الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الأديان.. وحكاية النبي الكذاب

طارق سعيد أحمد

2016 / 11 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يستعرض المؤلف"فيليب بورجوه" تاريخ الدين في الغرب في كتابه "منابع تاريخ الأديان" ترجمة فوزية العشماوي والصادر مؤخرا عن المركز القومي للترجمة، ويخلص إلى أن هذا المصطلح "دين" يتغير على مدى الزمان، وأننا لا نتوقف عن بناء وإعادة بناء ما نطلق عليه مصطلح "دين"
مقترحا بذلك الكاتب أن نتجاوز الإشكاليات التي يثيرها هذا الجدل وأن نخصص الوقت الكافي لنتأمل ونحلل الدين، خصوصا أن تعدد المذاهب الدينية ما يسميه المؤلف إعلان"الحرب المقدسة" يثير الجدال حول الكثير من المفاهيم المتناقضة مثل إرتداء الحجاب أو علمانية الدولة وتدريس الدين في المدارس، الأمر الذي تسائل عنه الكاتب وعبر عن مخاوف متمثلة في أن هناك العديد من المناسبات تجعلنا نتسائل عن العودة المحتملة لكل ما هو ديني.
بعض الأسئلة القديمة جدا، والتي تحدد المعالم الكلاسيكية في التعامل مع الدين في الغرب طرحها "بورجوه" تحت عنوان ازدواجية الصورة مستدعيا القرن الثاني الميلادي الذي عاش فيه الكاتب الساخر"لوسيان" الذي كانت له مؤلفات حول تاريخ الأديان، والتي كانت تتسم أفكارها بالسخرية في المعلومات الأساسية الخاصة به.
وفي أحد مؤلفاته الناجحة حلل بتفصيل شديد النجاح حكاية النبي الكذاب"إسكندر أبونوتيكوس" ولثعبانه الإله "جليكون" تلك الحية القاتلة التي تتلوى حسب رغباته والتي كان النبي الكذاب يخفي رأسها الحقيقي تحت معطفه ويستبدل بها رأس أخرى صناعية تقوم بتحقيق التنبؤات بواسطة بعض الحيل المقنعة.
يناقش بورجوه كتاب لوسيان"خطاب عن التضحيات" بتصدير إصرار لوسيان على حقيقة أن الذين يدخلون المعابد ويجدون أنفسهم واقفين أمام تمثال الإله لا يتخيلون أنهم واقفون أمام تمثال مصنوع من العاج الهندي ومطعم بالذهب، لكنهم يشعرون أنهم يرون ابن الإله!. "ساترون" والإله "رينا" الذي أنزله"فيدياس" من السماء والذي يشعر بالسعادة عندما يقدمون له كل خمس سنوات قربانا في معبد"الألمبيا".
ويتضح من هذة الملاحظات المتوافقة مع بعضها سواء من لوسيان أم من المؤلفين المسحيين الآخرين أن الصورة المقدسة خادعة، ولكنها بدون أدنى شك وبالرغم من ذلك ذات تأثير.
لا يشتبك بورجوه مع الدين ولا يصتدم بالشكل المباشر مع تقاليد وأساليب التعبد المختلفة لكنه يتعامل مع علم"تاريخ الأديان" بوصفه تخصص أكاديميا مستقلا وعلما غير طائفي ولا ديني بحت حين يلتقي في المساحة ما بين علم دراسة النصوص المقارنة وعلم"الأنثروبولوجيا".
حيث كان من المأمول في نهاية القرن التاسع عشر الذي ازدهر فيه علم تاريخ الأديان في فرنسا ثم إنجلترا ثم في سويسرا وهولندا وبلجيكا، تحويل بعض كليات دراسات اللاهوت إلى كليات لعلوم تاريخ الأديان، قبل صعود العلمانية المعادية لكل ما هو لاهوتي، ويكفي لفهم ذلك متابعة الجدال المستمر، والذي يبدو أحيانا منسيا وأحيانا أخرى مدفونا، لكنه يدور ويتحرك بعنف في الأوساط التي يلتقي فيها علماء اللاهوت وعلوم تاريخ الأديان، لندرك أن العوائق تزداد.
يبث الكاتب فيليب بورجوه من خلال كتابة "منابع تاريخ الأديان" رسالة مكثفة للعالم مفداها أن نتخلص من عاداتنا في التفكير فيما يتعلق بالدين والسياسة إذا أردنا دراسة تاريخ الأديان، وليس تصنيع علم لاهوتي للأديان دون أن ندرك ذلك، خصوصا أن الرجوع إلى العوالم القديمة جدا يفرض نفسه علينا لإلقاء الضوء على ما يكون الجدال الساخن الحالي، وهذا يبدو أكثر قربا من الحقيقة، لأن "سوبر ماركت ما بعد الحداثة" يلتحم بصورة مدهشة مع العالم المتعدد والناعم للمعتقدات والممارسات التي ترجع إلى ماقبل الاختراع المسيحي الأوروبي.

ـــ هامش.. فيليب بورجوه أستاذ تاريخ الأديان في جامعة جينيف سويسرا، قام بعدة رحلات للبحث العلمي وأقام في مدينة شيكاغو حيث أجرى أبحاث علمية وبحوثا وعمل في إطار مؤسسة "إلياد"، وكان عضو في معهد "برينستون" للدراسات العليا، وأستاذ زائر في جامعات برينستون وشيكاغو.
نشر فيليب بورجوه عدة مؤلفات لدى كبرى دور النشر ومن أهم مؤلفاته كتاب "تمرينات في علم الأساطير"، وكتاب "انفعالات عنيفة"، وكتاب "تفسيرات موسى".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا