الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية مجدى مكين

رفعت عوض الله

2016 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


قضية مجدي مكين
شاء القدر او الحظ العاثر او همجية ضباط الشرطة وإستخفافهم بكرامة الناس خصوصا الفقراء البسطاء الجهلاء الذين بلا سند ولا مال ولانفوذ ،الذين يعيشون يوما بيوم يكدون ويكدحون لتوفير لقمة العيش لنساءهم واولادهم كثيري العدد ،فالإنجاب وكثرة النسل سمة مميزة لأولئك الفقراء الجهلاء الذين يفترسهم الفقر والمرض والجهل والتواكل .
أقول بعد أن جاب مجدي مكين الشوارع والحارات باع ما في حوزته من سمك فشكر الله علي الرزق الذي وهبه إياه .صرف الأب أبنه الأكبر الذي كان يصحبه ليفي بمطالب الأسرة كبيرة العدد من طعام وغيره ،وذهب هو ليبتاع علفا لحصانه الهزيل المنهك الجائع .في الطريق صادف أثنين من أصدقائه ،وركبا معه الكارو . صادف ميكروباص مسرعا كالعادة ،صدم سائق الميكروباص الارعن العربة الكارو فقال مجدي مكين للسائق المتهور : " مش تفتح ؟! " فسب السائق الرجل .
في تلك اللحظة الفارقة كانت دورية راكبة تسير في ذات الشارع . نظر الضابط " نقيب " وسمع الصياح بين الرجلين ، ترجل من السيارة ، وجه سبابا وشتيمة كعادة ضباط الشرطة . نظر مجدي مكين للضابط وهاله انه لم يرتكب خطأ فلماذا يُشتم ويُسب ؟!
فتجرأ ولعله فعل ذلك لانه رجل مستقيم ومؤدب وقال للضابط : " أنا في سن أبوك ،هل ترضي إن ابوك يتشتم ؟"
لم يكن الضابط المتعجرف المتعالي والذي ينظر بإحتقار لأمثال مجدي مكين العربجي ،يتوقع أن يرد عليه العربجي هذا الرد البليغ ،ودار في ذهن ذلك الضابط أن الرجل يشبه نفسه بوالد الضابط ،وهل من وجه شبه بين وضيع حقير نكرة مثل هذا العربجي ووالد الضابط الباشا ؟ ،وكيف يجرؤ هذا الحقير علي أن يقول له " ترضي ان أبوك يتشتم ؟!" فمن يجرؤ علي شتم والد الضابط الباشا ؟!
ترتب علي كل هذه التداعيات في ذهن الضابط أن تمكن منه الغضب العارم الجامح فأقترب من الرجل المسكين وكال له الضرب ركلا وصفعا وسحلا ،وترك السائق ليذهب ،وإقتاد معاونوه من امناء الشرطة الرجل لقسم شرطة الاميرية .
في القسم نصب الضابط السادي المريض منصة تعذيب وحشي همجي للرجل المسكين ،وامعن الضابط ومعاونوه في تعذيب الرجل وهتك عرضه حتي جاءه قضاء الله الذي وضع نهاية للمهانة والتعذيب الوحشي بموته .
هل ما حدث لهذا الرجل المسكين لون من العبث اواللا معقول ؟ الرجل فقد حياته بعد تعذيب وحشي همجي علي يد ضابط سادي متجرد من الإنسانية ومجموعة من امناء الشرطة لا هم لهم سوي إرضاء الضابط المريض فامعنوا في تعذيب الرجل الذي اغضب الباشا الضابط .
إن الذي حدث للرجل المسكين مجدي مكين حدث مئات بل آلاف المرات مع مصريين مساكين وسوف يحدث مرارا وسوف يتكرر الامر .
في بنية الشخصية المصرية الشرقية ،وفي بنية الدولة ،وبنية الحكومة والسلطة والمسؤولين لا قيمة ولا إعتبار ولا كرامة للإنسان من حيث هو إنسان ،الإنسان المجرد ، فالقيمة للمنصب والنفوذ والفلوس ومن هم علي صلة بالمسؤولين ،او من يحتمون بعائلاتهم .
الطبقية منظور منه ننظر للناس فنصنفهم ونضع طبقة فوق طبقة حتي نصل للطبقة الدنيا والتي عنوانها الفقر والجهل والمرض والإحتقار والإستعلاء عليها والنبذ والتأفف منها ،وإلي هذه الطبقة ينتمي المسكين مجدي مكين .
حين تكون القيمة للمنصب والنفوذ والعائلة والفلوس فلا معني للقانون ،ولا قيمة له ،لان في بلادنا المنصب والنفوذ والفلوس والعائلة دأئما تهزم القانون بالضربة القاضية . لذا غالبا كل الجرائم التي أُرُتكبت بحق الفقراء المهمشين أفلت المجرمون الذين أقترفوها من طائلة القانون ومن العقاب لانهم مسنودون .
وحين يكون الامر كذلك فلا معني لمفهوم المواطنة ،لان ذلك المفهوم يقضي بتساوي الناس في الحقوق والواجبات ،وتساويهم أمام القانون .
نتيجة لتلك الروح التي تحكم بنية المجتمع المصري الشرقي نجد الدولة والحكومة والمسؤولين بل ومجلس النواب الذي يمثل الناس ويزود عن حقوقهم يهونون من شأن الجرائم المرتكبة ،ويصورونها علي انها حوادث فردية ،وتعمل وتتكاتف الاجهزة علي حماية المجرم مرتكب الجريمة ومساعدته علي الإفلات من العقاب ، بل وتزوير المحاضر وتقارير الطب الشرعي ، ويخرج المسؤولون للناس بكلام مخالف للحقيقة ومبرر ومبرئ لمرتكب الجرم . وتكون النتيجة تكريس الجريمة بحق الناس المقهورين وتقديم تحريض ضمني علي إرتكاب المزيد من تلك الجرائم .
البنية الحاكمة لتوجهات وسلوك الدولة والمجتمع المصري لا تسعي الى تغيير ،ولاتريد إقرارا بالواقع المؤلم ، ولا تري حقوقا لمن يقع عليهم الجرم .
هناك علاقة وثيقة بين كيفية حكم البلاد وجرائم الشرطة وغيرهم بحق المصريين . الدولة تُدار وفقا لمشيئة الحاكم ، وبإرادة فردية منه ، وهو بوصفه أبن للمؤسسة العسكرية المصرية وامتداد لحكام يوليو1952، لا يؤمن بالديمقراطية ، لذا نراه حاكما يحكم بطريقة فردية ، وكل مؤسسات الدولة تخدًم علي ما يريده ويراه الرئيس حتي السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب والذي وظيفته مراقبة الرئيس والحكومة ومعارضتهما إن لزم الامر . نراه يخدًم علي الرئيس والحكومة ويبرر ما يفعلانه ويقررانه .
في بلد محكوم بالنفوذ والمناصب والحكم الفردي ، الفرد ليس له قيمة وخصوصا من كان ينتمي للطبقة المنهوشة من الفقر والمرض والجهل ، فأذا وقع أحدهم في شباك من لهم سلطة وسطوة مثل الشرطة فالويل كل الويل له ، وما حدث للمسكين مجدي مكين انما حدث للكثيرين قبله ، وما سيحدث للكثيرين بعده أمر طبيعي ومنطقي .
مصر لم تعرف بعد الحداثة ،مصر لم تعرف بعد معني الحرية وحقوق الإنسان ، مصر لم تعرف بعد معني المواطنة . مصر لم تعرف بعد معني القانون ولا سيادته ، مصر لم تعرف بعد قيمة الإنسان المجرده ، مصر مازالت تعيش في الماضي اللا إنساني............. أيها المسكين مجدي مكين لن تكون اخر الضحايا !
رفعت عوض الله
كاتب وباحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شئ محزن
احمد سعيد ( 2016 / 11 / 22 - 05:37 )
من المؤكد ان مصر على فوهه بركان سوف ينفجر عاجلا او اجلا , المؤلم اننا لانعلم كيف ستكون تداعيات هذا الانفجار المرتقب , مما يعقد المشكله كثيرا وجود ثلاث اضلاع تحيط بالدوله المصريه المنكوبه , الضلع الاول هو مركب الجهل والفقر والمرض المتفشى بين الغالبيه الكاسحه من الشعب الذليل المسحوق المغلوب على امره , الضلع الثانى السلطه الباطشه وتتكون من الجيش والشرطه ويخدم عليهم القضاء والاعلام الفاسد , الضلع الثالث هو الازهر والسلطه الدينيه والاخوان والسلفيه وباقى الفرق الجهاديه , هذه الاضلع التى تتحكم فى مصر المنحوسه وشعبها البائس , اى خطأ فى الحسابات بعد انفجار البركان كفيل بأن ينتج عنه كوارث وكوارث اقلها حرب اهليه ربما تمتد الى دول اخرى وربما تتطول اوروبا نفسها

اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا