الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزقاق / قصة قصيرة

محمد الطيب بدور

2016 / 11 / 24
الادب والفن


كنت حديث العهد بالسكن في هذا الزقاق البعيد عن هرج الشوارع المزدحمة ...شقتي بالطابق الثاني
تطل على مقهى صغير ...تستقبل خيوط الشمس المتسللة بين أغصان شجرة عالية تسابق علو العمارة و تعانق أجواء سماء تهطل بالعصافير و الحمام ...
هالني صمت المكان ...و استقبلت يوما جديدا بالنزول الى المقهى ...و صادف ذلك يوم عطلتي ...
أمام المقهى طاولات قصيرة و كراس من سعف النخيل ...أرضية مبللة ... بعض العيون رصدتني
جديدا ...صباح الخير ..أأنت الساكن الجديد ؟ قلت نعم ...ولم أعلم الى أي درجة يهتم المتساكنون هناك بكل جديد في زقاقهم...أردت دفع الحساب و التمشي قليلا لأكتشف محيطي الجديد...قال النادل ان الحساب مدفوع...مرحبا بك ...قلت من ؟ قال...لا يهم...
وقفت وسط الزقاق الطويل ...لا يمكن الخروج من جهة اليسار...هناك جدار عال بعرض الزقاق يسد الأفق ...و تمشيت يمينا ...بدت لي الأرضية مزركشة بمربعات كبيرة فسيفسائية ...لماعة ...على طول الزقاق ...و على الجانبين و تحت الشقق المعدة للسكن ...دكاكين مقوسة الأبواب و النوافذ..
تتسلقها أغصان نباتات و أزهار و ورود ...تبعث بعطر يلج الى شرايين القلب ...تزيدها ابتسامة
التجار و هم يردون تحية الصباح سحرا لا مثيل له ...قلت لاشك أنني أحلم ...فمتى أستفيق ؟
رجعت الى شقتي ...استندت الى سياج حديدي بالنافذة المطلة على الزقاق ...و دبت حركة ...أذهلتني
امتلأ المقهى ...و على الأرصفة الضيقة اصطف باعة ...بعرباتهم الصغيرة ...أغلبهم من كبار السن رجالا و نساء ...يرشون بالماء الغلال و الخضر المعروضة ...و نساء تطل من شرفات الشقق العالية...يدلين بحبال مشدودة الى قفاف و أوعية ...يتلقفها الباعة ...يقرؤون ورقة و يملؤونها ببضاعتهم ...حركة تتكرر كل يوم تقريبا ...فأستهوي الجلوس مساء و ملاحظة الحياة كما هي أمامي...و أشعر بأنني أصبحت جزءا من هذا النسيج المتحرك في مكان ما لا علاقة له بالصخب و الازدحام و وجع الرأس ...
في الطابق الثاني المقابل لشقتي ...أنزل رجل حبلا ...تدلت منه قفة صغيرة ...تلقفها نادل المقهى..
وضع بها الطلب و قال ...اجذب يا عم سعيد ...ستصلك الجريدة أيضا ...لم أسمع هذا الصوت فقط..
سمفونية نداءات الباعة و موزع البريد على دراجته و بمنبه مميز يوزع التحيات و ينادي أسماء بعينها ...لتنزل ...فتتسلم الرسائل و سلاما من وراء البحار...يمر على الأم مبروكه...يقول ..صباح الخير...آسف ...صندوقي لم يتعطر برسالة ابنك ...و يمضي ملوحا متمايلا ...يلتقي بطفل صغير...تعال يا سامي...يركبه أمامه ...و يجط به أمام منزل في آخر الزقاق..
عم سعيد ...تصله كل طلباته و هو لا يغادر شقته ...رجل مقعد يتنقل في شقته على كرسي متحرك ...يعرفه الجميع و يلبون طلبه حسب أوقات نزول حبله و قفته الصغيرة ...صنع لنفسه حديقة صغيرة
بنافذته التي يطل منها على العالم ..أوحى لجيرانه بأن يفعلوا مثله ..فاكتست النوافذ و الأبواب حللا من النبات و الورود ..بدأت أفكر في حديقتي ...و كانت لي جلسات مع عم سعيد ...في المساء خاصة و نحن نستعرض مستجدات اليوم ...
و ذات يوم ...قدمت جرافة كبيرة...هز هديرها الزقاق ...توجهت الى ذلك الجدار العالي ...هدمته...فتعالى الغبار و غطى الشرفات ...تلوثت أرضية الزقاق بالأتربة ...و فتحت فوهة أطلت على شارع كبير...أرسل بالدراجات النارية و السيارات ...و مارة لم يمروا من هنا ...و باعة آخرون...لم يعد أحد يكترث لحديقته ...حتى موزع البريد اختفى ...
أنزل العم سعيد حبله و قفته الصغيرة ...أراد جذبها ...كانت مملوءة بالخضر و الغلال... شعر و هو
يجذبها بأنها تستعصي ...أعاد الجذب ...كان خفيفا ...اختفت القفة ...و رجع الحبل فارغا ...بينما أحد الأصوات ينادي...عم سعيد ...اختطفوا قفتك ...
و منذ ذلك اليوم أغلق عم سعيد نافذته ...و لم يعد حبله يتدلى من الشرفة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??