الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطلس ذاكرتنا الشعبية

ياسر العدل

2006 / 1 / 4
الصحافة والاعلام


فى إطار احتفالنا، بعيد النصر فى الثالث والعشرين من ديسمبر من كل عام، ذكرى انسحاب قوات الغزو الإنجليزية والفرنسية التى استمرت تهاجم مدينة بورسعيد لمدة 48 يوم فى حرب 56، عقد فى الأسبوع الماضى وعلى مدى ثلاثة أيام المؤتمر العشرون لأدباء مصر على أرض بورسعيد، اجتمع حوالى ثلاثمائة مصرى يناقشون قضايا الأدب والثقافة وكان من أهم توصيات المؤتمر ضرورة الحفاظ على تراثنا الشعبى باعتباره جزءا أصيلا من ذاكرة الناس على أرض مصر.
نحن المصريين نملك مبررات قوية للانتماء لوطننا مصر، فى الماضى عشنا فى كنف حضارة فرعونية صنعها أجدادنا واستمرت عظيمة آلاف السنين، ونعيش الآن فى مزيج حضارى من عطاءات ديانات سماوية تسكن أرضنا منذ مئات السنين، وطوال تلك الحقب عايشنا تلك الحضارات واختلطنا بغيرنا من الشعوب، فترسبت فى وجداننا الشعبى وذاكرتنا القومية عادات وتقاليد نواجه بها مختلف المناسبات الاجتماعية، يجمعها موروث واحد هو الفلكلور الشعبى المصرى، ولتزكية انتمائنا القومى وإثراء تفاعلنا الحضارى، نحن بحاجة للحفاظ على ذاكرتنا الشعبية.
وأمر تقوية ذاكرتنا الشعبية، يتطلب إنشاء منظومة علمية ذات خطوات وتقنيات منهجية تهدف إلى جمع وتدوين وعرض تراثنا الفلكلورى، فى الخطوات الأولى نجمع البيانات عن عاداتنا ووقائع سلوكنا الشعبى فى المناسبات المختلفة، وفى الخطوة التالية نضع أطلسا علميا يمثل إطارا منضبطا لتجميع وتوثيق وحماية بيانات مأثوراتنا الشعبية، وبعد جمع البيانات تأتى الخطوة التالية فى التفسير العلمى للبيانات وتحويلها إلى معلومات تشرح شخصيتنا المصرية، والتفعيل الإعلامى والثقافى للفلكلور المصرى يرفع وعينا الايجابى بانتمائنا الوطنى ويدفع لدينا إرادة التغيير نحو الأفضل فى حياتنا.
إن علم الفلكلور علم حديث نسبيا، بدأت دراساته فى أوربا فى أواسط القرن التاسع عشر، وفى عشرينات القرن العشرين، بدأت فى ألمانيا محاولات إنشاء أطلس للفلكلور الألمانى، وعلى الأثر فى الثلاثينات بدأ الباحث الألمانى (هانز فنكلر) بعمل مؤلف ضخم عن الفلكلور المصرى باللغة الألمانية، اعتبره الباحثون تمهيدا لإنشاء أطلس للفلكلور المصرى، وفى مصر استمر خيط من التراخى وضعف الإمكانيات حتى دخلت أعوام التسعينات، فتولت وزارة الثقافة تنفيذ محاولة جادة، من حيث النظرية والتطبيق الميدانى، نحو إنشاء الأطلس المصرى.
المشكلة فى إعداد الأطلس المصرى، أن إدارته وإمكانياته تتبع الهيئة العامة لقصور الثقافة، التابعة لوزارة الثقافة، وبالتالى فإدارة الأطلس تحكمها قوانين الإدارة الحكومية فى التمويل والتعيين والترقيات، صحيح أن هناك لجان علمية متخصصة تشرف على العمل، لكن بيروقراطية العمل الإدارى تبطئ من إنجاز الأطلس، وتجعله يتعثر منذ بداية السبعينات، حين تولى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية مهمة إعداد الأطلس، وظل التعثر قائما على مدى ثلاثين سنة، فلم ينته إعداد الأطلس حتى الآن.
وهنا نقترح بعض الأطر العلمية والعملية اللازمة لإنجاز أطلس الفلكلور المصرى، نراها فيما يلى:
أولا: أن يدعم الأطلس بالعنصر البشرى الأكاديمى، من حيث المخصصات المالية والإدارية، ولا يكتفى فى الجانب العلمى، بالاستعانة بلجان علمية تحكمها قوانين الإدارة الحكومية، وتدريب بعض العاملين فى دورات وظيفية يأكلها التراخى والكسل الإدارى، بل لابد أن يدعم الأطلس بكوادر تتبع جهة أكاديمية مثل الجامعة أو مراكز البحوث المتخصصة، ونحن لدينا كثير من الأقسام العلمية فى جامعاتنا تدرس الفلكلور، ولدينا علماء يمكن توظيف إمكانياتهم البحثية، ولدينا طلاب صالحون لتكوين أجيال تالية من المتخصصين.
ثانيا: أن تقوم الدولة بجهد إعلامى يسعى لتشجيع الأفراد والمؤسسات على التبرع للأطلس، يمدونه بالبيانات الأولية وبالتجهيزات المادية اللازمة، على أن يكون التشجيع متمثلا فى إعفاءات ضريبية، وبدائل مادية وأدبية ترفع من شأن التبرع للمشاريع القومية.
ثالثا: أن يتم التعامل مع هيئة الأطلس باعتبارها نواة لجهة علمية متخصصة، تقوم على دراسة الفلكلور المصرى، وتمد نطاقها العلمى نحو الدراسات المتصلة، وتدعم نشاطها بالبعثات الخارجية، والزيارات العلمية للباحثين فى مجال الفلكلور.
إن دراسة الفلكلور المصرى، تدوينا ودراسة وإعلاما، مهمة قومية، تلزم كل الغيورين على مستقبل الانتماء والتقدم لهذا الوطن أن يشاركوا فيها، قاصدين التمسك بمبررات حية لاستمرارنا على الأرض فى حالة من التمايز والمغايرة، حالة موضوعية تبعث على التعاون الايجابى مع الآخرين، دون خوف من انكفاء على الذات أو انفتاح على العولمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية