الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسات في علم النفس - سيغموند فرويد

حسين الموزاني

2016 / 11 / 25
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


سيغموند فرويد
دراسات في علم النفس
ترجمة حسين الموزاني
مقدمة كتاب فرويد الذي سيصدر قريباً في اللغة العربية

هناك ثلاثة من العلماء الذين ينتمون إلى دائرة الثقافة الألمانية أو الذين خرجوا منها في الواقع وساهموا نظرياً وعملياً، وعلى نحو حاسم، في تغيير العالم برمّته، وهم عالم الاقتصاد كارل ماركس الذي غيّر علاقة الإنسان بالإنسان وألبرت آينشتاين الذي غيّر علاقة الإنسان بالكون وسيغموند فرويد الذي غيّر علاقة الإنسان بنفسه. وأثبت التقدّم العلميّ والتطوّر التقنيّ في مختلف المجالات صحّة النظريات بشكل عام تلك التي وضعها ماركس وآينشتاين وفرويد الذين عاشوا في حقبة زمنية واحدة تقريباً، فأصبحوا من مؤسسيّ الحداثة. وقد نقلنا هنا مراسلة فرويد وآينشتاين حول أسباب الحرب وسبل درئها.
إلا أنّ ما يميّز فرويد عن ماركس وآينشتاين هو تعدد اهتماماته الإبداعية، فقد عمل في مجال التشريح والتشخيص الطبّيين والصيدلة والنقد الأدبي والتحليل النفسيّ ودراسة التاريخ الفنّي وعلم الاجتماع. وحاول البعض التقريب بين النظرية الماركسية وتعاليم فرويد، فأطلق مصطلح الفرويدية-الماركسية Freudomarxismus، وكان المحلل النفسيّ النمساويّ وتلميذ فرويد فيلهلم رايش من أبرز ممثليّ هذا التيّار اليساريّ في أوروبا.
ويقوم نظام فرويد على دراسة كلّ ما هو مضمر في النفس البشرية من غرائز وأفكار وأحلام وأوهام. وتوغّل المحلل النفسيّ في أعماق الإنسان حتّى اكتشف الأنا العليا التي تحرص على توجيه الأنا وتقمعها أحياناً، والتي اعتبرها المرجعية الأولى للوعي. فكلّ ما يتعلّق بالخبرات والتجارب الشخصية التي يجمعها الفرد تنتمي إلى هذه الأنا العليا التي تعني أيضاً بالعادات والتقاليد والأخلاق الاجتماعية. وهي السلطة التي تراقب ما يطلق عليه فرويد مصطلح الهو Es، والتي تحمل الشبق الجنسيّ وتنزع إلى تلبية رغباتها وشهواتها بشكل مباشر وتفرض عليها الرقابة الذاتية. ويلخّص فرويد فكرة "الهو" بالقول إنّ "الأنا هي ذلك الجزء من الهو والذي تغيّر وفقاً لقربه من العالم الخارجي وتأثّره به، فأصبح جاهزاً لالتقاط المؤثرات ومجهّزاً للحماية من الانفعالات مثل طبقة اللحاء التي تحيط بقطعة من مادة حيّة". بينما تشكل الأنا Ich الوعيّ النقدي وتنظّم علاقة النفس بالعالم الخارجي وفقاً لآلية الإدراك والفهم العقليين، وتحاول تلبية متطلبات الهو بصورة عقلانية أيضاً. وتتطوّر هذه الأنا حتّى تصل إلى التماهي مع الوالدين ومن ثمّة مع الأنا العليا. وحالما تتعرّض الأنا إلى انتقاد الأنا العليا أو تلمس عدوانيتها فإنّها تشعر بتأنيب الضمير على سبيل المثال أو الحزن أو الكآبة وما إلى ذلك مثلما نرى في مقالة فرويد المترجمة هنا والتي تتحدّث عن الفروق بين الحزن والكآبة. وآثرنا أن نترجم مصطلح Über-Ich إلى الأنا العليا، وليس كما هو شائع في الترجمات العربية إلى الأنا الأعلى التي تعتمد اسم التفضيل "أعلى" والذي يقتضي وجود أنا ثالثة، واكتفينا بالعليا تمييزاً لها عن الأنا. ورأينا أن ننقل مفردات مهمّة يستخدمها فرويد بكثرة مثل Objektbesetzung أو Besetzung اختصاراً والتي تعني الطاقة الروحية أو الشحنة الانفعالية المرتبطة بتصوّر محدد عن شيء أو شخص أو جسد أو جزء منه والذي يطلق عليه فرويد مصطلح Objekt أي المشروع، أو الهدف مثلما جاء في ترجمتنا.
وتعرّض فرويد الذي أحدث ثورةً علميةً كبرى في علاقة الإنسان بذاته وبالآخرين إلى انتقادات واسعة وعنيفة كانت تهدف إلى الطعن بنتائج بحوثه وتستخف بها، لكنّها أخفقت كلّها في تحطيم الصرح التاريخيّ الذي أقامه فرويد عبر ستين عاماً من العمل المتواصل. فكتب عنه تلميذه كارل غوستاف يونغ يقول إنّ الفكرة الرئيسية التي تستند إليها تعاليم فرويد هي الكبت الجنسيّ و "تبدو له جميع الظواهر الروحية مثل الفنّ والفلسفة والدين مشبوهةً ولا تمثّل سوى مكبوتات الغريزة الجنسية". ولذلك فمن المنطقي أن تغيب عن فرويد "الدوافع الأخلاقية المصيرية التي يعوّضها بالأخلاق التقليدية" وهو بالتالي "المخرّب الكبير الذي حطّم قيود الماضي". ولا تشكّل كتاباته منهجاً سليماً، لأنّه لا ينظر إلى الأمام أبداً، إنّما "كلّ شيء لديه يتجه إلى الخلف، وحتّى هذا الاتجاه لا يشمل إلا بعض الخيارات الأحادية الجانب".
ويعلّق تلميذه الآخر فيلهلم رايش على مقولة فرويد بأنّ هناك "سوء فهم خبيث وينمّ عن جهل يزعم أنّ التحليل النفسيّ ينتظر شفاء الأمراض العصابية عبر (الانغماس الحرّ) في ممارسة الجنس. غير أنّ الكشف عن الشهوات الجنسية المكبوتة عبر التحليل النفسيّ يتيح السيطرة على هذه الشهوات بالذات. ويمكن القول وبحقّ إنّ التحليل النفسيّ للمريض نفسيّاً يحرره من قيوده الجنسية"، بأنّ هذا الرأي يجد له استجابة وقبولاً حتّى من قبل كبار النازيين، لأنّه يعالج الظاهرة وليس أسبابها، وأن هذه الصياغة "لا علاقة لها بالتحليل النفسيّ الذي أحرق هتلر الدراسات والبحوث الذي كانت تتناوله". ويقرر رايش بأنّ الحلّ السليم لهذه الحالة هو إيجاد الشريك الجنسيّ المثاليّ للعلاقة الإنسانية المتكافئة والتي لا يمكن أن تتحقق إلا في مجتمع حرّ وعادل يتيح حرية الاختيار الجنسيّ. ويتّهم الكاتب الألماني أميل لودفيغ، الذي وضع كتاباً عن السيرة الذاتية لفرويد، المحللَ النفسيّ الشهير بالظلامية فيقول إنّ "أعماله تتنكر للذوق والأسلوب. ولا يعثر المرء في مؤلفاته التي تقع في ثلاثة عشر جزءاً على أيّ مثل شخصيّ يحمل لوناً زاهياً على سبيل المثال. وحتّى لو لم نفترض توفّر الموهبة الأدبية التي نراها مثلاً لدى هومبولدت، فإنّ كتابات الباحثين الجافين في العلوم الطبيعية من أمثال داروين ولينيه تظهر حافلةً بالصور الزاهية إذا ما قارنت بكتابات [فرويد]“.
ويقول عنه الكاتب الألماني توماس مان إنّ "مؤسس علم النفس باعتباره علاجاً وطريقةً للبحث قد سار بمفرده تماماً في طريق المعرفة الوعر بصفته طبيباً وباحثاً في العلوم الطبيعية دون أن يعتمد على وسائل الدعم والإسناد القوية التي وضعتها الأعمال الكبرى في هذا المضمار تحت تصرّفه".
وكتب عنه الباحث الأمريكي في علوم الدماغ إيريك كانديل في كتابه "عصر المعرفة" أنّ فرويد تأثّر بمدرسة فيينا الطبّية التي أرجعت أعراض الأمراض النفسية إلى الطبيعة البيولوجية للإنسان. وقد اكتشف بأنّ معظم التصرفات البشرية هي تصرفات لا عقلانية وتقوم على آليات عمل نفسية لا واعية. وتوصل إلى نتيجة مفادها أنّ من يريد "فهم التركيبة المعقدة لللاوعي من ناحية جسمانية فعليه أن يطوّر تحليلاً نفسياً مطابقاً لها". ويضيف أنّ فريد أدرك بأنّ الكبت يشكل آلية دفاع ومقاومة نفسية تحول دون المشاعر والرغبات والتصرّفات غير المرغوبة فيها، وصار يبحث عن طريق لمعالجة الكبت عبر التداعي الحرّ.

لكنّ فرويد في الواقع لم يكن باحثاً اجتماعياً أو زعيماً سياسياً أو عضواً في منظمة سريّة، إنما طبيب وباحث علميّ في شؤون النفس البشرية ورائداً تنويرياً أخرج الإنسان من ظلمته الداخلية وسلطّ على حواسه ورغباته وشهواته وطاقاته الكامنة إشعاعاً داخلياً قويّاً يكشف عن مكامن الضعف والقوّة فيها، وكذلك انعكاسات العالم الخارجي عليها وتأثيراته الثقافية. ثمّ إنّ فرويد يؤمن إيماناً كبيراً بمستقبل البشرية ومبادئ العدل والمساواة والحريّة مثلما تثبت رسالته الموجّهة إلى عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين والتي نقلناها هنا أيضاً.
ويصف فرويد نفسه بانّه منقّب في الروح مثلما يفعل منقّب الآثار في الأطلال والخرائب. فهو يريد إرجاع البشرية إلى طفولتها التي تعرّضت للتشويه عبر مجرى التاريخ، مثلما تعرّضت أعمال فرويد نفسه وحياته أيضاً إلى التشويه المتعمّد. وينظر المحلل النفسيّ إلى الإنسان، ومثلما الأمر لدى كارل ماركس وحتّى لدى ممثليّ الفلسفة الوجودية، باعتباره كائناً حيوانياً غريزياً لا غاية له ولا حتّى ضرورة طبيعية بيولوجية. ويؤكّد ذلك بوضوح عبر تحليل مراحل الطفولة المبكّرة للإنسان والتي يعيد تكرارها بصور وأشكال مختلفة وفقاً لنشأته وتربيته وتأثير بيئته الاجتماعية والجغرافية وظروفه الاقتصادية. ويرى فرويد أنّ الثقافة هي المحرّك الأساسيّ للبشرية وهي التي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل هويّة المجتمعات وتحقيق السلم الأهلي والتفاهم بين الشعوب، على العكس من الحروب والنزاعات المسلحة التي تؤدّي إلى تمزيق الأوطان والمجتمعات وتدمير ثقافاتها.
وتتسم كتابات فرويد بالعمق والموضوعية والجرأة في تناول ما هو محظور ومحرّم في مجتمعات تلك الحقبة التاريخية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّه يعتبر مرجعيةً فكريةً وعلميةً رصينةً للعديد من الحركات الفنيّة التي شهدها القرن العشرين ومنها المدرستان الدادئية والسوريالية وحركة النهضة الفنيّة في النمسا والتي يعتبر إيغون شيله وغوستاف كليمت وأوسكار كوكوشكا من أبرز ممثليها.
ولد سيغموند فرويد عام ١٨٥٦ بمدينة فرابيرغ (Pribor) التشيكية الآن ثمّ انتقلت عائلته بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى فيينا حيث درس الطبّ في جامعتها وعمل في معهد العلوم الفسيولوجية قبل أن يصبح طبيباً متخصصاً بالأمراض العصبية. وبعد زواجه عام ١٨٨٦ افتتح أوّل عيادة خاصةً به، ثم انتقلت الأسرة مع العيادة إلى المبنى الذي يقع في بيرغّاسه Berggasse وقد تحوّلت العيادة الشهيرة إلى متحف الآن – أنظر صورة الغلاف. وأسس فرويد "جمعية الأربعاء للتحليل النفسيّ" عام ١٩٠٨ وأصدر بعد عام التقويم السنويّ للتحليل النفسي ثمّ الجريدة المركزية للتحليل النفسي عام ١٩١٠، وأعقب ذلك تنظيم المؤتمرات الطبّيّة وإصدار المطبوعات العلمية. وحصل فرويد على عدد من الجوائز التقديرية ومنها جائزة غوته وانتخب عضواً في "الجمعية الملكية للطبّ" البريطانية. وبعد الاحتلال النازي للنمسا عام ١٩٣٨ أو ما يعرف بانضمام النمسا إلى الرايخ الألماني، اضطرّ فرويد إلى مغادرة وطنه ومدينته فيينا، وانتقل إلى لندن ليرحل بعد ذلك بعام واحد عن عمر ناهر الثالثة والثمانين عاماً غريباً منفيّاً ومحبطاً نفسياً.
وقد اخترنا عشر مقالات تعالج مواضيع مختلفة مثل الكبت الجنسيّ وتصورات الطفولة والعلاقة بين الآباء والأبناء وتصوّرات الأطفال والخيال الشعري والحرب والسلام. وقد نقلناها عن لغتها الأصلية، وحرصنا قدر المستطاع على أن تكون الترجمة مفهومةً للقارئ المتخصص وغير المتخصص على السواء.

برلين ٢٠١٦








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله