الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بلادنا يسرقون أحلام الطفولة والحياة ويشيعون كوابيس المآسي والعزاءات

إيفان تيسير

2006 / 1 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كيف أشرح لأصدقائي هنا؟ كيف اشرح لكم كم أنا وحيد محاصر وقلق على مصيري العراقي؟ كيف أجعلكم تحسوا أنني موجود؟ وأثبت لكم حضوري ومن ثمَّ مطالبي وحاجاتي؟ أنا لست الوحيد الذي يفكر هكذا ويتساءل... فهناك مثلي بضع ملايين أخرى يحيون في وطن الرافدين تحت سماء توشك أن تستبدل زرقتها لتصير سوادا في سواد في سواد!

الشبيبة العراقية اليوم هي مجموعة الشبيبة التي تحيا بين حدود ليس لها بداية لانتمائها إلى تاريخ الأزل الجميل في وطن تراث الحضارة وجذورها؛ ولكن وياللأسف تتغلق الأبواب من خلفنا ومن أمامنا حالما نغادر منازلنا إذ نعيش كابوسا لم أكن لأتصوره يوما ولم أتصور أن الخروج منه سيكون بهذه الصعوبة...

عندما راودني هذا الكابوس وطغى على يقظتي ومنامي، تصورت أنه سيكون كثير من حولي جاهزين لفعل كل شئ لإيقاظي وتخليصي من كابوسي ذاك! ولكن للأسف فالناس هم أنفسهم الذين من حولي كانوا يرعبوني ويسدوا عليَّ بقية أنفاسي...

لن أطيل المقدمة فالموضوع واضح كالشمس التي تصارع الغيوم الملبدة السود لتشرق وتنير للناس دروبهم وتكشف الحقيقة.. أتحدث لكم هذه المرة، وهي بالتأكيد ليست أول مرة، عن الشوائب والكوابيس التي ترعب الحالمين في بلاد لم ولا تستحق ما يحصل فيها! أتحدث عن الخراب الذي تجمع في حدائق كانت خضراء مليئة بالزهور والورد والرياحين!!

كنا أنا وأخي جالسين نشاهد بعض برامج التلفاز عندما مرت صور لبعض الأبنية في العراق العاصمة.. قال أخي: كأن ما أراه بيوتا طينية بلا ألوان ولا أي شئ من تطورات زمننا! فنظرت إلى الصور وقلت في نفسي: ليُبنى البلد أولا وستأتي الألوان لاحقا بلا شك.

وكان حوارنا بعدها عن السباب وهل سنركز على ما يجري في بيوت "المرشدين" أم علينا أن نبني ما تحطم؟ وبعضهم يتصور أن البناء بسيط كما الهدم وبعضهم الآخر يحاول تجنب رؤية الحرائق والجثث وأخبار الاختطافات والاغتصابات والأطفال الذين انتصبوا أمام بيوت مدمرة وما عادت لهم عنها صور حتى في أحلامهم..

ها هم الأطفال بُناة مستقبل البلاد إن كان لهذا البلد مستقبل في مثل من يقودونه إلى جحيم الخراب! باسم الدين وباسم إرادة الله ووكلائه في بلاد الرافدين!؟

أجيال أتت قبلنا ومهدت لجيلنا الذي عليه أن يمهد الطريق للجيل اللاحق والجميع عليه أن يبني ويواصل البناء.. فهل كان تصور الأوائل مصيبا ومهدوا لنا بالصائب القويم ونحن الذين فشلنا أم أخطأ الجيل الطريق؟

أعَلـَى هذا الجيل أن يبني بيوتا ملونة في ظل كل تلك المعاناة والآلام؟ وهل سيكون بإمكاننا أن نقضي نحن آخر أيامنا فيها؟ لكي يكون لنا إجابة يجب أن نفكر في الجيل الموجود وبأطفال هناك يحلمون ولو للحظات ولنستمع لصراخهم وأنين أوجاعهم.. وإني لأعتقد أن علينا فعل أبعد ما يمكن لنمنع الأوغاد من تدمير مستقبل حياتنا ومخلِّدي أرواحنا بُناة الغد...

وأنا أشير هنا إلى بعض ممن يظن أن هذه العمليات الدموية التي تُنفَّذ في العراق وتلك "المقاوماتّ الحمقاء التي تؤدي إلى هدر دماء أبرياء على ضفاف دجلة والفرات هي وسيلة لاستعادة حرية مسروقة.. سؤال بسيط يطرحه أي رجل أو امرأة وقبلهما طفل كان أبوه ضحية لهذه الجرائم: أين كان هؤلاء أدعياء البطولة مصارعي الطواحين في الخمسة وثلاثين سنة الماضية؟ أم أنا نخطئ إن تساءلت!

وهل تعتقدون أنتم أيها القراء أن قتل الأبرياء وتدمير سقوف بيوت الأطفال أمرا شجاعا بطوليا ومقاومة من أجل الحرية وتوطئة للبناء؟ وهل علينا أن نقتل ثلاثة أجيال حتى نعرف أن الطريقة البشعة التي تُستعمل ليست صحيحة؟!!

لا، لا أظن أن القتل والاختطاف والاغتصاب هي طريقنا للخلاص والحرية وليس لعاقل أن ينافق بتلك "التضحية" الكاذبة المُدّعاة؟ وربما إن تمالكنا أنفسنا وجلسنا وفكرنا بطرق أفضل وأنجح وأكثر صوابا ومعقولية فسنوفَّق في إنجاز مهمة أُلقيَت على أكتافنا مذ وُلِدنا.. ربما إن هدأنا وفكرنا واعتزلنا الركض خلف من يدعي و "ينير" عفوا يعتم بل يثير الظلمة في الدروب ربما سيكون لنا مجال أوسع للبحث في مساراتنا القادمة...

ربما لو تركنا الصراع بين بعضنا البعض سيكون بإمكاننا أن نرى كم بيتا علينا أن نبني قبل طلوع الشمس.......

أعتقد أني قلت ما فيه الكفاية هذه المرة.. وأعتقد أني لست الوحيد الذي ينادي بما كتبت في الساعات الأخيرة.. ففي بغداد يصرخ اليوم أطفال العراق كما صراخهم البارحة وكما سيفعلون دوما من أجل وقف الماساة..

يكفينا كذبا على أنفسنا ودعونا نبدأ العمل.. انزع سترتك المفخخة يا أحمق واذهب لتؤمِّن الحليب لابنك الجائع في حضن أمه الحنون فأعياد الميلاد قد مضت حزينة ولكن سنة جديدة على الأبواب تنتظر الجمال والبناء لا القبح والخراب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن