الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبّاس ودحلان .. وسياسة تكسير العظام

رياض حسن محرم

2016 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


إرتبطنا فى باكورة شبابنا بالمقاومة الفلسطينية و تعلقت قلوبنا بها بعد هزيمة 1967 كطوق نجاة فى أحلك اللحظات، توزعنا على فصائل المقاومة الفلسطينية حيث كانت الجبهتين الشعبية والديموقراطية هى القاسم الأعظم بين اليساريين، بينما كانت منظمة فتح بذراعها العسكرى "الصاعقة" تحظى باحترامنا وتقديرينا جميعا، كنّا نتلقى أشعار المقاومة من الأرض المحتلة عبر مجلة "الآداب" البيروتية فنحفظها وتلتهب بها قلوبنا فتنتقل عبر أقلامنا الى مجلات الحائط، درويش وسميح وتوفيق زياد وغيرهم، إستمعنا ورددنا أغانى الشيخ إمام ومارسيل خليفة وفيروز وأشعار مظفر النواب ونتابع مجلتى الحرية والهدف، حيث كان الألم طريقنا للنشوة.
فى مارس عام 1975 تجمعنا بعدد كبير فى مقر منظمة التحرير الفلسطينية بسبورتنج على الترام لنحيى ذكرى يوم الأرض، وبعد جلسة حماسية تخللتها أشعار وأغانى المقاومة، وباندفاع الشباب قررنا أن نخرج فى مسيرة رغم علمنا بحصار المقر من قوات الأمن والمخبرين، كان أغلبيتنا من شباب جامعة الأسكندرية والشباب الفلسطينى، وبمجرد خروجنا الى الشارع بدأت حفلة من الضرب والسحل بدون تمييز، ولكن بعد إشارة معينة إتجه الضرب فجأة الى الزميل "عصام البرعى" زعيم طلاب كلية الهندسة وأحد القياديين فى الحركة الطلابية، وكان المقصود فى هذا اليوم تلقينه درسا أو إحداث إعاقة جسدية به، فجأة قفز شاب قوى البنية من بين المتظاهرين ليلقى بجسده على عصام متلقيا كل الضرب عنه، عرفت هذا الشاب فيما بعد، كان محمد دحلان.
ما ذكرته ليس إنحيازا لدحلان ولكنه سرد للآمانة التاريخية فقط، فقد تغير الرجل كثيرا ولوثته ألاعيب السلطة رغم قربه الشديد من ياسر عرفات الذى كان يعامله بمثابة الإبن ومن بعده محمود عباس " الذى كلفه بتشكيل جهاز الأمن الوقائى فى غزة" ورغم ذلك فقد إنحاز لمجموعة شباب فتح ومن بينهم مروان البرغوثى ضد الحرس القديم وعلى رأسه عرفات تحت شعار إصلاح وضع فتح الداخلى، وكان أشهر ما قامت به هذه المجموعة فى 2004 ضد عرفات نفسه وقد وقف عرفات ضد تعيين محمود عباس لدحلان فى منصب وزير الأمن الداخلى فى حكومته ولكن عرفات رضخ أخيرا لإصرار أبو مازن، وللحقيقة فقد تم تشويه الرجل بأكثر مما ينبغى أو يستحق، وجهت إليه إتهامات عديدة وصلت الى حد إتهامه بالعمالة لإسرائيل " والمعروف أنه قضى خمس سنوات فى السجون الإسرائيلية من 1981 – 1986" وإعتباره رجلها الأول فى صفوف فتح معتمدين على ضلوعه بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأوامر من عباس، وكان وراء هذه الحملة تحديدا حركة حماس التى وضعته كمرمى لنيرانها وكان من وراء القصد تشويه فتح، واختارت لحملتها الرجل الذى كان أكثر جذرية فى عداؤه لها، وتولى إبّان رئاسته لجهاز الأمن الوقائى التنكيل بالحمساويين فى غزة، يقول الصحفى الأمريكى "ديفيد روز" فى صحيفة "فانيتى فير" الأمريكية فى 2008 (ما من أحد يبغضه أعضاء حماس مثل محمد دحلان رجل فتح القوي المقيم في غزة فقد أمضى دحلان لذي شغل إلى عهد قريب منصب مستشار عباس للأمن القومي عقدا ونيف من الزمان في صراع مع حماس )، وقد إستطاعت حماس " ومن ورائها الإخوان المسلمين" فعلا أن تشوه دحلان ليس فى غزة ولا الضفة فقط لكن فى معظم الدول العربية.
لقد شهدت فتح مجموعة إنشقاقات من قبل لم تؤثر عليها كثيرا من أشهرها إنشقاق مجموعة "أبو نضال" صبرى البنا عام 1975 تحت مسمى "فتح – الخط الصحيح"، أمّا الإنشقاق الثانى فقد حدث فى عام 1983 وقاده "أبو موسى" سعيد مراغة ومعه أبو خالد العمله، ولكن الذى يحدث حاليا يعتبر زلزالا مقارنة بتلك الإنشقاقات، فرغم إتفاق أوسلو وفشل ما تلاه من مفاوضات قى تحقيق أى تقدم على الأرض باتجاه تحقيق حلم دولة للفلسطينيين سوى سلطة بائسة منزوعة الصلاحبات فى الضفة ما أدى الى ترهل فتح لعجزها عن تحقيق مشروعها وعدم قدرتها الرجوع الى خندق المقاومة وتخبط أداء السلطة ما فتح الطريق الى مزيد من الأزمات الداخلية والتفسخ، وكان موقف عباس الثابت هو مزيد من المفاوضات بين طرفين غير متكافئيين ودعوته المتواصلة لعدم عسكرة الإنتفاضة دافعا الى مزيد من التنازلات وابتعاد الحل مع حماس لتتحول السلطة فى النهاية الى مجرد شكل كاريكاتورى يؤمن لنخبتها السياسية مزيدا من الوضع الإقتصادى المريح ومزيدا من المكاسب الشخصية مانتج عنه إستمرار التفسخ والصراعات الداخلية، ومنذ تولى عباس قيادة السلطة والمنظمة والحركة بعد رحيل عرفات فى 2004 عمد الى إستبعاد مناوئيه فى الحركة حيث قام بإقصاء فاروق قدومى كرئيس للدائرة السياسية ومن مركزية فتح وزاد التفاقم بعد تجدد الخلاف بينه ودحلان، حيث عمد عباس الى إبعاد الأخير أيضا وتحريك ملفات فساد ضده وعمد فى الأخير الى طرده من حركة فتح بتأييد من المحكمة الدستورية مع العشرات من المؤيدين له، وأدّى ذلك الى تذمر واسع فى صفوف أصدقاء وأنصار دحلان، ومع إقتراب ملف رحيل عباس والتجهيز لخلافته فإن الرجل إزداد تصلبا وتوترا وإمتلأ بالهواجس من المحيطين به وكان آخرهم "سليمان فياض" رئيس وزرائه السابق و"ياسر عبد ربه" صديقه وأمين سر المنظمة، بينما الخلافات داخل الحركة تتصاعد ومرشحة لمزيد من الصراعات.
يتميز محمد دحلان بدهاء كبير وقدرة عالية على المناورة فقد إستطاع رغم كل المحاولات أن يستعيد علاقاته بحماس وتحولت من أشد المناصرين لخلافته، كما أن المخيمات الفلسطينية بالضفة "بلاطة والأمعرى وجنين" تؤيد فى أغلبها محمد دحلان ويتمتع بتأييد واسع بين الفتحوية فى القطاع " إستطاع بسهولة إجتياح القسطل أحد قيادات حماس فى إنتخابات 2006 فى غزة"، بينما هو "لأسباب تكتيكية" لم يعلن حتى الآن نيته الترشح للرئاسة، الآّ أن مروان البرغوثى ما زال يشكل الرقم الصعب الذى يجمع عليه أغلبية فتح والقوى الوطنية الفلسطينية "رغم وجوده بسجون الإحتلال حتى الآن" ويعتقد الكثيرين أنه بقليل من الضغط على الجانب الإسرائيلى يمكن إطلاق سراحه، مروان يتمتع بشعبية طاغية وملفه لا يشوبه فساد بالإضافة أنه تم إعادة إنتخابه لعضوية مركزية فتح وهو بالسجن، كما يوجد عدد من المقربين من عباس يطمحون لكرسى الخلافة على رأسهم صائب عريقات الذى تمت ترقيته لأمين سر منظمة التحرير " بديلا لياسر عبد ربه" و "أبو علاء" أحمد قريع، بينما مازالت مصر والإمارات والأردن تميل لترشيح محمد دحلان فى الوقت الذى بدأ فيه أبو مازن يعلن ميله أكثر لمحور قطر أنقره لقناعته أنهم يملكون أوراق الضغط على حماس.
رغم أن الجميع يعلم بخطوات التقارب بين حماس ودحلان الاّ أن الطرفين يتكتمون حتى الآن تلك الخطوة لإدراكهما صعوبة قبول أطراف داخل حماس بالتحالف مع عدوهم التاريخى ولعدم إثارة أطراف عربية وإقليمية ولخشية دحلان أن يؤثر ذلك بالسلب على علاقاته داخل فتح، لكن توجد خطوات عملية تؤشر الى تطور علاقة دحلان بحماس أهمها إفراج القاهرة عن الحمساوى "زكى السكنى" بوساطة من دحلان بالإضافة لإشادته بحماس فى لقاء له مع قناة دريم المصرية، يتواكب ذلك مع تخفيف حماس ضغوطها على أنصار دحلان فى غزة، وربما تهدف حماس من تطبيع علاقتها مع دحلان تليين موقف القاهرة ضدها وتحسين وضع المعبر والضغط على أبو مازن لتقديم تنازل فى ملف المصالحة معها، ظهر ذلك فى رد الفعل المتشنج من فتح تجاه المؤتمر الذى دعا له "المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط" بالقاهرة تحت عنوان "مصر والقضية الفلسطينية" وقامت برفض المشاركة فيه أو الإعتراف بنتائجه لتسرب بعض المعلومات اليها أن عقد هذا المؤتمر ما هو الاّ وسيلة لدعم لمحمد دحلان، لكن الشاهد فى النهاية أن أبو مازن لا يزال يمسك بأوراق ضغط قوية داخل حركة فتح ربما تساعده على تجاوز أزمة الخلافة وتصدير أحد أعضاء الحرس القديم المقربين له كصائب عريقات لتولى منصب الرئاسة، ولكن الأوضاع بعد المؤتمر لن تكون فى أى حال كما سبق ويخشى البعض أن يتسبب ذلك فى نشوب عنف داخلى فى فتح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ