الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش على كتاب سمير امين وفرانسوا اوتار ( مناهضة العولمة – حركة المنظمات الشعبية في العالم ) (3/3)

معقل زهور عدي

2006 / 1 / 3
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مصير العولمة :

يشير مسار الصراع الاجتماعي الدائر على نطاق العام الى ان قوى العولمة الرأسمالية قد ربطت مصيرها بمشروع الهيمنة الأمريكية على العالم ، وبخلاف المرحلة الرأسمالية السابقة التي تميزت بتفجر الصراع بين الامبرياليات الرأسمالية القومية على اقتسام العالم ( الحرب العالمية الأولى والثانية ) تميل الرأسمالية المتعولمة التي تقودها الشركات متعددة الجنسيات الى الانضواء تحت الهيمنة الأمريكية ، والاستفادة من التفوق العسكري الأمريكي لدعم توسعها نحو أسواق جديدة وتثبيت هيمنتها العالمية .
تمثل العولمة العسكرية ذروة مسعى الهيمنة السياسية – الاقتصادية – الثقافية وفي حال انكسارها فسوف تصبح العولمة مكشوفة امام النضال السياسي الجماهيري – الديمقراطي .
تعيد العولمة انبعاث الانقسامات الطائفية والقومية داخل المجتمع في سبيل استخدامها كأدوات للهيمنة ( مثال العراق، يوغوسلافيا سابقا ، التركيز على اشكاليات الأقليات من الشيعة في الخليج حتى البربر في المغرب ) مستخدمة وسائل الاعلام ( الميديا ) والأمم المتحدة وا دوات الضغط الاقتصادية والديبلوماسية والهدف الرئيسي واحد في كل الحالات وهو تفكيك المجتمعات من الداخل لاحتواء مقاومتها للعولمة واخراجها من دائرة الصراع الاجتماعي ومن ثم ابتلاعها وهضمها .
واذا رصدنا اتجاه الرياح التي انتجتها آليات العولمة ( التدخل السياسي والتهديد بالتدخل العسكري ) في لبنان فسنجد أن تلك الرياح تتجه بعيدا عن الصراع الاجتماعي وبعيدا ايضا عن انتماء لبنان وهويته الثقافية ولانتحدث هنا عمن هو المسؤول.
اذا تمكنت العولمة العسكرية من احكام قبضتها على العراق واحتواء المقاومة ومن ثم تحييدها فمما لاشك فيه أن رياح التفكيك ستهب على المنطقة كلها ، وسيعود مشروع الشرق الأوسط الكبير ليطرح بطريقة أكثر قوة وعنفا .
التراجع الحالي في سياسة الولايات المتحدة هو مؤقت وتكتيكي ويرتبط بالعقبات التي يواجهها مشروع الهيمنة في العراق وأهم تلك العقبات هي المقاومة العراقية ، لكن ذلك التراجع يمكن ان يتحول الى انكفاء استراتيجي وهزيمة بعيدة المدى تفتح الباب أمام عصر جديد.

البدائل :

- هل نحن حقا مجبرون على قبول نظام السوق الاقتصادي في طبعته الليبرالية الجديدة ؟
- هل نحن مجبرون على قبول الهيمنة الأمريكية ومشاريعها السياسية في المنطقة ؟
- هل نحن مجبرون على التخلي عن المبادىء والأهداف التي ناضلت وضحت من أجلها شعوب الأمة العربية؟
- هل نحن مجبرون على القبول بتفكيك أوطاننا قطعة بعد قطعة ؟
- هل نحن مجبرون على قبول الديمقراطية - الطائفية بديلا عن الاستبداد ؟
- هل نحن مجبرون على تفكيك ثقافتنا وهويتنا الحضارية العربية – الاسلامية وقيمنا الروحية والدخول للعولمة من نقطة الصفر .
- هل هناك أفق سياسي – اقتصادي – ثقافي بديل ؟
ليست الاشكالية كامنة فقط في الاجابة على الاسئلة السابقة ولكنها قبل ذلك كامنة في عدم طرح الأسئلة ، فهناك تيار سياسي – فكري حسم أمره دون أن يطرح على نفسه الأسئلة السابقة بعقل حر ومفتوح .
الاستسلام للقوة ونزعة الخنوع هي الدافع الحقيقي وراء التكيف مع العولمة ، ومشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية والعالم ، وليس النتائج المستخلصة من اعمال الفكر في الأسئلة السابقة.
وكما هو الحال في المعركة فحين يقرر الجندي الهرب أو الاستسلام فان كل خطباء الدنيا وفلاسفتها لن يستطيعوا اقناعه بالقتال .
في تناول مسألة البدائل ثمة مستويان لابد من التمييز بينهما :
- المستوى الأول : يتعلق بالصراع الاجتماعي الجاري على نطاق العالم والذي جرى تكثيفه في مشروع عسكرة العولمة المتمركز حاليا في العراق وافغانستان ومناطق التدخل العسكري الأخرى .
- المستوى الثاني : يتعلق بالديمقراطية والتنمية الاجتماعية وتطوير الاقتصاد والعلاقة بين الاقتصاد المحلي والعالمي وادخال تعديلات على النظام الاقتصادي العالمي كمرحلة أولى ، وكذا في مروحة واسعة من الأهداف المطلبية منها صيانة البيئة من التلوث ، والدفاع عن المكتسبات الاجتماعية والانسانية للبشرية ، والدفاع عن حقوق النساء ..الخ..
في الحقيقة لايمكن الفصل بين المستويين ولا اهمال التأثير المتبادل بينهما ، لكن الشىء المؤكد أن هزيمة مشروع ( عسكرة العولمة ) هو العنصر الأهم والأكثر خطورة في تعديل موازين القوى العالمية . وللأسف فان مثل ذلك التحديد لايرد في الكتاب بالدرجة الكافية من الوضوح ولا في تفكير حركة مناهضة العولمة بالرغم من موقفها الذي لايقبل التأويل من احتلال العراق والجهود فائقة الأهمية في التعبئة وحشد الجماهير في اوربة والعالم ضد الحرب.
الحلقة المركزية اليوم في مناهضة العولمة هي كسر رأس حربتها ونعني به ( عسكرة العولمة ) وهي المرحلة الأصعب التي سيتوقف عليها مصير المراحل الأخرى .
لقد تورطت الرأسمالية العالمية في تحويل الصراع الاجتماعي الى صراع عسكري بحيث ان هزيمتها العسكرية ستفضي الى فتح الباب أمام الشعوب للتقدم نحو هزيمتها في الصراع الاجتماعي العالمي ، ولكونها تعرف تماما أبعاد هذا الترابط وخطورة هزيمتها العسكرية فستقاتل بشراسة ، أما تراجعها التكتيكي فربما يعقبه توسيع للهجوم بعد استيعاب دروس المعركة .
باختصار فان مشروع عسكرة العولمة مازال مطروحا بقوة ، والضربة التي تلقاها في العراق ليست كافية بعد لانكفائه ، بل ربما تكون كافية لدفعه للتفكير نحو توسيع دائرة التدخل وتشديد هجومه بعد ان يسترد انفاسه ، وهذا هو الخطر الذي يفترض ان لايغيب عن البال.
يميز الكتاب بين مشروعين للبدائل الأول ذا صفة نيوكنزية يحاول اعطاء الرأسمالية وجها انسانيا ، والثاني مابعد الرأسمالية بهدف تجاوزها .
( مفهوم البدائل اذن مفهوم مزدوج ، فهي اما في اطار الاقتصاد الرأسمالي ، او بدائل له ، ولكل منها فكره النظري ، وأساسه الأخلاقي ، ويؤدي لمقاومات ، ويطرح خطوات ملموسة ، ولكنهما يلتقيان حول الكثير من النقاط السياسية مثل التحكم في التدفقات المالية الدولية ، ولكن تبقى الفلسفة الساسية لكل منهما مختلفة تماما ).
والحقيقة أن من غير الممكن من وجهة نظر تاريخية قلب منطق الرأسمالية ووضع قواعد جديدة ل اللعبة الاقتصادية مثل استبدال فكرة الربح بفكرة الحاجة وأخذ الاسلوب الاجتماعي للانتاج في عملية الانتاج ، والاشراف الديمقراطي على الاقتصاد والسياسة بدون المرور بمرحلة انتقالية يتم فيها ادخال اصلاحات واسعة على العلاقات الاقتصادية العالمية ( تشكيل مختلف للمبادلات المعولمة أقرب لمبادىء العدالة ومصالح الشعوب ) فمثلا لماذا تركز الرأسمالية على حرية حركة رؤوس الأموال عبر العالم وتهمل حرية حركة قوى العمل والأفراد ، كما ان أنشطة المضاربة التي تسيطر على الاقتصاد العالمي يجب كبحها ان لم توقف كليا.
وفي هذا السياق يمكن للتجمعات الاقتصادية الاقليمية ( العربية في حالتنا ) أن تكون شكلا بديلا في اطار العولمة ( لاحظ توجه الدول المتحررة من الهيمنة السياسية الأمريكية في امريكا اللاتينية نحو كتلة اقتصادية لاتينية ) .
ليس خيار مناهضة العولمة مرادفا لترف ثوري ولكنه الخيار الوحيد أمامنا لتجنب الوقوع تحت الهيمنة الأمريكية السياسية والاقتصادية والثقافية ، وفي داخله فقط يمكن بناء ديمقراطية وطنية توسع قاعدة المشاركة الشعبية وتؤسس لخيارات اقتصادية لايمكن التفكير فيها في ظل تحكم الليبرالية الجديدة واستطالاتها المحلية ، وهو الخيار الذي يفتح الباب امام تكوين تجمع اقتصادي عربي ، يمهد لاعادة الاعتبار لهدف وحدة الأمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس