته إلغاء برنامج الرعاية الإجتماعية المعمول به فى أمريكا والحديث عن إستعمال القنابل النووية لضرب فيتنام الشمالية، بينما من المعلوم بالضرورة أن رونالد ريجان هوالأب الشرعى للإتجاه المحافظ والنيوليبرالية الجديدة بينما على الشاطئ الآخر من الأطلنطى كانت مارجريت تاتشر، وقد بدأت تلك الأفكار فى أوروبا الإنتشار من فترة الحرب العالمية الثانية، وقد عرفت أوروبا مع منتصف الثمانينيات من القرن الماضي موجة انتشار الأحزاب اليمينية المتشددة. وهو انتشار حرك داخليا الخريطة السياسية الأوروبية لطلوع نجم اليمين المتشدد على حساب التشكيلات السياسية التقليدية، كما أثار خارجيا جملة من ردود الأفعال لاستهداف هذا اليمين المتشدد الشرائح الاجتماعية غير الأوروبية التي تسكن في أوروبا، وتتفق جميع أحزاب اليمين الأوروبي المتشدد على فكرة واحدة، وهي أن المهاجرين وأبناءهم وأحفادهم وما سيخلفونه من نسمات في المستقبل هم مصدر الشر ومنطلق جميع المشاكل في أوروبا، كما يغلب على زعماء أحزاب اليمين المتشدد الأوروبي سلاطة اللسان والنزول في الخطاب إلى مستوى السجال البذيء والتنابز بالألقاب، وقد عرف ذلك عن يورغ هايدر في النمسا وعن جيانفرانكو فيني في إيطاليا وجان ماري لوبن في فرنسا.
لنلقى نظرة على وضع القوى اليمينية المتطرفة بأوروبا فى العقود الأخيرة:
1- منذ منتصف الثمانينيات أصبح حزب "الكتلة الفلاماندية "، ذلك الحزب البلجيكي المعروف بين صفوف المجموعة الفلاماندية، التشكيلة السياسية الثالثة على مستوى اليمين الأوروبي المتشدد. حصل هذا الحزب في يونيو 1999 على 15% من الأصوات خلال الانتخابات التشريعية كما يوجد 11 عضوا من اليمين المتشدد البلجيكي في البرلمان و5 أعضاء في مجلس الشيوخ.
2- في ألمانيا ومنذ الحرب العالمية الثانية استطاع اتحاد الشعب الألماني "DVU" أن يحصل في أبريل 1999 على نسبة 12.9% من أصوات الناخبين.
3- في النمسا تضاعفت قوة حزب الحرية النسماوي أربع مرات منذ رئاسة يورغ هايدر له عام 1986 وقد دخل في ائتلاف حكومي في 4 فبراير 2000 في سابقة تاريخية لم تعرفها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
4- في الدانمارك تحالف حزب الشعب الدانماركي وحزب التقدم المتشددان وحصلا على نسبة 16.8% من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 1998. وفي نوفمبر 2001 أظهر الاقتراع بالدانمارك أن حزب الشعب الدانماركي المتشدد بزعامة السيدة بيا كجاريغارد سجل فوزه بنسبة 12%.
5- في فرنسا، وقبل أن يبدأ الصراع الداخلي بين لوبين وميغريه فقد استطاعت الجبهة الوطنية أن تحصد أكثر من 14.38% من أصوات الناخبين الفرنسيين في الانتخابات الرئاسية عام 1988، كما تقدم لوبين إلى الشوط الثاني مع جاك شيراك في انتخابات أبريل 2002 وحصل على 19.9% من أصوات الناخبين الفرنسيين في الدور الأول و17.8% في الدور الثاني
6- في إيطاليا نجح حزب الجامعة الشمالية في الحصول على 10.1% من الأصوات في تشريعيات 1996.
7- في النرويج حصل حزب التقدم برئاسة كارل آي هاغن وهو حزب يميني متشدد على 15.3% في تشريعيات 1997. كما فاز بنسبة 14.7% في انتخابات سبتمبر2001 وأصبح ثالث قوة سياسية بعد حزب العمال النرويجي وحزب المحافظين.
8- في بريطانيا استطاع الحزب الوطني البريطاني برئاسة "نيك جريفين" أن يحصل على ثلاثة مستشارين بلديين بضواحي مانشستر في انتخابات 2 مايو 2002.
الواقع أن هذه الأحزاب فى الوقت الحاضر لم تعد ظاهرة هامشية في المشهد السياسي الأوروبي، بل إنها أصبحت ذات ثقل شعبي معتبر، وطرفا ثابتا في المعادلات الانتخابية، وفاعلا سياسيا يتزايد تأثيره في صياغة الرأي العام الأوروبي خاصة بعد تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية وموجات الإرهاب التى تضرب المدن الأوروبية، ولا تجرؤ هذه الأحزاب عادة على المطالبة الصريحة بنظام مؤسسي غير ديمقراطي، لكن أبرز قواسمها المشتركة هو نفورها من النظام الديمقراطي وعداؤها للطبقة السياسية التقليدية، ومواقفها في هذا الميدان تميل غالبا إلى تبنى خيارات نيوليبرالية تعارض أي دور للدولة في إعادة توزيع الثروة أو توجيه دفة الاقتصاد، كما تتجلى نزعتها اليمينية عبر صراعها مع قوى اليسار شيوعية واشتراكية، وينطلق مفهوم الوطنية هنا من منظور عرقي -عنصري أحيانا- يميل إلى إقامة فكرة المواطنة على أساس القرابة الدموية، كما يمتاز الخطاب الوطني لدى هذه الأحزاب بصياغته العدوانية ونزعته الإقصائية التي تكشف طبيعته الشوفينية واعتماده على فكرة النقاء التاريخي، وتنحو بنشاطاتها منحى شعبويا ديماغوجيا في الشكل والمحتوى وهو ما يظهر في ميلها المفرط إلى الصدام والمواجهة مع القوى السياسية التقليدية، وسعيها لاستغلال مشاعر القلق وعدم الرضا لدى المواطن العادي، ويبدو أنها وجدت ضالتها في موضوع الهجرة متخذة من التحريض ضد المهاجرين والأقليات المحور المركزي لإستراتيجيتها الدعائية ولها موقف مشترك "على العموم" ضد المسلمين وهاجسها يتجلى فيما يعرف بالإسلاموفوبيا حتى انهم ذهبوا بعيدا لاقتراح منع المسلمين بالذات من الهجرة الى الى الاتحاد الاوروبي وغلق الابواب بوجوههم نهائيا وهو ما جاءت ترجمته فى مواقف ترامب الأخيرة، لذا فإن الهاربين من الجحيم في الشرق الاوسط، وجدوا انفسهم في موقع الاتهام في اي مآساة تحدث في البلاد التي حلوا فيها، ومع كل هجوم إرهابي، فإن اليمين الأوروبي يعمد لتحميلهم المسؤولية عن هذه الجرائم، عن طريق التعبئة الإيديولوجية، وإثارة إشكالات حول جذور العنف في الإسلام و"الإرهاب الإسلامي"، وعدم قابلية الإسلام للإندماج مع الثقافات الوطنية الأوروبية ومناعة الإسلام ضد العلمنة ومعارضة القيم الإسلامية للقيم القومية الأوروبية، إن الصعود المسجل الآن لا يمثل نجاحا لهذه الأحزاب بقدر ما يعتبر فشلا لطبقة سياسية أصابها الترهل ونال منها الفساد، وعرضا لمأساة مجتمعات أوهنتها الشيخوخة وتعرضت لأزمة قيم واتخذت من القلق الاجتماعي، والاستياء السياسي، والتردي الاقتصادي والمخاوف حول مستقبل الهوية "الإثنو- وطنية" أساسًا لإنتاج خطابها.
ليس بعيدا القول بأن ظاهرة صعود الحركات الشعبوية اليمينية في المجال السياسي الأوروبي، تتمأسس على نواة صلبة من الحراك الثقافي الفلسفي، بعبارة أخرى لا تقف عند حدود السلطة السياسية، بل تترجم إلى سلوكيات اجتماعية قد تهيئ المجال مستقبلا لتتطور إيديولوجيا هذه الحركات، إلى حركات أكثرراديكالية وعنصرية كالفاشية والنازية، لا جدال أن ظاهرة الإستقطاب الدينى والقومى والعرقى تنامت منذ عقود طويلة ليس فى الغرب فقط ولكنها ضربت بعنف فى مشرقنا العربى والإسلامى أيضا وتتمثل قمتها فى حركات الإسلام السياسى وحركات العنف والتكفير وعلى رأسها القاعدة وداعش التى أسس لها فكريا سيد قطب وجماعة الإخوان المسلمين، حدث ذلك منذ سبعينات القرن الماضى فيما سماه منظرى تلك الحركات بالصحوة الإسلامية التي بدأت تتنامى كالطحالب وتصاعد ظاهرتى الحجاب والنقاب وانتشارالممارسات الطائفية والمعادية للغير وصب جام غضبها على الغرب الصليبى الكافر وقيمه الديموقراطية والعلمانية وغيرها، ووصل الامر الى معاداة حتى المؤتلفين مذهبيا والمختلفين عقيديا الى حد استعمال السلاح ضدهم وإهدار دمائهم، حيث بدأ الشباب الاوروبي يميل كل الميل للشخصيات التعبوية والجماهيرية لتحتل هذه الشخصيات موقعا على الساحة السياسية، كما حصل مع لوبان في فرنسا وهايدر في النمسا وجانمات في هولندا وديلن في بلجيكا، كما تتسم تلك الأحزاب التي تشكل ما يسمى باليمين المتطرف بمجموعة من الخصائص التي تشكل نسقا تميزيا، فأغلبها ينطوي على عداء للاندماج الأوروبي، ولسياسات الديمقراطية الاجتماعية الميالة لليسار، كما تدعو تلك الأحزاب إلى تقليص الضرائب، وتشديد عقوبات الجرائم، وعدم الاكتراث بالقضايا البيئية، وبعد انتهاء الحرب الباردة وتأكيد تلك الأحزاب على الخصوصية القومية الأوروبية، ولأن تلك الأحزاب تمثل الاتجاه الراديكالي الذي يستجيب لسخط المواطنين الأوروبين من فساد وعجز الحكومات عن مواجهة مشاكل البطالة وتراخيها في مواجهة الهجرة غير الشرعية من وجهة نظرهم منذ أزمة اليورو في أوروبا، بالإضافة إلى التساهل في حقوق العمالة فيما يخص التسريح والرواتب لمحاولة جذب الاستثمارات، ومع تزايد موجة المهاجرين بسبب موجات ثورات الربيع العربي وزيادة تدفق اللاجئين الذين عمقوا مشاكل البطالة، وكذلك ما يكلفه اللاجئ الدولة كإقامته وما تكلفه تلك الإقامة من مصاريف يومية، و المصاريف على التعليم والصحة وغير،ه بالإضافة لتكاليفهم الأقل كعمال بدلاء عن العمال الأوروبين.
إلا أن الخطاب والتوجه الحالي لهذا اليمين يختلف بالعديد من التفاصيل عن الذي سبقه، فلا يكتفي هذا اليمين باعتماد شعارات وعناوين اليسار، بل يقوم باقتباس الفكر اليساري بطريقة مجتزأة، وضمّه إلى تراثه، في محاولة لتوسيع قاعدته الشعبية وتأكيد ادعائه بتجاوزه التصنيفي يسار ويمين، فنرى أن مارين لوبان في كتابها "كي تعيش فرنسا "تستند إلى أقوال العديد من المفكرين والسياسيين والكتّاب وغيرهم من اليساريين، من جورج مارشيه إلى جورج أورويل إلى برتولد برشت وحتى إلى كارل ماركس نفسه، مثنيةً في طريقها على بدايات هذا اليسار، ومعتبرةً أن هذا اليسار خان مبادئه، وملمّحةً إلى أن هذه الأهداف باتت تحملها الآن "لجبهة الوطنية"، يبقى الأهم وهو أن إحدى الدوافع الرئيسية وراء هذه الأسباب هي الانتهازية المتأصلة في فكر اليمين المتطرف، الذي لا يتوانى عن أخذ أي موقف كان، أو فعل أي شيء، شرط أن يقرّبه ولو قليلاً إلى السلطة، ومنذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، في التاسع من نوفمبر الجاري، ازدهرت المخاوف من الترامبية من جهة، بينما انتعشت الآمال لدى اليمين الشعبي المتطرّف الأوروبي، بأن تتكرّر السابقة الترامبية في القارة الأوروبية. وقد رأت المرشحة الفرنسية ماري لوبين أنها مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وترامب سوف يشكلون ثلاثياً رائعاً (في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في مايو المقبل). لم تتجاوز زعيمة الجبهة الوطنية التي ورثت زعامة الحزب عن أبيها الحقائق، حين اعتبرت أن ترامب وبوتين يشكلان الآن ثنائياً، بانتظار انضمامها إليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بئس الرؤية
حميد خنجي ( 2016 / 11 / 22 - 22:34 )
كنت اعتبرك يا سيد رياض كاتبا معتبرا ومحللا جيدا للأوضاع الجديدة في العالم. أما اليوم في هذا المقال بالذات.. وفي الجملة الأخيرة من مقالك. فإنك تراجعت إلى درجة البلاهة السياسية. فتأمل ما تقوله أو ما توحي اليه: فهل بالفعل بوتين يمثل اليمين المتطرف

اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ