الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سيحكم العالم؟.. ورطة يسعى إليها هؤلاء

طارق سعيد أحمد

2016 / 11 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تتحرك أفكار الكاتب جزائري "جاك آتالي" في كتابه "غدا .. من سيحكم العالم؟" في اتجاهات متعدده يحوم حولها الغموض الآتي بطبيعة الحال من عالم طرح الأسئلة الكبرى، والمرتبطه بالنظام العالمي الذي يعيش الإنسان تحت هيمنته يؤثر فيه ويتأثر به.
الكاتب يتطرق لعدة مناطق سياسية، اجتماعية، إنسانية بالفعل تشغل الكثير من المفكرين على مستوى العالم، لكن الذي يقدمه "آتالي" في كتابه الذي ترجمته سونيا محمود نجا والصادر مؤخرا من المركز القومي للترجمة يجمع ما بين طرح الإشكاليات السياسية العالمية، وتحليل للمشهد السياسي العالمي ببساطة، وعمق فكري مراهنا بذلك على وصول كتابه إلى العالم، لكل إنسان طموح ينتظر مستقبلا جديدا.
يتنبأ "آتالي" بالكثير من التفاصيل التي تستقر قبل ظهور حكومة عالمية، والتي يراها ستأتي عقب فوضى اقتصادية، ونقدية، وعسكرية، وبيئية، وديمجرافية، وأخلاقية، وسياسية عارمة، وهناك احتمالات ضعيفة في أن تظهر إلى الوجود تداركا لحدوث هذه الفوضى، ومن ثم تبدو للعيان باعتبارها علاجا للصدمة بعد الإنهيار، ويتوقع البعض أن يكون ظهور تلك الحكومة متدرجا في خضم الفوضى عن طريق الكثير من الاحتمالات منها على سبيل المثال وليس الحصر تراكم وتداخل العلاقات إلى درجة التشابك في أمور عدة تنسجها دول، ومؤسسات، ونقابات، وأحزاب سياسية، ومنظمات غير حكومية، وأفراد، وهي قد تتسم بالشمولية أو بالديمقراطية وفقا للطريقة التي سترمي بها ركائزها التي سوف تتحدد في مجتمع بعينه له ظروفه وسياساته، من هنا تظهر أهمية سرعة التفكير في أمرها قبل أن يدركنا الوقت ونصبح أحد تروسها، دون أن نشعر وتتحكم فينا دون أن نشارك في تكوينها.
يتوقف الأمر على أن نتخيل حكومة ديموقراطية كوكبية في عالم مثالي.. ولما لا؟، عالم ينعم فيه كل فرد بحق التنقل والتجول بحرية من وإلى أي مكان في العالم، نتخيل حكومة بها برلمان، وأحزاب، وإدارة، وقضاه، وقوات شرطية، ومصرف مركزي، وعملة نقدية موحدة، ونظام حماية اجتماعية، وسلطتان إحداهما مكلفة بنزع السلاح، والأخرى مهمتها مراقبة أمن الطاقة النووية المدنية، بالإضافة لكيان معارض متكامل يضم عددا من كل الشرائح البشرية، هذة الحكومة المأمولة لن تكلف إلا بما فيه الصالح العام"للكوكب"وتكون منوط بها مساعدة أشد الناس ضعفا، وقهرا، وتقوم على حماية هويتهم، وثقافتهم، والتأكد من أن كل أمة وكل مساحة قارية تحترم حقوق كل مواطن ينتمي للبشرية.
"آتالي" يؤكد في كتابه الأخير "غدا.. من سيحكم العالم" تاريخيا أن هناك في القرن الثامن عشر محاولات عديدة كان منها فردية لصياغة لغة كونية يتحدث بها العالم بعيدا عن اللغات الأصلية واللهجات، فظهرت مشروعات عدة للغة العالمية، ففي عام 1879 ظهرت لغة "volapuk" الفولابوك" وهي لغة ابتدعها قس ألماني يدعى "جوهان مارتن شلييار"، وكانت مستوحاة من المفردات الإنجليزية، وقواعد اللغة الألمانية، وقد عرفت هذة اللغة انطلاقة سريعة وانتشرت بين الأوساط المثقفة، ثم انهارت بعدها بذات السرعة خلال عشر سنوات فقط من ظهورها، وكان سبب ذلك انعدام الفعالية الوظيفية، والإصلاحات الدائمة التي كان يتم إدخالها على قواعدها، خصوصا أنها كانت مزجا متنوعا من اللغات.
ولكن سرعان ما ظهر مشروع للغة أخرى وكانت الفرص مهيئة لها ، ونجاحة أفضل من سابقتها فقد توصل طبيب رمد من مدينة "بياليستوك" يدعى "لويس لازار زامنهوف" يتحدث اللغة العبرية، والبولندية، والروسية إلى إيجاد لغة كونية أطلق عليها اسم"الإسبرانتو" كتب بها مخترعها "زامنهوف" قصيدة شعر، وترجم بها آيات من الإنجيل، بل وترجم رواية للروائي"ديكنز" رائعته "معركة الحياة" وكان ذلك عام 1891، وفي عام 1894 ترجم "زامنهوف" مسرحية"هاملت" لشكسبير وكانت آخر مترجماته بالغته الجديدة.
ومن السعي لخلق لغة "كونية" توحد البشرية بشكل فردي كان هناك سعي من دول كبرى لخلق سياسات شمولية للهيمنه على أكبر قطاع من كوكب الأرض، ويؤكد"آتالي" في الفصل العاشر والأخيرمن كتابه"غدا، من سيحكم العالم؟" الصادر مؤخرا عن المركز القومي للترجمة أن بدون حدوث أزمة كبرى خطيرة تفكك الأمم والمجتمعات المتماسكة بسياستها وعاداتها وتاريخها لا سبيل إلى ظهور حكومة "فوق قومية" للعالم، ولن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا الصين، ولا الهند، ولا البرازيل، ولا اليابان، ولا أوروبا، ولا أولئك الذين يمكن أن يرغبوا في المنافسة الإمبراطورية المهيمنة، ولديهم جميع المقومات التكنولوجية، المساعدة في إيجادها، فلم يكن للأقوياء في الوقت الراهن قط أسباب تدفعهم للرغبة في تغير أي شيء في النظام العالمي القائم رغم التباهي الدائم من قبل الدول بما لديها من امكانات، وحتى إذا راودتهم اليوم الرغبة في ذلك فإن قدراتهم على إتيان الفعل تتناقض شيئا فشيئا إثر المنافسة الشديدة المستمرة التي أرهقت تلك الدول القوية.
أما القوى الجديدة فهي لم تر يوما استحقاق لها في اقتصاد العالم، وفي هيئات العالم الموجودة على الساحة، وترجع خشيتها من احتمال وجود حكومة "فوق قومية" وأن مثل هذة الحكومة ليست إلا سبيلا لإخفاء محاولة حفاظ القوى المضمحلة على هيمنتها، ولكن هذا لا يمنع وجود إمكانية التفكير في استراتيجية تقود العالم إلى سيطرة متعلقة على مستقبله.. لخير هذا العالم.. ولما لا؟
هامش: "جاك آتالي" ولد في الجزائر عام 1943، وتخرج بتفوق في المدرسة العليا للهندسة في فرنسا عام 1963، حصل على درجة الدكتوراه في الإقتصاد، كما حصل على دكتوراه فخرية من عدة جامعات أجنبية، عمل طيلة عشر سنوات "1981إلى 1991" مستشارا لرئيس الجمهورية الفرنسية"فرنسوا ميتران"، يصنف إعلاميا باعتباره واحد من أهم مئة مفكر في العالم.



هامش: "الإسبرانتو" هي لغة تكونت من ثلاثة وعشرين حرفا ساكنا وخمسة أحرف متحركة وحرفين نصف صائتين ونظمت مفرداتها ست عشرة قاعدة نحوية، وهي لغة من تسعمئة مفردة معظمها مأخوذ من اللغات الهندية الأوروبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع