الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الشرخُ) الأوسط، هفوةٌ عرّتْ حقوداً

ليث العبدويس

2016 / 11 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


حرّكتْ مقالةُ الشرق الأوسط المُثيرة للجدل والسَخط مكنوناً خلافيّاً مُفرِط الحساسيّة، ألا وهو الحدود الأخلاقيّة المُفترضة للخصومة والنزاع، فثمّة-على الدوام- خطٌّ يسترعي الانتباه في كُل مُشاجرة، وسقفاً مُحرّماً للتراشُق والتُهم، منطقةٍ يحذر المُتقاتلون من الغوص في وحلها اللزج ورملها الخدوع، إطاراً وهميّاً من القيود والموانع أنضجته قيمُ ما، في زمنٍ ما، لـ(غاية) قد تبدو-للوهلة الأولى- مُشوّشةً غائِمة، طالما أن أي حربٍ-بطبيعتها- قد (تشيّأت) في صيرورةٍ تعلو على القولبة، فصارت –فعلاً وقولاً- في حِلّ فَجّ من أي شكلٍ من التنميط القيمي كونها-أي الحرب- هي في الأساس بالتضاد مع أي منطقٍ وتعقُّلٍ وحكمة، لكنّها (غائيّة) عصيّة على التجاهل مهما ألحف المُتشاحنون في العداوة وأوغلوا في البغضاء، لكن: هل كان ذلك كُل شيء؟ هل تُختزلُ بيئة القصة –او أقلّه جانبها المطروق حالياً- في تطاولٍ إعلامي غريب التوقيت والمضمون والهدف على كرامة (فئة) أو طائفة ما دون تعريةٍ لتأريخٍ الخبر وجذوره ومنطلقاته وحيثيّات التأزم والاستعصاء الذي طاول اليوم أقدَمَ وأرسخَ (تابو) شرق-أوسطي (أو عربي على الأقل) فأنتج عاصفةً تُعقّد وبعمق فتنةً مُتأجّجة أصلاً؟
لم يُقدَّر لِمقال الصحيفة المذكورة الإفلات-بسهولةٍ ويُسر- إلى دوائر النسيان، المقالُ توارى خلف إحصائيّة مكذوبة نُسبت لمنظمة الصحّة العالميّة (وتحديداً إلى الناطق بلسان المُنظّمة غريغوري هارتل) التي سُرعان ما نفتها بشدّة وتأثُّر، فيما تحدّب الخبر وتقعّر داخل أروقة الصحيفة لينتهي إلى اعتذار ووعدٍ بمحاسبة المُقصّرين، لكنَّ الحدث ولّد تساؤلاتٍ لا زال بعضها دون إجابة، لم مرّرت الصحيفة هكذا معلومة دون تثبّتٍ وتمحيص؟ أين دور التحرير والرقابة؟ ما هو الموقع الغامض الذي نقلت عنه الصحيفة خبرها المُزلزل؟ ولِمَ يرفض (هارتل) والشرق الأوسط الإفصاح عن الموقع؟ كيف جرأ المُحرّر (العراقي الجنسيّة والمُقيم في بغداد ويا للمفارقة) على استغفال الصحيفة –بفرض حسن نيتها- ليدفع لها بخبرٍ غريب الصياغة والمضمون ناقلاً إياه عن موقع مجهول نَسَبَهُ –هو الآخر- لمنظّمةٍ دوليّة تُعنى بشؤون الأوبئة والأمراض ولا يُفترض بها –عمليّاً- الخوضُ في (مخاطرٍ) قد تنجم عن احتكاك اجتماعي خلال طُقوس دينيّة؟ لِم جرى تجاهُل الخبر ذاته يوم نشره –للمرّة الأولى- موقعٌ يُسمّى (أصوات حُرّة) وهو –و يا للمُفارقة الثانية- معطوبٌ مُنذُ اندلاع الأزمة؟.
وبعيداً عن رمال الشُكوك المُتطايرة عن كُثبان تلك الأسئلة، ثمّة من سارع مُتلقّفاً هكذا مادةٍ (خام) لينسج نُسخاً مُقلّدة رخيصة من (قميص عُثمان) وليلوّح بها من على منابر القَصاص والثأر، وصدف أن يكونوا هم أنفسهم-وعلى نحوٍ مُضحكٍ وبائس- ضحايا تدوير الشائعة المُرّة، التعريض دَينٌ ثقيلٌ مؤجّل السداد، والإفك –بحد ذاته- (دولة)، تدول مع الأيام، فتنطلي على الأغبياء والسًذج والموتورين، وتتنزّل مُسلَّمة في أدبيات المؤدلجين والمُلتاثين، ثُم لا تلبث أن تعود –كأي لعنة- على رؤوس الأفّاكين، فهُناك-وعلى نحو ما-حتميّةٌ في ارتداد التشنيع والتبشيع والبُهتان على كهنته ورُعاته.
وبعيداً عن تخرُّصات المقال، وبتجاهُل المُلابسات التي قادت لظهوره، او القوى الخفيّة النشطة في إدامة وقعه وتضخيم اصداءه وتحميل مضمونه ما لا يَحتمل، فإنَّ تُراث المُتضرّرين من تدليس (الشرق الأوسط) وطبيعة خِطابِهم التحريضي (الإغتصابي) المُنفلت لا تترُك حيزاً واسعاً من التعاطُف والتضامن، على الأقل بين أوساط (فئة) أخرى ترى نفسها ضحيّة (افتئات) الأولى وتطاولاتها الدوريّة، في سياقٍ من الإحتراب القيمي الذي لا يستثنِ التأريخ من لُغته الرديئة شكلاً ومضموناً، فالمقال-في تجريدٍ تام- ليس أكثر من الصورة السلبيّة المعكوسة لتراكُمٍ مسكوتٍ عنه، تراكُمٍ كان لا بُدَّ وأن يقود-وبشكل تراجيدي- لنمو أدبٍ مُضاد يعتمد ذات النسق التسقيطي والآليّة الفضائحيّة، فلم يكن من المُستغرب –وإن لم يكن مُستساغاً- القدح في كرامة نسوةٍ يُمارسن شعائر دينيّة تخص طائفةً تمتنع مرجعيّتها عن إدانة مؤلّفات، وتجمّعات، وندوات، وقنوات وصحف وتصريحات ومواقع وأحزاب وهيئات ومؤسسات وشخصيات تستثيرُ ليل نهار أحقاد التأريخ وتوقِظ الفتن وتعزف ألحانها النشاز على جراح (الآخر) وتُقوّض –بتصلُّب وعناد- أي تقارُبات مُحتملة معه، ولنا في مُفردات خِطابها الاستئصالي المُتشنّج أمثلةٌ لا مُتناهية، فمن (أبناءُ مُرضِعة الكِبار) لـ(أحفاد آكلة الأكباد) مروراً بـ(إخوة صابرين) وأخيراً –وليس آخراً- أيقونة (جهاد النِكاح) ولوازمها من (الأعراض) المُهداة –عن طيب خاطر!!- للغرباء من (أفغان وشيشان وصينيين و... الخ)، فيما يحتكر الآخر نعوت البطولة وتوصيفات المجد من (تيجان الرؤوس، حُماة الأعراض، الخطوط الحمراء، ... الخ) في وصايةٍ جبريّة غاصّة باللؤم والحُمق والسطحيّة.
حسناً، ماذا تبقّى من منظومتنا الأخلاقيّة (العتيدة)؟ في الحقيقة لا زلنا في لحظة السُقوط الحُر التي أعقبت العاشر من حزيران من عام 2014، تلك اللحظة التي تجرُّ من خلفها شِقاقاً أقدمُ حتّى من لحظة التشكُّل المريرة تلك، وهو شِقاقٌ كان –ولا زال- منطوياً على سرديّةٍ جاهليّة –على الرغم من أقنعته الدينيّة- كونه يَضُجُّ بكراهيّة عمياء معدومة البصر والبصيرة ويتعكّز في اضطرابٍ على لسان الهِجاء المُقذع وتقوّلات الفحش والبذاءة والشتائم القبيحة، ولذلك كُله فإن سقطة (الشرق الأوسط) الأخلاقيّة قد تغدو –وفق مقاييس الصراع الدائر بضراوة منقطعة النظير- محض نُكتةٍ منسيّة عن واقعٍ شديد المرارة، مُجرّد مُحاكاة وإعادة انتاج لتهمٍ وطُعون رائجة ومُتداولة على أوسع نطاق بين فُرقاء قرروا اجتياز كل المحظورات في حرب البيادق المُستعارة تلك، إن المُضحك المُبكي في تناطُحات الشرق الأوسط (بمعناه الإقليمي هُنا) هو أن هذا الجنون العسكري والهستيريا الطائفيّة يُشبه –إلى حدّ كبير- مزيجاً فانتازيّاً من الروليت الروسي والحفلة التنكُّرية، فالجميع –نكايةً بالجميع- يرفض خلع أقنعته المُخيفة، ويُراهن في عبثيّة خرقاء على الرصاصة المُتوارية خلف حُجُب الحظ والفُرص الُمخادعة، ونعم به من رهان!.

ليث العبدويس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو