الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التواصل البيئي: الأرض على طاولة المناقشات مرة أخرى ولكن من منظور مختلف

تامر البطراوي

2016 / 11 / 24
الادارة و الاقتصاد


مرة أخرى تعود الأرض على طاولة المناقشات التنموية بسبعينات القرن العشرين ، وبعد غياب دام نحو قرنين من الزمان منذ غياب الفكر الطبيعي بسبعينات القرن الثامن عشر والذي اعتبرها محور النمو الإقتصادي ، وإن كانت العودة هاهنا لم تأخذ نفس الشكل الطبيعي من حيث الإنتاج القائم على إستغلال الأرض ، وإنما الإنتاج القائم على المحافظة على الأرض ، لقد ظلت الأرض خلال تلك الفترة تحتل حيز ضيقًا من المناقشات التنموية مقابل صدارة تثمير رأس المال الصناعي والبشري ، والذي صاحبه توسع في عمليات التصنيع واستغلال الموارد الطبيعية ، مما أدى إلى تدهور تلك الموارد وإثارة مخاوف تتعلق بمدى القدرة على تواصل عملية التنمية في حالة تدهور الأرض ، وكان التساؤل الرئيسي الذي أثار تحركات المجتمع الدولي هل من الممكن أن تتواصل عملية التنمية إذا تبددت موارد الأرض؟ ، لقد بدأ العالم يدرك بدءً من الستينات مرورًا بالسبعينات أهمية البيئة الطبيعية ، وأن دولة الرفاه التي كان يستهدفها بإطلاق وبغير اكتراث بالبيئة الطبيعية يجب أن تتقيد بالحدود التي يتم معها المحافظة على البيئة وصيانتها واستمرارها ، وبذلك انتقل مفهوم التنمية من الرفاهية المجتمعية إلى مفهوم الرفاهية المجتمعية التي تتحقق مع المحافظة المتواصلة على البيئة الطبيعية بل والعمل على صيانتها وتحسينها فيما يُعرف بـ (التواصل البيئي).
ولعل أول ظهور بالقرن العشرين لفكرة الاهتمام بدور البيئة في عمليات التنمية كان عندما أنشئ نادي روما سنة (1968) ، والذي ضم عدد من العلماء والمفكرين والاقتصاديين وكذا رجال أعمال من مختلف أنحاء العالم ، دعى هذا النادي الى ضرورة إجراء أبحاث تخص مجالات التطور العلمي لتحديد حدود النمو في الدول المتقدمة ، وفي سنة (1972) نشر نادي روما تقريرا مفصلا حول تطور المجتمع البشري وعلاقة ذلك باستغلال الموارد الاقتصادية ، وتوقعات ذلك حتى سنة (2100) ، ولعل من أهم نتائجه ، هو أنه تنبأ بحدوث خللا بيئياً خلال القرن الواحد والعشرين بسبب التلوث واستتراف الموارد الطبيعية وتعرية التربة وغيرها ، وفي نفس العام (1972) انعقدت قمة الأمم المتحدة حول البيئة في ستوكهولم ، والتي أكدت على على ضرورة أن يكون للدول النامية الأولوية في التنمية إذا أريد تحسين البيئة وتفادي التعدي عليها ، وبالتالي ضرورة تضييق الفجوة ما بين الدول الغنية والفقيرة.
وبأواخر السبعينات وبداية الثمانينات طغت على المناقشة نظريات تنموية أكثر عمقا وشمولا بالنسبة للنمو والتنمية الإقتصادية وأثرها على المسائل الاجتماعية والبيئية ، مثل الفقر والتوزيع ضمن الجوانب الاجتماعية ، ونضوب الموارد الاقتصادية والتلوث ضمن الجوانب البيئية ، وفي عام (1980) ظهر أول مصطلح يدمج البعد البيئي بعملية التنمية وهو مصطلح "التنمية المستدامة" (Sustainable development) بتقرير لناشطين بجمعية "الصندوق العالمي للحياة البرية" (world wildlife fund) ، وقد ترجم المصطلح إلى العربية بعدة مسميات كالتنمية القابلة للإدامة ، للاستمرار ، الموصولة ، المطردة ، المتواصلة ، البيئية ، المحتملة ، والمسئولة ، وغيرها..، وفي (28 اكتوبر 1982) أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الميثاق العالمي للطبيعة والذي كان يهدف الى توجيه وتقويم أي نشاط بشري من شانه التأثير على الطبيعة ، وإلزام الأخذ بعين الاعتبار النظام الطبيعي عند وضع الخطط التنموية ، وفي عام 1987 ظهر مصطلح "التنمية المستدامة" (Sustainable development) بشكل رسمي لأول من خلال تقرير أصدرته الجنة الدولية للبيئة والتنمية التابعة للأمم المتحدة برئاسة رئيسة وزراء النرويج "غرو هارلم برونتلاند" (Gro Harlem Bruntland) بعنوان "مستقبلنا المشترك" ، ولذلك فهو يعرف بتقرير اللجنة الدولية للبيئة والتنمية أو تقرير "بورنتلاند" ، وقد أظهر التقرير فصلا كاملا عن التنمية المستدامة ، وتم بلورة تعريف دقيق لها للتعبير عن السعي لتحقيق نوع من العدالة والمساواة بين الأجيال الحالية والمستقبلية ، وقد عرف التقرير التنمية المستدامة بأنها" التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإخلال بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاﺗﻬا".
وفي عام (1992) وبعد عِشرون عاماً من مؤتمر البيئة الأول باستوكهولم قامت الأمم المتحدة بمشاركة 172 دولة بعقد مؤتمر عالمي بشأن البيئة والتنمية (United Nations Conference on Environment and Development) في ريو دي جانيرو -البرازيل- فيما يعرف بقمة ريو أو قمة الأرض (Earth Summit) ، والذي يعد الحدث الأضخم بمجال شئون البيئية نسبة إلى المؤتمرات البيئية الأخرى من حيث الحجم ومجال الإهتمام ، وقد تضمن 27 مادة تشكل معلما قانونيا رئيسيا في مجال البيئة توكد على مبادئ استكهولم ال26 والتي أخذت في النضج خلال الفترة ما بين استكهولم وريو ، حيث أكدت المبادئ على ضرورة المحافظة على البيئة الطبيعية ومنع التلوث البيئي والمحافظة على الموارد الطبيعية من أجل الأجيال القادمة ، ويعتبر كلاً من اعلان استوكهولم وريو دي جانيروا لمؤتمري البيئة بمثابة إنجازين مرموقين في مجال إيضاح وتأصيل مفاهيم التنمية التي تراعي الجوانب البيئية والإجتماعية.
وفي سبتمبر من عام 2000 أقرت 192 دولة إعلان الأمم المتحدة للألفية الثالثة للفترة ما بين (2000 إلى 2015) والذي شمل ثمانية أهداف للتنمية يتم تحقيقها قبل عام (2015) وهي أولاً القضاء على الفقر المدقع والجوع، ثانياً تحقيق التعليم الابتدائي الشامل ، ثالثاً تشجيع المساواة بين الجنسين وتمكين النساء من أسباب القوة ، رابعاً تخفيض معدل وفيات الأطفال، خامساً تحسين صحة الأمهات، سادساً مكافحة فيروس ومرض الإيدز والملاريا والأمراض الأخرى، سابعًا ضمان استمرارية البيئة، ثامنًا إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.
وفي عام 2002 وبعد عشر أعوام من مؤتمر ريو أصبح مصطلح التنمية المستدامة أكثر تأكيداً ووضوحاً بانعقاد مؤتمر القمة العالمية الثالثة للتنمية المستدامةWSSD (World Summit on Sustainable Development) في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا بين 26 آب/أغسطس إلى 4 ايلول/سبتمبر عام (2002) ، والذي ضّم رؤساء الدول والحكومات ، وعددًا كبيرًا من المنظّمات الإقليمية والوكالات الدوليّة المتخصصة والمنظّمات غير الحكومية ، وشدّد إعلان هذا المؤتمر على إقامة مجتمع عالمي إنساني متضامن لمواجهة مجمل التحدّيات العالمية ، مثل القضاء على الفقر ، وتغيير أنماط الانتاج والاستهلاك غير المستدامة ، وحماية قاعدة الموارد الطبيعية وإدارتها من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وردم الهوة العميقة التي تقسم البشرية إلى أغنياء وفقراء ، ومنع تدهور البيئة العالمية ، وتراجع التنوع البيولوجي والتصحر ، سد الفجوة المتزايدة بين العالمين المتقدم والنامي ، ومعالجة تلوث المياه والهواء والبحار ، هذا فضلاً عن التحدّيات الجديدة التي فرضتها العولمة على التنمية المستدامة ولا سيما تكامل الأسواق السريعة ، وحركة رؤوس الأموال والزيادات المهمة في تدفقات الاستثمار حول العالم ، وذلك من أجل ضمان مستقبل الأجيال القادمة كما أكد على مبادي استوكهولم وريو وضرورة تفعيل التنمية المسئولة التي تراعي البعد البيئي والإجتماعي حيث أن إهمال البعدين في الخطط التنموية أدى إلى تفاقم مشكلة التدهور البيئي ، وبداية اصطدام مطالب حماية البيئة بمطالب التنمية الاقتصادية التي لم تأخذ بعين الاعتبار حاجات الأجيال المستقبلية ولا الاعتبارات البيئية ، مثل التسخين الحراري للجو وفقدان طبقة الأوزون ، ونقص المساحات الخضراء ، الأمطار الحمضية وفقدان التنوع البيولوجي واتساع نطاق التصحر وما الى ذلك من مشاكل بيئية تعدت الحدود الجغرافية للدولة الواحدة ، وفي يونيه 2012 عقدت قمة الأرض الرابعة للتنمية المستدامة بمدينة ريو أو ما يُعرف بـ (ريو+20) بهدف الحد من مشكلة الفقر وتعزيز العدالة الإجتماعية وحماية البيئة الطبيعية ، وقد جددت قمة ريو التأكيد على تعزيز "اقتصاد اخضر" يحافظ على الموارد الطبيعية ويقضي على الفقر ، وبذلك فقد انتقل مفهوم التنمية تدريجيا من دولة الرفاه بأوائل الستينات إلى بُعد التواصل مع نهاية الثمانينات مرورًا بالسبعينات ، والذي أكد على أن إشباع حاجات الحاضر والارتقاء بالرفاهية الاجتماعية لا يمكن أن يكون على حساب قدرة الأجيال القادمة في تلبية احتياجاﺗﻬا المادية والروحية وذلك بالعمل على حفظ قاعدة الموارد الطبيعية بل زيادﺗﻬا ، وتغيير كافة أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة وغير المسئولة ، والتغلب على المشكلات المتعلقة بالصحة العامة.


البطراوي، تامر (2016). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا