الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهدي النجار :قابليات طواها الدهر سراعاً

شكيب كاظم

2016 / 11 / 21
الادب والفن


حين يكون المثقف الإشكالي بين نارين

منذ سنوات بعيدات قرأت روايته (الجذور ) الصادرة عن مطبعة النعمان بالنجف سنة 1972 ، و إذ نشرت له مجلة ( الثقافة ) التي كان يصدرها أستاذي الفاضل الدكتور صلاح خالص ، أكثر من رواية هما ( الطيور ) 1974و (زينة )1975 ، فضلاً على رواية ( الطيب عباس … عباس الطيب ) عن مطبعة النعمان بالنجف – كذلك – سنة 1973 ، فأني لم أحظ بقراءة الروايات هذه إذ لم أعثر عليها في أسواق الوراقين و الكتب ، كما نشرت المجلة ذاتها كتابه الفكري (الثورة الدائمة في العصر الإسلامي الوسيط) عام 1976 ، ومن خلال استقرائنا لتواريخ إصدار كتبه هذه ،نجد أن الكاتب و الباحث مهدي النجار ، كان يرفد المكتبة العراقية ، بكتاب كل عام ، و إذ تتعالى الأدلجة و الرأي الواحد ، يصمت مهدي النجار مداوياً جراحاته ، وما أشد قسوة الصمت على الأديب و الباحث ، الذي يجد نفسه محملة بأثمارها ، لكن غير مسموح له تسويق هذه الثمار و الأفكار.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة2003 بدأت أقرأ مقالاً لمهدي النجار هنا ، ودراسة هناك، والتقيت به في مربد البصرة في حزيران 2007، كان يكتب في صحف (الزمان) و (المدى) و(الصباح) و(الأهالي) ، مقالات في الفكر و الفلسفة و الرأي ، وقلة هم الذين يكتبون في هذا اللون ، حتى عثرت على كتابه السابع الموسوم بـ (المثقف الإشكالي بين نارين ) وعنوان فرعي (أوراق نقدية ) صدر الجزء الأول منه عن دار المرتضى ببغداد عام 2008، واقفاً عند مصطلح الإشكالية ، الذي يراه صفة لقضية لا يظهر فيها وجه حق ويمكنها أن تكون صادقة ، إلا انه لا يقطع بصدقها ، وقد قرأت قريباً من هذا التفسير لمصطلح الإشكالية ، رأي المفكر السوري الكبير جورج الطرابيشي في كتابه المهم (هرطقات . عن الديموقراطية و العلمانية والحداثة و الممانعة العربية ) الصادرة طبعته الثالثة عن دار الساقي و بالتعاون مع رابطة العقلانيين العرب سنة 2011.

صالح بن عبد القدوس ومقتله الفاجع

لقد قسم الكاتب مهدي النجار المولود بداية أربعينات القرن العشرين و المتوفى في آذار / 2010 كتابه هذا (المثقف الإشكالي بين نارين ) إلى قسمين ، أحتوى القسم الأول على مقالات في الثقافة و الفكر و السياسة في حين درس في قسمه الثاني الذي سماه (إشكاليون في الثقافة الإسلامية ) درس فيه الفيلسوف ابن رشد ، وابن خلدون وجدليات التاريخ ، ومسكويه فيلسوف الأدباء ، فضلاً عن التوحيدي أديب الفلاسفة ، كل هذه المقالات وغيرها مما لم أذكره ، ظلت تنهل من معين واحد وتؤكده ، ضرورة احترام حرية المعتقد ، وحرية الكتابة و التعبير ، التي عانتها على مدى حقب التاريخ ، وبلبوس شتى وصور مختلفة .

لقد وقفت طويلاً عند حديثه الموسوم بـ (صالح بن عبد القدوس . صاحب الحكمة و الموعظة ) الذي عاش في مدينة البصرة وقال أبياتاً تمس صميم المعتقدات الإسلامية ، ومنها كتابه (الشكوك ) الذي يقول عنه : إن قرأه شك فيما كان حتى يتوهم فيما كان انه لم يكن ، وشك فيما لم يكن حتى يظن أنه كان ، وله أبيات مقذعة يُعَرّض فيها بزواج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش ، وكانت ثالثة الأثافي ، أو قاصمة الظهر ، قصيدته التي جاء فيها قوله:

و الشيخ لا يترك عاداته حتى يوارى في ثرى رمسه

وفي رواية :

و الشيخ لا يترك أخلاقه

وإذ يستدعيه الخليفة المهدي ، سائلاً إياه عن صحة أبياته المعرِّضة بزواج زيد ، يؤكد صالح بن عبد القدوس ، انه ما قال هذه الأبيات بل دُسَتْ عليه إرادة الإيقاع به وقتله ، و إنه ما أشرك بالله طرفة عين ، ضارعاً إلى الخليفة ان لا يسفك دمه على الشبهة ، مستشهداً بالحديث الشريف ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) لكن يأتي قتله من خلال طلب المهدي منه قراءة قصيدته السينية المشهورة ، حتى إذا وصل إلى البيت الذي دونته أعلاه، أُسْقِطَ في يد صالح بن عبد القدوس ، وكأن هذا البيت صك اتهام لا يقبل الدحض قائلاً له : سنطبق عليك ما قررته ، فأنت الشيخ الذي لا يترك عاداته حتى يوارى في ثرى رمسه وقبره ، فقتل وصلب ويذكر المعري في (رسالة الغفران ) فضلاً على ياقوت الحموي في ( معجم الأدباء ) ان الخليفة المهدي ضربه بالسيف فشطره شطرين.

و أعود إلى مقالة (صالح بن عبد القدوس ) لأقف عند بعض ما ورد فيها معلقاً ومصوباً.

1- قال الباحث مهدي النجار : ((يقول ابن الأثير في تأريخه : كانت تلك التهمة في زمنه وسيلة للإيقاع و الانتقام )) ويشبه باقر باسين في كتابه المعنون (( تاريخ العنف الدموي في العراق )) تلك المؤسسة بـ ((محاكم التفتيش )) الدموية وكان رئيسها يسمى (( صاحب الزندقة )) وقد أعدم المئات من البشر على يد تلك المؤسسة وفروعها المنتشرة في البلاد ، وبين أولئك الضحايا كثير من الشعراء و الفقهاء و المثقفين : ((بشار بن برد ،.و الجاحظ )) ص 149-ص150.

أقول : وإذا كانت هذه الميتة أو بالأحرى المَقّتَلَةُ من نصيب بشار بن برد بسبب الوزير يعقوب بن داود الذي كان يكيده عند الخليفة المهدي ويوغر صدره عليه ، بعد ان كان مقرباً من الخليفة المنصور ، لا بل كان شاعر البلاط العباسي ، إذ كان المهدي يكره تشبيبه بالنساء وغزله الفاجر ، فقطع عنه عطاءه ، ثم ظل ابن داود يزري به عند الخليفة ، لما كان يصله من هجاء ، إذ كان بشار بن برد على عادة الشعراء ، الذين وصفهم القرآن فأحسن وصفه هَجّاء مقذعاً ، وكان ينشد بعضها في مجلس يونس بن حبيب النحوي ولعلها وصلت للوزير ، الذي اغرى به الخليفة فقتله بالتهمة الجاهزة : الزندقة.

لكن هذه الميتة لا تنطبق على أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ(150-255هـ) الذي عاش أكثر من مئة من السنين ، ووهن العظم منه ، ومات ميتة طبيعية ، وبقي قلمه حياً وذهنه متوقداً حتى آخر رمقه في الحياة ، حيث أنجز كتابة (رسالة العقل و الأدب ) في سنة 255هـ أو نحو ذلك في خلافة المعتز أو المهتدي ، وحين يبلغ نبأ وفاته – كما تقول الباحثة الدكتورة وديعة طه النجم التي نالت شهادة التفوق الأولى على طلبة كلية الآداب و العلوم عام 1949- إلى المعتز يبدي أسفه قائلاً:

((قد كنت أحب أن أُشْخِصَهُ إلي وأن يُقيمَ عندي)) . تراجع ص30 من كتاب (الجاحظ ) تأليف الدكتورة وديعة طه النجم الصادر عن الموسوعة الصغيرة ، وهو من منشورات دار الجاحظ ببغداد سنة 1982 ، نقلاً عن تاريخ ابن عساكر إذ من المعروف للدارسين ، أن الجاحظ أخريات أيامه عاد إلى مسقط رأسه البصرة .

2- قال الباحث الكاتب مهدي النجار (( وفوق محنة العمى التي أصيب بها الشاعر الحكيم في خريف عمره فقد لاحقته محاكم التفتيش سيئة الصيت ، فكما يروي ابنُ القارح في رسالته إلى أبي العلاء المعري : ((أحضر – أي المهدي – صالح بن عبد القدوس وأحضر النطع)) وهنا يفسر الباحث مهدي النجار معنى ( النطع ) ليقول : هو شبيه بكرسي الإعدام فقال صالح: علامَ تقتلني فأخذ غفلته السياف ،فإذا رأسه يتدهدأ على النطع وفي هامش (رسالة الغفران ) التي حققتها الدكتورة عائشة عبد الرحمن يذكر أن المهدي نفسه ضربه بالسيف فشطره شطرين، وصلب بضعة أيام ثم دفن عام 778 تراجع ص151-ص152.

أقول: إن النطع ليس يشبه كرسي الإعدام ، بل هو بساط من الجلد أو وعاء من الجلد يشبه الطشت أو الطست ، يفرش أو يوضع تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس ،إنهم يجلسونه فوق هذا النطع ، خشية ان يشوه الدم المراق ظلماً مجلسهم، مجلس الأمير أو الخليفة الأنيق ومنظره ، وكان بودي لو نقل لنا نحن قراءه المحاورة التي جرت بين الخليفة المهدي وابن عبد القدوس الذي قتله بيت الشعر الذي قاله ، وهو ما فصلته في حديثي آنفاً .

ومن المقالات المهمة في هذا الكتاب الإشكالي و المهم للكاتب و الباحث العراقي مهدي النجار، الذي طواه الموت سراعاً ، حتى قبل ان يقول ما في جعبته ، بعد ان أسكتته الأدلجة والرأي المتعسف الواحد طويلاً، أقول من المقالات المهمة مقالته الموسومة ( التوحيدي : أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء) مع عنوان فرعي هو مقولة رائعة لأبي حيان ، وهناك أبو حيان آخر في ثقافتنا العربية الإسلامية هو أبو حيان النحوي ، درسته الباحثة المقتدرة الدكتورة خديجة عبد الرزاق الحديثي ، دراسة ضافية نالت عنها درجة الدكتوراه ،اقتنيته من معرض بغداد الدولي خريف سنة 1975 ، و المقولة الرائعة هي : إن الإنسان أشْكَلَ عليه الإنسان.

و إذا كان ابن رشيق القيرواني في كتابه ( العمدة ) قد وصف المتنبي بـ ( مالئ الدنيا وشاغل الناس) فذهبت مقولته الرائعة مثلاً شروداً ، فان ياقوت الحموي في كتابه (معجم الأدباء) ما كان بعيداً عن الحقيقة و الصواب ، إذ وصف أبا حيان التوحيدي بـ (فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام ، ومتكلم المحققين ، و إمام البلغاء ) فذهب وصفه مذهب الأمثال و الأقوال.

أبو حيان الذي ما أعطاه مجتمعُه حقه ،ومتى أعطت مجتمعاتُنا حقوق أفذاذها وكُبّارها ؟ أمضى العمر يعتاش على نسخ الكتب كما أمضى الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان سنوات عمره، في مغتربه الموسكوفي المتجمد ، مترجماً في دار التقدم أو دار داروغا بموسكو ، فأكلت الترجمة المستمرة نور عينيه .

بقي لي ان أشير الى إن الباحث مهدي النجار ، يستخدم التأريخ الميلادي في تأرخته لحوادث التأريخ الإسلامي ، وهذا قفز على حقائق الحياة ، فتأرخة هذه الحقبة يجب إن تكون بالتقويم الهجري وحتى سقوط الدولة العثمانية ، ولا مانع أن نضع إلى جانب التأريخ الهجري ، لغرض التوثيق والتدقيق ، نضع التأريخ الميلادي ، أما الاقتصار عليه فلا يجوز في شروط البحث العلمي الرصين .

كما رأيته ينسب مقولة :

ضيعوني وأي فتى أضاعوا ، ينسبها للمتنبي قائلا: صرخ أبو الطيب المتنبي مشدوها ص29، كما يعيدها في موضع آخر ص 31 ، و الحقيقة انه شطر بيت مشهور لعنترة بن شداد العبسي الشاعر الجاهلي :

أضاعوني و أي فتى أضاعوا …. ليوم كريهة وطعان ثغر

وفي رواية : وطعان نحر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل