الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أدركت الآن ؟ / قصة قصيرة

محمد الطيب بدور

2016 / 11 / 26
الادب والفن




كان بالغرفة المجاورة عندما رن هاتفه دون انقطاع ...تناوله و استمع الى المتصل ...لم ينتبه الى الرقم الذي كاد يندثر...فصديقه منذ عشرين عاما كان قليل الاتصال ...ظل ساهما لا يكاد يصدق ...
أعلمه بوفاة عزيزة عليه كانت يوما ستكون زوجته لولا تصاريف القدر ...لم ينطق بكلمات ذي معنى
و خير الخروج ليتمشى و يفكر...أعاد الاتصال بصديقه و طلب المزيد من التفاصيل ...عرف أنها توفيت منذ يومين و أنها دفنت و أنه لم يتمكن من الاتصال قبل اليوم ...قال .الصديق ..أبلغتك ان كنت تريد
المجيء الى أهلها للتعزية ...لم ينطق بوعد . ...قادته خطواته المضطربة الى شارع طويل وسط
الزحام ... يبحث في ملامح المارين عن ذكرى لم تغادر مخزون الأيام ...و قبل العودة الى المنزل

جلس منفردا بالمقهى غير مهتم بجلبة و سمر الجالسين ...ناوله النادل فنجانه المعهود ...حرك القهوة
و بصره لا يغادر البخار الصاعد ...فصعد معه الى عشرين سنة مضت ...أين عرف سعاد...و عائلتها
...تعمل سعاد باحدى ورشات الخياطة ...و تعيل عائلتها و تحرص على توفير حاجياتها...تحظى بكثير من التقدير ...وسط حيها بالمدينة ...فائقة الحيوية ...رائعة الجمال و الحديث ..أخذت بلب قلبه ...و لم يكن من السهل عليه غزو قلبها ...أغذق عليها الهذايا و تواعدا على الاقتران
و كان واضحا منذ البداية أن اقترانهما سيسعد العائلة عدا أخوها الأكبر الذي
كان يخبىء شيئا ما ...و لكن قبل موعد الخطوبة بشهر...لاحظ عمر...على ملامح سعاد ذبولا ...و صمتا ...و شعر أنها لم تعد تهتم كثيرا بكل كلمة يقولها ...تنظر اليه في صمت ...و بعينين تخبئان رجاء لا تفصح عنه ...و في ذات صباح باكر...سمع طرقا عنيفا على باب شقته الصغيرة التي يسكنها صحبة صديقه الذي اتصل به ...فتح الباب جزعا ...كانت أختها على الباب ....تعلمه باختفاء سعاد ...
قصد الجميع منزلها ...كل العائلة على قدم و ساق ...عدا أخوها و أمها ...لم تبد عليهما علامات الحيرة و الخوف ...بقية أفراد العائلة يبحثون عنها عند صديقاتها و معارفهم ...و ظل عمر صحبة صديقه ينتظران فرجا لا يأتي حتى جاء الليل ....و جاء الخبر اليقين ....قال أخوها سعاد تزوجت
و قد هربت من موقف محرج لك ...و لأهلك ...و يقصد عمر بكلامه ...
كان هذا آخر كلام سمعه قبل أن يغادر منزلهم منذ عشرين سنة ...تحامل على نفسه ...غادر المقهى
ليعد ليوم سفر لم يحدد وجهته بعد...و لكنه سيذهب اليها ...
ساعات قليلة خلال السفر فتحت بذاكرته الكثير من التفاصيل ...ساعات الصفا ...و ضحكتها و شعرها
الفاحم و عطرها و لمسة يدها و انشغالها ...و مشاكساتها ....عظم حزنه ...و هو يدخل الى سور المقبرة ...بحث عن قبر جديد ...هناك غير بعيد ...تراءى له القبر...قرأ الاسم ...وقف كالمتجمد
صامتا ...و تذكر أن عليه قراءة الفاتحة...ففعل ...و لم يغادر القبر فأخذ يحيط به مشيا ...متوقفا
أحيانا ..دون أن يشعر بأن المكان يقصده زوار آخرون ...أخوها و بنت لم يتعدى سنها العشرين سنة..
شعر بحرج ...فغادر ليجلس تحت شجرة ...تبعه أخوها و قد تعرف عليه ...جلس الى جانبه ...و تبادلا
التحية و العزاء ...و اختصر أخوها أجوبة ظلت أسئلة عالقة في ذهن عمر...قال...أرأيت تلك البنت ؟
انها منى ...ابنة المرحومة ......تزوجت سعاد صاحب الورشة بعدما هددها بطردها ان لم تقبل به .زوجا ...أنا من ساعدته ليوفر لي عملا كسائق لترويج بضاعته ...توفي قبلها بسنتين ...في حادث مرور ...جراء السكر...مات هو و أسعفني القدر...كنا في نفس السيارة ...انهارت قواها بعد موته
و عجزت عن تسيير الورشة ...هدها المرض الخبيث ...و تهاوت ...لتترك البنت وحيدة ...
نظر عمر الى القبر الساكن...و كأنه يراها مبتسمة ...هل أدركت الآن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا