الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيمس جويس تحت المجهر..حين تكون الذاتُ خاويةً تُنْتِج أدباً ذاوياً

شكيب كاظم

2016 / 11 / 30
الادب والفن


يوم أبدى المثقف العراقي المهم، والناقد الدكتور عبد الله إبراهيم، رأيه السلبي بروايات الأديب الروسي الشهير ثيودور ديستويفسكي (1821-1881). قامت قيامة المثقفين ضده، إذ كيف يجوز لناقد عراقي، أن يبدي رأياً سلبياً برواياته، هم الشغوفون والمهووسون بكل قادم من خارج الحدود، والمطبلون له حقاً وباطلاً؟ مجسدين أبشع تجسيد ضعفنا أمام الآخر، أي آخر، ولقد ساورني هذا الشعور، إزاء رواية (يوليسيس) للأديب الأيرلندي جيمس جويس (1882-1941) وكتبته ونشرته، ولقد عادت إليَّ هذه المسألة، وأنا اقرأ مقالاً مهماً كتبه الناقد والباحث المصري المهم- كذلك- دكتور لويس عوض(1915-1990) عن صديقه الأديب الفرنسي ميشيل بيتور(1926).


الذي يعد أحد أركان الرواية الحديثة إلى جانب اناتالي ساروت (1900-1999) وكلود سيمون (2005/7/6 - 1913/10/10) وألان روب غرييه (2005/2/18 - 1922/8/18)، مقال دكتور لويس عوض كتبه لمناسبة زيارة صديقه بيتور لمصر ، هو الذي أمضى أكثر من سنة (1951) لتدريس اللغة الفرنسية في مدارس مصر في خطوة اجترحها وزير المعارف المصري الدكتور طه حسين (1889-1973) لتدريس اللغة الفرنسية إلى جانب الإنكليزية، وكانت مصر منتصف الستينات قد استقبلت العديد من رموز الثقافة في العالم: جان بول سارتر (1905-1980)وصاحبته سيمون دي بوفوار (1908-1986)، ورئيس تحرير المجلة ذائعة الصيت (الأزمنة الحديثة) كلود لانزمان فضلا عن وزير الدولة للشؤون الثقافية أندريه مالرو(3/11/1901-23/11/1976)، والشاعر السوفياتي الاشكالي، الذي حاول الخروج من الشرنقة العقائدية الجدانوفية (يفجيني إيفتو شنكو)، كذلك ميشيل بيتور، الذي خصه دكتور لويس عوض بمقال ثقافي جميل عنوانه (رحله في الماضي والحاضر . ميشيل بيتور) ضمه كتابه (دراسات اوروبية) الذي نشرته دار الهلال في شهر ذي القعدة/ 1390- يناير/ كانون الثاني /1971 في ضمن سلسلة (كتاب الهلال) الشهري ويحمل الرقم 240، والمؤسف في هذه المقالات الرائعة أن لويس عوض لم يوثق مكان النشر وتأريخه.
أقول : عادت إلى ذهني هذه المسألة، مسألة الغموض المبالغ فيه، والطلاسم والمعميات، التي انهال بها علينا جيمس جويس، ونظل نقبل سخفه وبلادته لأنها صادرة عن أجنبي، فهذا ميشيل بيتور، يقف عند هذه النقطة ملياً غير خائف ولا وجل، كما نخاف نحن من أن نتهم بعدم الفهم، نظل نسير على ضوء ثقافة الإمبراطور، التي فهمها طفل ذكي نطق بالحقيقة الناصعة إن الإمبراطور عار من الملابس.
ميشيل بيتور، ما ذكر (يوليسيس) بل تحدث عن رواية أخرى لجويس عنوانها (يقظة فينيكان ) ( Finnegans wake) قائلاً لصديقه عوض، إنه كان يقضي لياليه وأيامه في (المنيا) لحل طلاسم رواية جيمس جويس الشامخة (فينيكانز ويك) حيث لا يوجد سطران لهما معنىً مفهوم أو نحو مفهوم أو صرف مفهوم، (ومع ذلك فكل شيء في هذه الملحمة المغمغمة المهمهمة المتمتمة بسجع الكهان أو ما يشبه له مغزى مستور مفهوم) كان بيتور خليقاً بأن يعد لنفسة شيئا عظيما، ولقد ذكر لي أن زملاءه المصريين من مدرسي اللغة الانكليزية في مدرسة (المنيا) الثانوية كانوا كلما القوا نظرةً على قراءاته الغريبة في أحاجي جيمس جويس يَظنون بعقله الظنون .
حذلقة وخواء فكري
ويوم قرأت كتاب (جيمس جويس .مدخل تحليلي مقارن إلى عوالمه) لريتشارد إيلمان وترجمه الشاعر والمثقف الأنيق علي الحلي، وعلي الحلي من الذين يحسنون إختيار ما يترجمون، فما رأيته ترجم عملاً إلا وكان رائعاً، وفي الذاكرة ترجمته لسيرة الروائي الأمريكي أرسكين كالدويل (سمها تجربة)، فإن المقدمة التي كتبها الحلي، توقف القارئ عند عينات ومثابات من كتابات جويس، ما يؤكد ما ذهبنا إليه من هذا التحذلق الشائك الناتج عن خواء فكري وروحي، فمن خلال مزاملتي للعديد من الكتاب، وجدت أن أكثرهم تعمية وحذلقة ، هم الأكثر فراغاً وخواء، يغطون على فقرهم الثقافي وخوائهم المعرفي، إن كانت للفقر ثقافة وللخواء معرفة، يقول علي الحلي : "وإذا كان هناك شبه إجماع من المثقفين والنقاد والشعراء في الغرب، بأن شعر كل من الشاعر الفرنسي مالارميه(18/3/1842-9/9/1898)، والشاعر الأمريكي والاس ستيفنز من الصعوبة فهمه، لما فيه من التعقيد والإبهام والغموض والتعمية والتعبيرات المجازية، والذي يصفه مالارميه "بالسراب الداخلي للإيقاع، المعاني التي ينعكس السراب من سطح كلماتها (....) فإن أعمال جويس النثرية والشعرية بشكل عام تدخل ضمن الفهم الأكثر تعقيداً وإشكالاً (...) ومن العسير حقاً على المثقف الغربي، ومن وجهة نظر إجمالية، أن يفهم جيمس جويس وعوالمه الغريبة (....) وتعدد مرادفات الكلمة الواحدة، ومع ما تحمله في سياقاتها من نقائض (....) بحيث يمكن إستنباط أكثر من معنى واحد، لا يمكن استخلاصه إلا من خلال استحلابه من سياق عمل آخر من أعماله، ولا يؤدي المعنى الظاهري إلى المعنى الجوهري في حالة انتزاع إيقاعه الموسيقي الأصلي، ص6 ، ص7 من الكتاب آنف الذكر.
إذا سلمنا جدلاً بهذا الذي يورده الاستاذ الحلي، من التعقيد والإشكال والنقائض الذي يورده جويس في نصوصه الروائية، والتي يصعب فهمها على المثقف الغربي، فما الداعي لتصديع رؤوسنا بهذا اللغو والعقد والنقائض، فلنا من حياتنا ما يكفينا مع يقيني الواثق، أنها معميات وطلاسم للتغطية على الفقر الثقافي، وعودة إلى قول الشاعر الفرنسي ملارميه، فلقد قلت أكثر من مرة إن مقولة الايقاع الداخلي ما هي إلا اكذوبة وفرية، فتأتي مقولة ملارميه مصداقاً وتصديقاً لقولتنا واصفاً إياها بالسراب، السراب الداخلي للإيقاع، المعاني التي ينعكس السراب من سطح كلماتها.
ويواصل الاستاذ علي الحلي شرحه لعوالم جويس، متهماً القارئ العربي، بافتعال فهم جويس.
وإذا كان القارئ الغربي يعسر عليه فهم لغة جويس وعوالمه الغريبة، كما يقول الحلي، فأن الأمر يكون أشد وأعسر على القارئ العربي، لذا فأن الحلي، يصف فهم القارئ العربي له بأنه ادعاء وافتعال، فكيف لهذا القارئ المتخلف، أن يفهم العظيم جويس!، فأنى له هذا، والحلي هنا يساير نظرية الضعف أمام الأخر، وقبول كل ما يصدر عنه وإذا كنتم واثقين من عدم فهمنا ما قال جويس فلماذا تصدعون رؤوسنا بترجمة ما قال؟!
الحلي يقول: " إن ادعاء القارئ العربي بفهم أعمال جويس، ويوليسيس بشكل خاص، وبصورة مستقلة عن أعماله الأخرى، ولو عن طريق لغة جويس الإنكليزية، إنما يعبر عن الكثير من افتعال الفهم وسورة التباهي.
أما ادعاء الفهم الناضج، أو الاستيعاب الكلي من خلال ترجمة جويس إلى العربية، ووفق هذا المنظور، فأنه يمثل الافتعال الأكبر والانتهاك الأكثر لقاموس الفهم وفلسفة الوعي الحقيقي.
لذلك ظل جويس مستعصياً على الفهم، بعيداً عن الامتصاص الفعلي، لما يكتنزه من ضروب المعرفة، وسعة الافق، وثراء اللغة، وان هناك قلة قليلة من المثقفين الموسوعيين وفطاحل النقد، التي احاطت بعوالمه وسبرت اغوارها، واقتنصت شذراتها المشبعة بالخصب والانبهار.
يا لله، ويا لهذه المدعيات ويا لهذا الضعف أمام الآخر، الغربي تحديداً، والحط من الشأن، شأننا، إنه يصف من يقرأ جويس بلغته ويفهمها ادعاء وتباهياً، أما ادعاء فهم المترجم إلى لغتنا من لغة جويس، فهو الافتعال الأكبر، ترى من هو هذا الجويس، كي لا نفهمه لو كان حقاً مما يُفْهَم وأنا هنا أقلب السؤال الذي وجّه لأبي تمام: لماذا لا تقول ما يفهم؟ فأجاب أبو تمام السائل وانت لماذا لا تفهم ما يقال! لأنني أرى أن جويس لا يفهم ما يقول وما يكتب، لهذا السبب فهو غير قادر على إفهام غيره، وهذا هو كبد الحقيقة، الذي ينفيه علي الحلي، والذي بعد أن اكد عدم فهم القارئ الغربي لروايات جويس، ومن باب أولى ما يستتبع ذلك من عدم فهم العربي له – كذلك – فانه يعود لذاته ليؤكد أنه لا يدعي فهم جويس أو استيعابه أو الإحاطه بعوالمه، لكنه يحاول محاولة جادة ومتواضعة لفهم طبيعة عوالم جيمس جويس أولاً ومدخل موجز لتقريب هذا الفهم إلى ذهنه قبل كل شيء. وهو يرى مخلصاً أن عدم الفهم لا يشكل عيباً للمثقف العربي عموما، وأخيرا يطلق قنبلته الدخانية المتصاعدة قائلاً: إن جيمس جويس يبقى طرازاً متفرداً، واستثناءً من كل العمالقة الذين سبقوه أو عاصروه!، ولست أدري أي طراز متفرد هذا الجويس العصير، الذي أطال الحديث في روايته (يوليسيس) عن حركة امعائه متغوطاً والروائح الكريهة المتصاعدة من غائطه، ما دفع إزرا باوند إلى حذف هذا النص المبتذل، لكن العصير الجويسي، اصر على عدم حذفه!، فكيف يحرم القراء من متابعة حركة امعائه وتغوطه وشم غازات بطنه الكريهة!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل