الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة استنكارية

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تراجعت الأسئلة الاستنكارية المركزية حول النظام والثورة ضده في ظل تعقّد الوضع في سورية وعليها إلى الهامش، وحلّ في مركز الاهتمام أسئلة استنكارية عدة، لم تكن في هاجس الحراك الثوري المدني الليبرالي على الأقل. ومن هذه الأسئلة ما يرتبط بهيمنة جماعات الإسلام السياسي المسلح على الساحة السورية، وهيمنة صور مثيلة للقاعدة أو ماشابهها، وهيمنة التطرف بين جميع الأطراف في الرؤية والحوار، وعدم القدرة على استيعاب اختلاف الآخر في الرأي أو القناعة. ونصيب الكل، في ذلك، الاتهام والإقصاء والشتيمة!
وعليه فإن الراهن الجديد بدّل الصورة من حراك ثوري لم يعلن عن نفسه بوضوح حتى حلّ مكانه اقتتال عنيف على السلطة، ولكن من خلال السيطرة على التجمعات المدنية هنا وهناك، ومن ثم فقدانها، ثم إعادة السيطرة عليها بين كر وفر دمّر البنية الاجتماعية السورية قبل أن يدمر بنيتها التحتية!
إن ذلك التبدل رافقه خطاب شوفيني عنصري من بعض الموالين والمعارضين، وفي الوقت ذاته دفع آخرين أيضا إلى إعادة النظر والتأمل في الوقائع، وبالتالي في المواقف والرؤى. ومن ذلك الموقف من النظام أو السلطة الحاكمة في دمشق، ومن الحراك برمته! فمن كان متحمساً لثورتي الربيع العربي في تونس ومصر، أحبطته الحال في ليبيا واليمن وسورية، وأعاد صياغة رؤيته في ظل ظرفين: الأول إنقاذ الثورة من التسليح، كما في مصر وتونس، ولكن البديل كان الإخوان والعسكر. والنموذجان لا يمثلان مفهوم الثورة الاجتماعية المدنية المعاصرة التي تربط بين النهوض والحرية والديمقراطية. وبالتالي فإن التبدل الحاصل قد يمثل بعضُه خطوة صغيرة في طريق التغيير مستقبلا في تونس، ولكنه لا يمثل في مصر غير إعادة الحيوية في الحكم العسكري. أما ما حصل في ليبيا واليمن وسورية، فلم يكن التغيير بل كان التدمير المجتمعي والحضاري هو سيد الحضور في الوطن الهشّ.
وعليه فمن حق الجميع إعادة ترتيب الرؤى والأولويات، ومن ذلك الموقف من الصراع الراهن ومن أطرافه، بما فيهم النظام في دمشق، ومن مفهوم الربيع العربي و واقعيته، ومن المؤامرة الإقليمية والدولية ، ومن الاستبداد وحكم العسكر ، بل ومن مفهوم الوطن والمواطنة في ظل الواقع العربي المتردي ، ومن معنى الحرية ودلالات ارتباطها بالوطن .
في ضوء ذلك الاختلال، وحق الجميع في إعادة ترتيب الرؤى يمكن القول: إن الوطن بالنسبة للمواطن هو أمن واستقرار وحرية وانتماء.
العناصر الثلاثة الأولى " الأمن والاستقرار والحرية " هي مهمات النظام الحاكم تجاه المواطنين، ممثلا بالسلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس البلاد أو حاكمها. أما الانتماء فهو شعور فطري يُصقل بالتجربة والوعي، وقد تعززه السلطة الحاكمة في المواطن وقد تعمل على تشويهه لصالحها، حين تماثل بينها وبين الوطن.
وقبل الحرب في سورية كان المواطن السوري يتمتع بالأمن الشخصي مادام يمشي بجانب الحائط، ويفتقد الأمن الاجتماعي بسبب الفساد الذي هيمن على العلاقة بين المواطن والسلطة الحاكمة ، مما أفرز قيما اجتماعية هدّامة. والاستقرار كان مفروضا بالاستبداد مادام يقدم للسلطة البقاء والنفوذ، ولم يكن نتاجا بنيويا مرتبطا بإرادة السلطة في طمس خصوصية المكونات الاجتماعية لصالح النسيج السوري العام. أما الحرية، وهي على منحيين؛ الحرية الشخصية في الاعتقاد الديني وطقوس الحياة اليومية. والحرية التعبيرية المرتبطة بالمشترك العام بين المواطن والسلطة.
الحرية الشخصية كانت تتماثل مع الأمن الشخصي السابق الذكر. أما الحرية التعبيرية المرتبطة بالوطن وقضاياه فكانت حكرا على السلطة الحاكمة، ولذلك كان للأمن الدور الأبرز في الحياة السورية بشكل عام.
أما الانتماء الذي قلنا: إنه شعور فطري يُصقل بالتجربة والوعي، إلا أن السلطة تستطيع تشويهه حين تماثل بينها وبين الوطن، فقد تجلّت صوره بشكل مباشر في الأزمة الراهنة. وصوره غير المباشرة تناثرت في سلوك الناس قبل الأزمة وعلى مفاصل المعاناة من هيمنة الفساد الإداري في الدرجة الأولى، وسطوة القبضة الأمنية في الدرجة الثانية.
ولأن الانتماء شعور إنساني فطري لا يستطيع أحد إنكاره على الآخر أو احتكاره لذاته يمكن القول، كقاعدة عامة، كل السوريين يحبون وطنهم، وإن بدا الغضب أو التمرد أو الإنكار في لحظة يأس أو إحباط، ولكن صور الوعي بذلك الانتماء تختلف ألوانها بين مواطن وآخر بناء على مجموعة من العوامل والظروف. يضاف إلى ذلك ظرف عام شامل توفره السلطة الحاكمة؛ فإن كان هذا الظرف إيجابيا ووطنيا فهي تعزز الشعور الجماعي بالوطن، بغض النظر عن الإعلام ودوره، وإذا كان سلبيا فهي تخفف الشعور بالانتماء العام وتحشره بالانتماء الخاص الضيّق. وكلما تعزز الشعور العام بالانتماء الوطني تعززت الوطنية مفهوما اجتماعيا تجب التضحية من أجله، والعكس صحيح. وينعكس ذلك ويتجلى في الأزمات الداخلية أو الخارجية؛ فحين يكون الوطن مهددا من عدو خارجي يدافع المواطن عن وطنه بشعوره الفطري تجاه انتمائه على الرغم من أن عقله يطرح عليه أسئلة استنكارية كثيرة. وحين يتهدد الوطن من الداخل بفعل الثورات أو الاحتجاجات أو التمرد، ينسحب الشعور الفطري تجاه الوطن إلى الخلف، ويتقدم العقل بمحاكمته للسلطة الحاكمة التي تمثل، بحكم هيمنتها، طرفا في الصراع. ولأنها لم تعزز الشعور الوطني بصورته الإيجابية، حين ماثلت بينها وبين الوطن، فلن تجد التجاوب الذي ترجوه حينها لنصرتها، وإن عمدت إلى الربط بين نصرة الوطن ونصرتها إعلاميا، انطلاقا من تماهيها وتماثلها مع الوطن بوصفها رمزا له.
وفق تلك الصورة الشاملة لعلاقة السوري مع المكونات الأربعة؛ الأمن والاستقرار والحرية والانتماء، في وطنه، وعلاقة تلك المكونات بممارسة النظام ونهجه في الحكم على مدى ما يزيد عن خمسة عقود، وبشكل خاص في العقود الثلاثة الأخيرة، يمكن فهم تجاذبات المواقف والرؤى في الأزمة السورية، إن كان ما يرتبط بالموقف من النظام والسلطة الحاكمة من قبل الموالاة والمعارضة، والموقف من الوطن المحتَكر، والموقف من الجماعات المسلحة، والموقف من مفهوم الانتماء، وبالتالي الهجرة الجماعية للطيور السورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله