الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأسيس للنزعة المغاربية بين عابد الجابري وعلي الحمامي الجزائري

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 12 / 3
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


التأسيس للنزعة المغاربية
بين
عابد الجابري وعلي الحمامي الجزائري

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-


لعل يتساءل القاريء، ويستغرب ربطنا بين المغربي محمد عابد الجابري والجزائري علي الحمامي أبن تيهرت الذي لقي حتفه في حادث طائرة في1949، والذي شارك في مقاومة الريف إلى جانب عبدالكريم الخطابي في المغرب الذي أسس أول دولة بنظام جمهوري في تاريخ منطقتنا الحديث والمعاصر، وكانت مجسدة في "جمهورية الريف" في عشرينيات القرن 20، وقد أرسل نداء إلى كل المغاربيين آنذاك يطالبهم بإشعال ثورة شاملة ضد الإستعمار، لكن باءت محاولاته بالفشل، وقد لقيت مقاومة الخطابي دعما كبيرا من شيوعيي العالم آنذاك تنفيذا لنداء لنين لشعوب الشرق في 1919 للتخلص من الإستعمار، وعلى هذا الأساس قدموا دعما لنضالات الأمير خالد ضد الإستعمار الفرنسي في جزائر عشرينيات القرن20.
شارك علي الحمامي وكتب عن كل هذه التجارب النضالية من أجل تحرير وإقامة دولة مغاربية واحدة على أساس ما يسميه ب"القومية المغاربية" التي أسس لها من خلال عدة كتابات، لكن تعرضت كل كتاباته للتهميش في جزائر الإستقلال تحت ضغط التيارات الأيديولوجية العروبية والإسلاموية، وذلك بسبب نزعته المغاربية المتجلية في العديد من مقالاته، خاصة كتابه "أدريس" الذي كتبه في1948، وأتى على شكل رواية يسرد من خلالها بواسطة الطفل إدريس الكثير من أفكاره، ومنها بالأخص تتبعه التكوين التاريخي لما يسميها ب"القومية المغاربية" إنطلاقا من جذورها التاريخية الأمازيغية، كما يظهر في هذا الكتاب أنه متأثر كثيرا بأفكار التنويري المصري طه حسين الذي تعرض لتشويهات بعض التيارات الدينية التي تشوه كل من تراه يحمل أفكارا تخرج المسلمين من تخلفهم وإنحطاطهم وإنغلاقهم وعصبياتهم، وتدخلهم العالم المعاصر، فهم مهمومون بذلك دون أي إنتاج فكري بناء وإيجابي، فمثلا أنور الجندي لم ينتج إلا كتبا تشوه هؤلاء التنويريين، ومنهم طه حسين، وكانت مرجعا رئيسيا لهذه التيارات الدينية في سبعينيات وثمانينيات القرن 20.
أما الجابري فغزير الإنتاج الأكاديمي على عكس الحمامي، ويصنف نفسه ضمن التيار الأيديولوجي العروبي، وتتركز أعماله على إشكالية تحقيق مايسميها ب"الأمة العربية" نهظتها معتمدا على "نقد العقل العربي".
فركز الجابري على مايعتبره مشروعا لنقد العقل العربي لتجاوز آليات تفكير العرب السائدة منذ العصور الإسلامية الأولى، والتي لازالت قائمة إلى حد اليوم-في نظره-، مما يتطلب قطيعة إبستمولوجية مع آليات هذا التفكير، وإستبدالها بآليات جديدة تسمح للعرب بدخول الحداثة، ويضم المشروع أربع أجزاء، وهي "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" و"العقل السياسي العربي" و"العقل الأخلاقي العربي".
فخصص الجزئين الأول والثاني لنقد آليات إنتاج العقل العربي للمعرفة والأفكار والثقافة بهدف تجاوزها وإحداث قطيعة إبستمولوجية معها، ويدخل الجزئين الثالث والرابع في إطار ما أسماه ب"العقل العملي للعربي"، أي كيف يتصرف سياسيا وأخلاقيا.
يبحث في الجزئين الأولين في بنيات العقل العربي، فبعد مايصنف إنتاج العقل العربي الذي تأسس في عصر التدوين إلى ثلاث حقول، وهي البياني كالفقه واللغة وعلم الكلام، أما الحقل العرفاني فيخص كل ما له علاقة بالتصوف والعلوم الباطنية المنتشرة لدى الشيعة، أما البرهاني، فيتعلق بالعلوم وبشكل أخص الفلسفة، التي يعتبرها منتوجا يونانيا.
وحلل هذه الحقول الثلاث لإستخراج بنياتها الثابتة، وتوصل في الأخير إلى أن آليات تفكير العربي منذ عصر التدوين إلى حد اليوم هي ثلاث، وتتمثل في القياس أي قياس الغائب على الشاهد خاصة في الفقه واللغة وعلم الكلام، أما البنية الثانية فهي الإنفصال، أي عدم الربط بين الظواهر والقضايا، ويفسر ذلك بالطبيعة البدوية والصحراوية أين يلاحظ التباعد في المساكن وعدم تماسك الرمال، وانجر عن ذلك البنية الثالثة، وهي التجويز، ومعناها عدم تفسير الظواهر الطبيعية والإجتماعية بالسنن والأسباب، والقول أنها عادة، وليست قوانين ثابتة، ويستندون في ذلك -حسبه- بالقول أنه لو قلنا بذلك، فمعناه أننا ننكر النبوة التي تبنى على الخوارق والمعجزات، ويعتبر ذلك سببا في ضعف العلوم الطبيعية والكونية لدى العرب.
ويقول أن هذه البنيات هي السائدة منذ عصر التدوين إلى حد اليوم، لكنه يستثني الأندلس وبلاد المغرب، أين برزت محاولات للقطيعة الإبستمولوجية مع هذه البنيات في القرن13م، وبلغت أوجها بظهور الشاطبي صاحب الموافقات في الفقه، وقوله بمقاصد الشريعة بدل القياس الذي وضعه الشافعي في المشرق، وقد سبقه ابن حزم مؤسس المذهب الظاهري الذي يعتمد في مجال الفقه على نص القرآن والسنة فقط، وكل ما لا يرد فيه نص قطعي فهو مباح، وهذا المذهب كان جدير بإخراج المسلم من القوقعة التي وضعها فيه المشرقي أبي حامد الغزالي، ولو كتب له الإنتشار لأعطي للمسلم حرية وتفتح ومرونة أكبر، وحاول أبن خلدون وضع قطيعة مع بنية التجويز بتفسيره حركة التاريخ والمجتمع بقوانين وسنن ثابتة أطلق عليها طابع العمران، وبلغت هذه المحاولات أوجها مع ابن رشد في علم الكلام والفلسفة، وسعيه للتأسيس للعقلانية.
وتوصل الجابري إلى نتيجة تقول بضرورة العمل من أجل إحداث قطيعة إبستمولوجية مع آليات تفكير العقل العربي وبنياته الثلاث، وذلك بمعاودة ربط هذا العقل من جديد بالمفكرين المغاربيين الذين شرعوا في هذه القطيعة ومواصلة أعمال أبن رشد وابن حزم والشاطبي وابن خلدون وابن باجة وابن طفيل، فهنا يختلف الجابري الذي يعود إلى هذا التراث للإنطلاق منه لدخول الحداثة على عكس آخرين الذي دعوا إلى القطيعة التامة مع كل هذا التراث لأنه منتوج لا علاقة له بعصرنا لأنه نتاج العصر والبيئة التي أنتج فيه، ولايميزون بين جانبه العقلاني المتنور وجانبه الظلامي والإنحطاطي الغالب اليوم على ثقافتنا، وكان وراء إنتاج هذا الخطاب الديني المتخلف المنتج للكراهية والإرهاب.
أن ما توصل إليه الجابري في بحثه بضرورة إعادة التواصل مع هؤلاء المفكرين المغاربيين من أجل إحداث قطيعة إبستمولوجية ودخول الحداثة، قد سبق، وأن دعا إليها علي الحمامي دون أن يؤصلها أكاديميا، فمافتيء يدعو إلى إستلهام ابن رشد وابن خلدون وابن تومرت بهدف تأسيس ما يسميه ب"مذهبية قومية مغاربية"، وأعتبر ابن خلدون مؤسس هذه القومية على الصعيد النظري وابن تومرت مجسدها عمليا وسياسيا من خلال دولة الموحدين التي حققت حلم جده ماسنيسا الذي عمل من أجل دولة مغاربية واحدة-حسب الحمامي-.
لكن يختلف الحمامي عن الجابري في هذه الدعوة، فالأول همه مايسميها ب"الأمة المغاربية"، ودعا صراحة مثل بن تومرت في الماضي إلى قطيعة فكرية مع المشرق لأنه يصدر لنا لاعقلانيته عبر التاريخ- حسبه-، ومنها الوهابية التي تنبه إلى كارثيتها علينا في1949، فدعا إلى بناء حركة إصلاحية دينية عقلانية ومتفتحة.
أما الجابري فيدعو مايسميها ب"الأمة العربية" إلى إستلهام هؤلاء المفكرين المغاربيين، لكن قوبلت دعوته بالتهجم عليه، وإتهامه بالعصبية المغاربية والعنصرية رغم إصراره على إثبات ولاءه للأيديولوجية العروبية، وقد سبق أن أتهم المشرق من قبله المغاربي أبن خلدون بالشعوبية.
ولم يفسر لنا الجابري أسباب تعطل هذه القطيعة الإبستمولوجية وإنتقال عقلانية ابن رشد إلى أوروبا، لتأخذها بقوة، وتبني نهظتها على أساسها.
لكن يعترف الجابري بأن أفكارا مشرقية لاعقلانية يسميها ب"العرفانية" قد غزت البلاد المغاربية وهمشت هذه الأفكار العقلانية، وعطلت حركية مجتمعاتنا المغاربية، لكن لم يفسر سبب إنتشار هذه الأفكار المشرقية اللاعقلانية على حساب أبن رشد وأبن خلدون والشاطبي وبن حزم، فهل يعود إلى تبجيل المغاربيين لكل ما هو مشرقي وإحتقار ذاتهم، وكل ماهو مغاربي؟ فإن كان كذلك، فهل يعود ذلك إلى الإنبهار بالمشرق بحكم أنه مهبط الرسالة الإسلامية؟، أنها أسئلة تحتاج إلى إجابات لمعرفة أسباب تعطيل إنتشار هذه العقلانية المغاربية التي كشف عن معالمها الجابري بشكل أكاديمي، وأشار إليها من قبل علي الحمامي، والتي كانت كفيلة بإخراجنا من الإنحطاط والإنسداد الذي أصاب حضارتنا الإسلامية، وهل لولا هذا الغزو الفكري المشرقي آنذاك، والذي يشبه نفس الغزو الوهابي اليوم لكنا اليوم في نفس المستوى الحضاري الذي وصلت إليها أوروبا بعد ما أخذت منا عقلانية ابن رشد؟، فلولا ذلك ألا يمكن أن نكون ضمن دول متوسطية مسلمة ومتقدمة تواصل في إعطاء الصورة المشرقة للإسلام وحضارته بدل تصديرنا وإنتاجنا للإرهاب الذي يعطي صورة مشوهة عن الإسلام، مما يتطلب من كل مسلم العمل من أجل تحرير الإسلام من هؤلاء الذين أختطفوه، ويستغلونه لأهداف سياسوية وسلطوية، فخلقوا بذلك بيئة لإنتاج الكراهية والإرهاب يستغلها أعداءنا أحسن إستغلال لخدمة أهدافهم الإستراتيجية في منطقتنا.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانسان
سالمي ( 2016 / 12 / 3 - 19:56 )
الم يحن الوقت بعد ان نخرج من هذه النزعات العرقية الشوفينية الى فضاء الانسان الانسان فقط فكل البشر هم اخوان

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر