الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضراب بوتيلوف - البلشفية طريق الثورة

آلان وودز
(Alan Woods)

2016 / 11 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


البلشفية طريق الثورة

الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

إضراب بوتيلوف

ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي
ربما كانت فكرة العريضة بالنسبة لغابون وسيلة لتحويل الحركة نحو قنوات آمنة. وربما كان غابون يعتقد فعلا أنه يمكنه أن يكون وسيطا بين القيصر و"أبنائه". لكن بمجرد ما تم طرحها، في سياق الغليان الذي كان تعرفه الجماهير، اتخذت هذه الفكرة، التي تبدو مهادنة، منطقا خاصا بها. فكرة بعث نداء إلى القيصر وعريضة للمطالب اشتعلت على الفور مخيلة الجماهير. عقدت اجتماعات حاشدة في جميع أنحاء العاصمة، وانتقل غابون من اجتماع لآخر وألقى خطبا تزداد تجذرا باستمرار تحت تأثير الحالة المزاجية للجماهير، التي كانت تقابله بالتبجيل. يعطي تقرير لشاهد عيان انطباعا حيا عن الجو الحماسي الذي ساد تلك الاجتماعات، بشكلها شبه الإنجيلي، حيث كان غابون يدعو الله لقيادة العمال في النضال، ويحث العمال على الوقوف معا، والموت معا إذا لزم الأمر: «كان جميع الحاضرين في حالة نشوة، كان العديد منهم يبكون ويضربون الأرض بأقدامهم ويحركون الكراسي ويضربون بقبضاتهم على الجدران ويرفعون أيديهم إلى أعلى ويقسمون بأن يبقوا ثابتين حتى النهاية».

كانت الحركة تتطور بسرعة نحو الإضراب عام. وبحلول يوم 05 يناير انخرط 26.000 عامل في الإضراب، ويوم 07 يناير وصل العدد إلى 105.000 مضرب؛ وفي اليوم التالي وصل العدد إلى 111.000. كما بدأت الحركة تتخذ طابعا سياسيا أيضا. يوم 05 يناير صوَّت العمال، في لقاء جماهيري، لصالح العقد الفوري للجمعية التأسيسية والحرية السياسية ووضع حد للحرب وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. لقد جاءت المبادرة لهذه القرارات من عند العمال الذين تأثروا بالدعاية الاشتراكية الديمقراطية. فعلى مدى فترة طويلة من النشاط الاشتراكي الديمقراطي في التحريض والدعاية والتنظيم، دخل عدد كبير من العمال الطليعيين في اتصال، إلى هذا الحد أو ذاك، مع حلقات الدعاية الاشتراكية الديمقراطية. لقد تأثر عدد كبير منهم بالتحريض الجماهيري الذي قام به الاشتراكيون الديمقراطيون بشكل منتظم لمدة عشر سنوات على الأقل قبل 09 يناير. الدليل على أن الشعارات الأساسية للماركسيين قد تركت بصماتها على وعي الطبقة العاملة يظهر من خلال حقيقة أن عددا من المطالب الاشتراكية الديمقراطية الرئيسية وجدت طريقها إلى عريضة غابون، بدءا من مطلب يوم العمل من ثماني ساعات، إلى مطلب الجمعية التأسيسية.



إضراب عمال بوتيلوف - الصورة من موقع alamy stock photo
لكن وعلى الرغم من أن شعارات الاشتراكية الديمقراطية كانت تجد صدى لها، فإن الحزب نفسه كان ما يزال معزولا تماما وبلا تأثير. ويؤكد مارتوف، في تاريخه للحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية، والذي كُتب بعد بضع سنوات، أنه: «... لم يكن في مقدور الاشتراكية الديمقراطية بفصيليْها إلا أن تشاهد وقوع الأحداث العاصفة في بيترسبورغ، يناير 1905، ليس فقط خارج القيادة المباشرة للاشتراكية الديمقراطية، بل وحتى من دون ولو مشاركة مهمة من طرفها كحركة منظمة»[1]. ويتأكد هذا من الجانب البلشفي من خلال تقارير المؤتمر الثالث التي أكدت أن «أحداث يناير وجدت لجنة بيترسبورغ في حالة سيئة للغاية. وكانت صلاتها مع الجماهير العاملة قد تحطمت تماما بسبب المناشفة. وفقط بصعوبة بالغة تمكنت من الحفاظ على بقائها في المدينة وجزيرة فاسيلي ومنطقة فيبورغ».[2]

وكما هو الحال دائما، كانت كلمة السر عند الحركة الجماهيرية هي "الوحدة". كانت الجماهير ترى في الاشتراكيين الديمقراطيين عناصر غريبة قادمة من الخارج، وليسو جزءا من حركتها. خلال أحد الجموعات العامة انتقد غابون متحدثا اشتراكيا ديمقراطيا قائلا: «لا تقحموا الخلافات بيننا، دعونا نسير نحو هدفنا المقدس تحت راية سلمية واحدة، مشتركة بين الجميع». لقد بدت سلطة غابون بدون منازع، وفي المقابل كان العمال ينظرون إلى الاشتراكيين الديمقراطيين الثوريين بعين الريبة. يعترف تقرير بلاشفة سان بيترسبورغ إلى المؤتمر الثالث، في أبريل، أنهم كانوا يتدخلون ببطء شديد في ما اعتبروه نقابة بوليسية رجعية، وأنهم لم يبدءوا في إعطائها اهتماما جديا إلا عندما بدأ التحضير الفعلي للإضراب. في بعض أنحاء المدينة، ولا سيما منطقة فيبورغ، بدءوا يجدون آذانا صاغية، لكن في أماكن أخرى من المدينة، وجدوا الطريق وعرا. وفي كثير من الأحيان لم يكن يسمح لهم حتى بالكلام.

قال منتدب مدينة بيترسبورغ إلى المؤتمر: «حتى يوم 09 يناير كان موقف العمال تجاه اللجنة [البلشفية] عدائيا للغاية. تعرض محرضونا للضرب وتعرضت منشوراتنا للتمزيق، ولم يقبل عمال بوتيلوف، إلا على مضض، بمبلغ 500 روبل الأولى التي أرسلها لهم الطلاب»[3]. وقد أكد ذلك كاتب منشفي، إذ قال: «في منطقة نارفا، حيث نشأت الحركة، في 08 يناير، رحب العمال بحماس بالمحتوى السياسي لعريضة غابون. وعندما حاول اشتراكي ديمقراطي وحيد إلقاء خطاب سياسي، تصاعد صراخ الاستهجان من حناجر العمال المجتمعين: "أنزلوه!"، "ارموا به خارجا!"»[4].

يتضح الضعف العددي للاشتراكيين الديمقراطيين وعزلتهم في بداية الثورة من خلال كلمات ليفشيتس، الذي عبر عن إحباط مناضلي الحزب في بيترسبورغ بسبب عدم قدرتهم على ممارسة تأثير حاسم قبل 09 يناير: «نحن حزب العمال كنا نعرف جيدا أن المسيرة السلمية المقبلة لن تؤد إلى أي شيء ذي قيمة، وسوف تتسبب للجماهير في مذبحة رهيبة. لكن أين كانت القوة التي يمكن بها الحيلولة دون تلك المذبحة التي يتحمل مسؤوليتها النظام القيصري ورجال الدين؟ مثل هذه القوة لم تكن موجودة»[5]. لكن وفي غضون 24 ساعة تحول الوضع برمته.

هوامش:

[1] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 2, p. 45.
[2] Tretiy s’yezd RSDRP (Protokoly), p. 544.
[3] Ibid., pp. 158 and 44.
[4] J.L.H. Keep, The Rise of the Social Democracy in Russia, p. 157.
[5] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 3, p. 540.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح