الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يحتاج إلى جمل؟

أوري أفنيري

2006 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أحد الثملين يغمى عليه. يقوم أصدقاؤه بسكب الماء عليه. يفتح الثمل عيناه، يلعق الماء ويقول: "لا أعرف ما هذا، ولكن هذا لن يمشي في السوق!"

تذكرت هذا الثمل عندما قرأت مسودة البرنامج السياسي لحزب العمل، الذي اقترحته لجنة خبراء.

يقولون أن الجمل هو حصان تم تخطيطه من قبل لجنة. لو تجاهلنا، لبرهة، الإهانة التي وجّهت للحيوان ذي السنام، فسيكون بإمكاننا القول أن اللجان بطبيعتها ليست جهات إبداعية. لا حاجة للإيمان بالله وحتى لا حاجة للإيمان "بالتنظيم العقلاني"، لكي نعرف أنه لا يمكن لأي لجنة أن تخصص حصانا عربيا أصيلا.

البرنامج السياسي الذي من شأن عمير بيرتس أن يتبناه ليس حصانا ولا يكاد يكون جملا أيضا.



لجنة تخطيط الحصان مؤلفة من بضع أشخاص معروفين: دييف كمحي، من رؤساء الموساد سابقا؛ عوزي برعام، عضو كنيست سابقا، من جناح الحمام في الحزب؛ عضو الكنيست يولي تمير، التي كانت عضوة في "كتلة السلام" قبل سنوات طويلة؛ آفي بريمور وألون بنكس، من موظفي وزارة الخارجية سابقا. كذلك داليا رابين، هي عضوة فيها أيضا، وعلى ما يبدو خبرتها بهذه الشؤون تنبع من حقيقة كونها ابنة إسحاق رابين.

من يؤلف اللجنة يحدد، عادة، ماذا سينتج عنها. فإن الاستنتاجات تكون مختبئة في التركيبة نفسها. هذه اللجنة مؤلفة من حمامات معتدلة، ما يدعى في اللهجة الجديدة "مركز-يسار"، ليسوا راديكاليون أكثر من اللازم، لا سمح الله. وكذلك الأمر برنامجها السياسي.

تحدد اللجنة أنه يجب إقامة دولة فلسطينية – وهذا أمر جيد. إنها ترفض ترتيبات مرحلية أخرى وكذلك فكرة "دولة فلسطينية مؤقتة" – وهما فكرتان محببتان على قلب أريئيل شارون، ومشمولتان أيضا في "خارطة الطريق" الحمقاء – وهذا جيد أيضا.

إنها تحدد أيضا أنه يجب تحديد الوقت مسبقا حتى انتهاء المفاوضات، وعندها ترد بعض الكلمات الغريبة: في حال فشلها (المفاوضات) فقط، سيتم فحص خطوات أحادية الجانب كمنفذ أخير.

ماذا تعني هذه الكلمات؟ إنها تحوّل كل بند إلى إنذار نهائي. إما أن توافقوا على ما نقترحه عليكم، أو أن ننفذ ذلك بخطوات من جانب واحد. كـ "منفذ أخير" بطبيعة الحال. ولكننا نحن من سنحدد متى يحين وقت المنفذ الأخير. بكلمات بسيطة: يطرد البرنامج "الخطوات أحادية الجانب" التي يقترحها شارون من الباب الرئيسي ويعيدها من الباب الخلفي.

المسيحيون، الذين يؤمنون بالشيطان، يعرفون بأن إحدى أرجله تشبه حدوة حصان. ينجح الشيطان عادة في إخفاء هذه الرجل، ولكنها تظهر أحيانا تحت جلبابه. "المنفذ الأخير" هو حدوة الشيطان.

إضافة إلى ذلك: تحدد اللجنة بأن المفاوضات ستدار مقابل "الزعامة الفلسطينية المنتخبة". هذا أمر جيد وجميل. ولكن اللجنة لا تكتفي بذلك، فهي تُبلغ الفلسطينيين في هذا السياق بمن عليهم انتخابه، وتضيف الكلمات التالية: "من خلال رفض إقامة محادثات مع حماس". وماذا إذا أصرّ الفلسطينيون، لسبب أو لآخر، انتخاب، في هذه المرحلة أو تلك، رجالات حماس، ليشكلوا هؤلاء الزعامة الفلسطينية؟ هل لن تُجرى في حينه محادثات، وسنتوجه مباشرة إلى "الخطوات أحادية الجانب"، على طريقة شارون؟

هذه الفكرة تبدو سخيفة من الناحية الخارجية أيضا. رفض حماس يرتكز على الادعاء بأن المنظمة تعترض على مجرد وجود دولة إسرائيل وتدعو إلى القضاء عليها. إلا أن المنظمة مستعدة للدخول في محادثات مع حكومة إسرائيل المنتخبة لإحلال سلام دائم، فهي تعترف بوجود إسرائيل. إضافة إلى ذلك، تستقي السلطة الفلسطينية صلاحياتها من معاهدة أوسلو، التي ترتكز على الاعتراف المتبادل والرسمي بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. حين تشارك حماس في الانتخابات الفلسطينية، فإن مجرد مشاركتها هذه تشتمل على اعتراف بوجود الدولة.

كل هذا يذكرنا بأيام خلت، حين رفضت حكومات حزب العمل أي محادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية، استنادا إلى الادعاءات ذاتها. ألم يتعلموا شيئا، ألم ينسوا شيئا؟



إلى الأمام: القدس. كما هي الحال لدى شارون ونتنياهو، تحدد هذه الوثيقة بأن "القدس هي العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل".

صحيح أن اللجنة تقترح إعادة فحص الخارطة البلدية وإخراج بعض القرى والأحياء التي تحيط بها منها. القصد هنا، على ما يبدو، قرى مثل أبو ديس والعيزرية، التي لم تكن تابعة للقدس فيما مضى، حتى تم ضمها إليها بعد حرب الأيام الستة. جميل جدا. إلا أن البرنامج يُبقي في المدينة التي تم ضمها أحياء القدس الشرقية – البلدة القديمة، الحرم الشريف، أبو طور، الشيخ جراح، وغيرها وغيرها. هذا اقتراح يعيد للفلسطينيين أقل بكثير من خطة كلينتون.

يروون عن نابليون، الذي دخل إلى مدينة ألمانية ولم يُستقبل بـ 101 من طلقات المدفع المتبعة. حين طُلب من رئيس المدينة شرح هذا الإخفاق، أخرج وثيقة طويلة وبدأ يقرأ: "البند الأول – ليست لدينا مدافع". قاطع نابليون أقواله: "هذا يكفي، لا حاجة إلى استمرارك في القراءة".

يمكن قول ذلك أيضا عن البرنامج، الذي يشتمل على ضم القدس الشرقية. لا حاجة إلى بنود أخرى. لن يوافق أي فلسطيني على ذلك، لا في فتح ولا في حماس، لا اليوم ولا بعد مائة سنة. من الممكن التوجه مباشرة إلى "المنفذ الأخير".



إذا تخطينا القدس، يمكن الوصول إلى هونغ-كونغ مباشرة. هناك، في تلك الجزيرة الصينية، حلّ على واضعي هذه الوثيقة إلهام أصلي حقيقي. من يريد التشويش عليه أن يبالغ بشهادته.

قبل 107 سنوات، في خضم ازدهار الإمبريالية البريطانية، حين كانت الصين تهيم على وجهها، أراد رؤساء الإمبراطورية ضم هونغ-كونغ، وهي جزيرة صينية لها أهمية استراتيجية. لأسباب مختلفة لم يرغبوا في تنفيذ ضم علني وفضلوا التفذلك. قامت الصين "بتأجيرهم" الجزيرة لمدة 99 سنة، وتحوّلت إلى "مستعمرة التاج" البريطاني.

تقترح الآن الوثيقة تفذلكا مشابها: تقوم السلطة الفلسطينية بتأجير "الكتل الاستيطانية" لإسرائيل لمدة 99 سنة، وتقوم إسرائيل بالدفع مقابل التأجير بالمال أو بأراضي بديلة (يتم تأجيرها لمدة 99 سنة؟) وماذا ستفعل إسرائيل في الأراضي التي استأجرتها؟ هل ستغطيها بالمستوطنات حتى الشبر الأخير، وماذا ستعيد بعد 99 سنة؟

من الصعب التصديق بأن الفلسطينيين سيميّزوا بين هذا الاقتراح واقتراح الضم الذي سيقترحه شارون. لن يهمهم ماذا سيحدث في عام 2104.



ما الحاجة في كل هذه الفذلكة؟

لست إنسانا ساذجا، وأنا أعرف ما هو الهدف من البرامج الانتخابية. إنها تأتي لاجتذاب الأصوات وتُنسى غداة يوم الانتخابات. ولكن هذه المناورات لا تجدي لهذا الهدف أيضا.

اعتقد أعضاء اللجنة، على ما يبدو، بأن البرنامج الحقيقي لبيرتس سيخيف الناخبين، ولذلك يقدمونهم برنامجا أكثر ليونة، تم غسله، يخاطب حسب رأيهم قلوب الناس في المركز الأسطوري، الذي اجتذبهم شارون. من الواضح أن واضعي النص أرادوا أيضا حياكة برنامج يتيح لحزب العمل الدخول في ائتلاف برئاسة شارون. إلا أن هذه مساومة خاطئة.

لقد تحوّلت الانتخابات، ليس إلى اختيار بين برامج سياسية، بل إلى اختيار شخصي بين ثلاثة أشخاص: شارون، نتنياهو وبيرتس. لا يأبه أي شخص، من ذا الذي سيكون في المكان التاسع أو الثالث عشر، في قائمة العمل، الليكود أو كديما. إنهم سينتخبون الزعيم الذي يبدو لهم قادرا على قيادة الدولة. لشارون أفضلية كبيرة في هذا الاختبار.

على المعركة الانتخابية التي يخوضها حزب العمل أن تقنع الجمهور بأن عمير بيرتس هو زعيم ملتزم، يثق بصحة ما يقول، والأهم من هذا كله – أنه لا يخاف أبدا، رئيس حكومة لا ينسحب، يعرف ما يريد، لديه برنامج واضح في كافة المجالات. البرنامج الضحل والملتوي والذي تمت حياكته من خرق بالية، لن يقنع أحد أحدا بأن بيرتس هو كذلك.



هناك جمال كثير تتجوّل الآن في الميدان، أما الجمهور فيريد فارسا يمتطي صهوة جواد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة