الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأُمّة العراقية والمجتمع المدني - التجاذب المصطلحي

حسين درويش العادلي

2003 / 2 / 10
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الحلقة الثانية

 

   كثُر تناول اصطلاح (( المجتمع المدني )) منذ سبعينات القرن المنصرم ، وشهدت وما زالت الساحة العربية والعراقية تجاذباً مدرسياً حول طبيعة هذا الإصطلاح وأُسسه الفلسفية والسياسية ، لذا طرحوا بديلاً له تحت عنوان (( المجتمع الأهلي )) .
   ولسنا هنا في معرض التّدليل على أهمية المصطلح في البناء المدرسي لأية أمّة ، فهذا ما نؤكد عليه ونُطالب به انسجاماً مع مقومات الأصالة والخصوصية الذاتية لكل أمة ،.. ولكن يجب أن لا يكون ذلك مُبرراً للإنغلاق بحجة الأصالة أو للإنعزال بعنوان الخصوصية أو للتضحية بمضامين المصطلح وما يستهدفه من بناءات وتجارب على الأرض بحجة التماسك المدرسي ، ونعتقد أنَّ الفيصل في الحُكم على أي مصطلح هو طبيعة الثقل المضموني والمفهومي المراد توظيفه على أرض تجربتنا ، وأن لا نحكم على المصطلح انطلاقاً من خلفياته الفلسفية أو التأريخية فحسب ، بل يجب أن نلحظ حركيته وتجلياته المعاصرة فيما تُنتجه من مفاهيم ورؤى ،فإنَّ للمصطلح حركية دائمة تتعدد مضامينها بتعدد القراءات والأفكار والتجارب التي يخوضها تأريخياً وفي كل دورة حضارة .. ليستقر عند مفهومٍ محدد قد يُخالف كلياً أو جزئياً نشأته التكوينية التأريخية ، وهذا ما نراه منطبقاً بدرجة كبيرة على اصطلاح (( المجتمع المدني )) ، لذا على الباحثين والبُنيويين ملاحظة ذلك وعدم الوقوع في شَرَك الجمود إنطلاقاً من دواعي الأصالة ،.. وعموماً فالمدلول البنيوي لكِلا الإصطلاحين يُنتجان مفهوماً دلالياً واحداً سواء مدنياً كان أم أهلياً .

الجذر التأريخي للمصطلح

   نشأ مصطلح (( المجتمع المدني )) في أوج أزمة العصور الوسطى إبان القرن السابع والثامن عشر الميلادي ، فكان عنواناً لقطيعة واضحة مع خصائص النظام الأوربي القديم ، ولافتة جديدة تُعبّر عن قوى فكرية ومجتمعية صاعدة وأُخرى مُندحرة ،.. من هنا جاء هذا المصطلح مُثقلاً بأزمة الصراع بين بين مراكز القوى الإجتماعية والسياسية والدينية .
   من جهة أخرى ، صاحب تشكّل ونمو الدولة القومية في القرن السابع عشر ، تضخّماً واسعاً لقدراتها وسلطاتها على حساب مراكز نفوذ الفكر والمال وسلطة الكنيسة والملوك والنبلاء ،.. ومثلما كان للدولة القومية الدور الأساس في توحيد القوميات المتباينة ، فأيضاً كان لها الدور الأساس في خلق ثقافة المركزية السلطوية التي تستجمع كافة نقاط القوة في الدولة والمجتمع بيدها لتحتكرها دون أية مشاركة شعبية .
   لقد أحدثت هذا النقلة النوعية في مراكز السلطة إلى خلق الإختلال البنيوي في العلاقة بين الدولة والمجتمع ، إذ تضخّمت الدولة في سلطاتها على حساب المجتمع كسلطة ودور وفاعلية ، وهذا ما أفرز صراعاً جديداً كان المجتمع المدني أحد أهم إفرازاته .
   من هنا نكتشف أنَّ استقرار مفهوم المجتمع المدني كان مصاحباً بدرجة كبيرة لتطور الفكر السياسي وبالذات الفكر السياسي الليبرالي الذي تبلور مع نهايات النظام الأوربي القديم القائم على الحُكم المطلق البابوي والملكي المستند إلى الحق الإلهي في الحكم .
   لقد وضعت الثورة الإنكليزية 1689-1714م الحجر الأساس للعصر الجديد القائم على السيادة القومية وحقوق الإنسان ..الخ ، وجذّرتها الثورة الفرنسية 1789م بقوة إثر امتدادها الواسع في أوساط الشعوب الأوربية ،.. وهكذا نرى أنَّ ولادة مفهوم ومبدأ المجتمع المدني هو قرين التكوين البنيوي السياسي المعتمد على الليبرالية التي تطورت إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة ، وهو الأساس الذي أنتجها كمرتسمات للتجربة الأوربية الجديدة التي أخذت بالتكامل تدريجياً وفق هذه الأُسس .
   وعموماً ، فقد استقرت العلاقة بين المجتمع المدني والدولة على مبدأ الإعتماد المتبادل بعد أن كانت العلاقة بينهما تقوم على مبدأ الصراع تأريخياً ، وهذا الإستقرار هو تعبير آخر عن الإستقرار السياسي في الحياة العامة وللمكونات الداخلة في تكوين الجماعة السياسية أي للمجتمع المدني السياسي .

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب