الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية التنمية الإقتصادية - الجزء الأول

تامر البطراوي

2016 / 11 / 22
الادارة و الاقتصاد


لقد كانت قضية الدخل هي الشغل الشاغل للفكر الإقتصادي بعمقه التاريخي ، وإن كان تبلور ملامحلها النظرية ارتبط بأعمال الكلاسيك والتي مالت إلى التشاؤمية ، ففي ظل إيمانهم بقوى السوق الحر تبقى معالجة ظاهرة أجر الكفاف هي التحدي الأكبر ، ففي ظل أي سوق حُر سيتحدد أجر العمل غير الماهر -أو العمل الذي يمكن اكتساب مهارته بسهولة- بحد الكفاف المجتمعي ، وهو القدر من الدخل الذي يكفي بالكاد لإشباع الحاجات الضرورية والأساسية المتعلقة بذلك المجتمع ، لقد انطلق الكلاسيك في سبيل علاجهم لتلك الإشكالية وتنمية الإنتاجية ورفع الدخل من مدخل عنصر العمل نفسه ، فطالما أن أجر الكفاف يرتبط بالمستوى المهاري المنخفض فإن سبيل رفع الأجر على ذلك الحد هو تنمية مهارة العمل والتي تتم من خلال التخصص وتقسيم العمل ، إلا أن نتائجهم النهائية مالت إلى التشاؤمية ، فمع تحقق الفوائض لدى عنصر العمل وتحسن أحوالهم المعيشية سيزداد حجم العمل مرة أخرى فيزداد العرض الذي ينخفض معه الطلب فتنخفض الأجور مرة أخرى إلى حد الكفاف ، إلى أن طرح شومبيتر مدخل آخر لتنمية الإنتاجية والدخل وهو مدخل التنظيم ، فما الفائدة من عمل ماهر لا يجد الإطار المؤسسي الجيد الذي يمكن من خلاله توظيف مهارته الخاصة على الوجه الأمثل فترتفع الإنتاجية ويرتفع الدخل؟ ، إن عنصر التنظيم وتوفير الإطار المؤسسي الجيد هو العنصر المحوري في توظيف العمل الماهر ورفع مهارة العمل بشكل عام ومن ثم زيادة الإنتاجية والدخل ، وليس الأمر مقتصرًا فقط على توظيف عنصر العمل وحسب وإنما يتعلق بتوظيف كافة عناصر الإنتاج ، إن الأمر يبدوا جيدا على مثل هذا النحو فمع ارتقاء عنصر التنظيم سترتقي مهارة عنصر العمل وترتفع إنتاجيته وإنتاجية سائر عوامل الإنتاج ، إلا أن ذلك لا يفسر إرتفاع إنتاجية عامل على آخر بمنظمتين تتشابه أحوالهم المؤسسية أحدهما يعمل على آلة بالية والآخر على آلة أكثر حداثة وتطورًا ، وهو ما قاد سولو بالخمسينات لإعتبار أن رفع إنتاجية عنصر العمل وسائر عوامل الإنتاج يرتبط بدرجة التكنولوجيا ، ولذلك فوفقًا لنتائج سولو فإن السبيل لرفع إنتاجية الأفراد على المستوى القومي ومتوسط الدخول هو رفع مستوى التكنولوجيا بذلك الإقتصاد ، وخلال تلك الفترة ظهر تيار سيكولوجي شكله مجموعة من العلماء أبرزهم بارسونز وماكليلاند وهايجن وليرنر ، اعتبر ذلك التيار أن رفع الإنتاجية ومتوسطات الدخول لا يتوقف على التنظيم الجيد والمستوى التكنولوجي وحسب ، وإنما يرتبط وبشكل أكثر تأكيدًا بالعنصر البشري نفسه ، فما الفائدة من إطار مؤسسي منظم بدرجة جيدة بينما عنصر العمل نفسه يتضمن قيم لا تدفعه ناحية الإنتاجية وإنما تدفعه تجاه الكسل والإحتيال والمحاكاة والعزو؟ ، إن المستوى التنظيمي الجيد أو المستوى التكنولوجي المرتفع لن يتمكن من الإرتقاء بإنتاجية العمل ومتوسط الدخل طالما كان مستوى القيم والثقافة العامة منخفض ، إن ما يُفسر بشكل أساسي التفاوت في الإنتاجية ما بين مؤسستين تتشابه بينهما الظروف الرأسمالية والتنظيمية والتكنولوجية بينما تتفاوت بينهما الإنتاجية هو عنصر القيم أو الثقافة المجتمعية كعامل إنتاج مستقل ، لقد كانت نظرية القيم حلاً أكثر إبداعية للإقتصاد السياسي وبنفس الوقت أكثر تحديًا ، فإذا أردنا رفع متوسطات الدخول على المستوى القومي فلعينا وبشكل أساسي رفع مستوى القيم والمستوى الثقافي على المستوى القومي وهو أمرًا ليس من السهولة بمكان ولا يُمكن إعمال فيه الحلول الإقتصادية التقليدية كالقروض والسياسات المالية والنقدية وإنما يرتبط عادة بفترات طويلة من التنشئة ، ومع أواخر الخمسينات ظهر اتجاه جديد مع ليبست أضاف إلى العوامل السابقة عامل الدولة ، فما الذي يؤدي إلى تفاوت التنمية ما بين منطقتين متجاورتين تتشابه القيم المجتمعية لسكانهما إلى حد التماثل إحداهما تقل داخل حدود دولة والأخرى تقع داخل حدود دولة أخرى غير عنصر الدولة أو الحكومة؟ لقد اعتبر ليبست أن عنصر الحكومة عنصر إنتاج لا يقل أهمية عن العناصر الكلاسيكة أو التكنولوجية أو القيم إن لم يكن الأهم ، فمع الدولة الجيدة أو الحكم الجيد تُصبح تلك العوامل أكثر كفاءة وفاعلية وترتفع إنتاجيتها ودخولها ، بينما نفس العوامل في ظل دولة أخرى يعمل إطارها السياسي والتشريعي والإداري على تثبيط وإحباط الإنتاجية ستنخفض إنتاجيتها ودخولها بقدر تدهور مستوى الحكم.
وبناءً عليه فلقد أضاف شومبيتر إلى الثالوث المقدس عنصر التنظيم وأضافت نظرية الخمسينات ثلاثة عوامل جديدة وهي التكنولوجيا والقيم والحكومة ، ليصبح الإنتاج دالة لسبعة عوامل ، ومع ذلك فإن هذه النظرية تتحدث عن النمو القومي بعمومه ، كيف يمكن أن يحدث نمو لمتوسط الدخل القومي بشكل عام -وبغير الإلتفات لطريقة توزيع الدخل- وليس نمو لمتوسط الدخل القومي الذي يحدث من خلال نمو دخول الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، فمع تحسين المستوى التكنولوجي وجودة الحكم وارتقاء الثقافة من الممكن أن يحدث النمو القومي ولكن من خلال نمو الطبقات الأكثر ثراءً ، وتظل دخول الطبقات الفقيرة تتحدد مع المستوى الجديد للكفاف وإن ارتفع دخلها الحقيقي أو تتسرب فوائضها بشكل أو بآخر إلى الرأسمالية المحلية أو الأجنبية وهو مالم تقصده نظرية التنمية ببحثها عوامل النمو ، فهي تبحث بالأساس النمو الإقتصادي الذي يتحقق من خلال نمو الطبقات الفقيرة والمتوسطة لمحاكاة الأوضاع المعيشية بالدول المتقدمة وتحقيق الرفاهية المجتمعية وهو ما ستعود لتأكيده والنص عليه بالستينات.. ترى كيف ستتغلب نظرية التنمية على تلك الإشكالية؟ هذا ما سوف نتناوله بالجزء القادم .

البطراوي، تامر (2016). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟


.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام




.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع


.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 بالصاغة