الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد الثانى من مسرحية [ زمن حَبَشتَكُوْنْ ]

عبدالله محمود أبوالنجا

2016 / 12 / 6
الادب والفن


المشهد الثانى

نفس ديكور وأثاث المشهد السابق فى حجرة المكتب البَيْضَوِىْ الخاص بالأوحد حَبَشْتَكُوْنْ .. يفتح الستار على حَبَشْتَكُوْنْ يجلس مسترخياً حالماً، على المقعد الرئيسى للمكتب البَيْضَوِىْ.. موسيقى تنبيهية مصحوبة بإشارات ضوئية على الشاشة الوسطى، التى فى الجدار إلى يمين المكتب البَيْضَوِىْ .. ينتبه حَبَشْتَكُوْنْ من شروده .. يضغط بيمناه زراً أسفل المكتب البَيْضَوِىْ . . يبرز من سطح المكتب ميكروفون صغير . . .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( متضجراً وهو يتحدث فى الميكروفون) هاتِ ماوراءك يادِلْيَازْ .
ص . دِليازْ : كبير المستشارين المتنبئين . . يستأذن فى المثول بين يديكم سيدى الأوحد ...
حَبَشْتَكُوْنْ : ( وهو يلوح بيسراه ) دعه يدخل يادِلْيَازْ .
[ ثوانٍ قليلة، ويدخل ʺ سِفْيَاسْ ʺ؛ رجل طاعن فى السن، طويل القامة بشكل واضح، على رأسه مايشبه الخوذة، يخرج منها مايشبه أسلاك الهوائيات، بها عدسات زجاجية سميكة على الجانبين ومن أعلى، تصدر عن العدسات وَمَضَات ضوئية متعددة الألوان، الرجل يرتدى مثل بدلة حَبَشْتَكُوْنْ؛ لكنها بيضاء مزركشة بخريطة كونية تظهر عليها من الأمام، مجرة درب التبانة بوضوح . ]
سِفْيَاسْ : ( ينحنى بمجرد دخوله من الباب على يمين المكتب البَيْضَوِىْ ) السلام على السيد الأوحد، والحاكم الأسعد، حَبَشْتَكُوْنْ الأخلد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( ممازحاً ) وعليك السلام، أيها الـ سِفْيَاس الأبعد ....
حَبَشْتَكُوْنْ : ( باستكانة وهو مازال منحنياً ) بورك فيكم سيدى الحاكم الأمجد!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مشيراً بيده إلى رسم مجرة درب التبانة على بدلة سفياس ) جميلة مجرتنا درب التبانة هذه ياسفياس ؟!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مُدَاهِناً ) لوجود مُلككم الأخلد فى أحد مجموعاتها الشمسية يامولاى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( فى جدية وصرامة ) حسناً، ماذا عندك لنا هذه المرة يا سِفْيَاسْ ؟
سِفْيَاسْ : ( مازالت لهجة الاستكانة غالبة على صوته ) الخير، كل الخير ياسيد الأرض والفضاء .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يستحثه ) حسناً ياسِفْيَاس، ابْدَأ فى نهب عيون الغيب، واستطلاع مايجرى خلف أستاره .
سِفْيَاسْ : ( يخرج من جيب تحت إبطه الأيسر، مايشبه الريموت كنترول فى زماننا هذا، يوجه ذلك الجهاز الشبيه بالريموت كنترول نحو إحدى الشاشات، التى إلى يمين حَبَشْتَكُوْنْ، تظهر عليها خريطة كونية، عليها مجرة درب التبانة وبعض المجرات الأخرى، ومضات ضوئية بيضاء تروح وتجيىء بين المجرات، يحدق فيها حَبَشْتَكُوْنْ وسِفْيَاسْ .. سفياس يقفز فجأة وهو يخطو للوراء بضعة خطوات ) انظر . . انظر يامولاى .. هناك .. هناك فى جوف المرأة المُسَلْسَلة !
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بجدية تامة وهو يحدقً فى الاتجاه الذى يشير إليه سفياس على الشاشة ) ماذا ترى يارجل ؟
سِفْيَاسْ : ( متردداً ) إننى .. إننى .. إننى أرى يامولاى ..
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بعصبية ) ماذا دهاك يارجل؟ تكلم .. مالذى تراه هناك فى المرأة المُسَلْسَلة ؟
سِفْيَاسْ : ( يهرول نحو حَبَشْتَكُوْنْ، ينحنى على الساق اليسرى لحَبَشْتَكُوْنْ، يقبلها وهو يستعطفه ) اعفنى من وطأة الكلام ياسيدى .. اعفنى بحق ملكك الأخلد وسعدك الأمجد!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( باندهاش وهو يحدق فى سفياس المرتمى على ساقه ) ماذا دهاك يارجل؟ أرأيت شيطاناً هناك فى المرأة المُسَلْسَلة ؟ ( يزيح سفياس بعيداً عن ساقه، وينزل عن مقعده، سفياس يقع على مؤخرته ولا يستطيع النهوض، يمسك به حَبَشْتَكُوْنْ من أذنه ويُوقفه على قدميه، ثم يحدق فى وجهه ) ماذا رأيت هناك فى المرأة المُسَلْسَلة ياسِفْيَاسْ ؟
سِفْيَاسْ : ( باستعطاف ) أرجوك يامولاى أن تعفينى من الكلام ؟
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بإصرار وهو يرسله من يده ) تكلم وإلا هشمت رأسك الأجوف هذا.
سِفْيَاسْ : ( وهو يرتعد من الرعب ) جُلُوبَلْ ... جُلُوبَلْ يامولاى ...
حَبَشْتَكُوْنْ : ( باستخفاف وهو يختلس النظر إلى الشاشة التى تعرض الخريطة الكونية للمجرات ) من هو ذلك الـ جُلُوبَلْ ؟
سِفْيَاسْ : ( بحزن ممزوج بالخوف ) عندما يأتى جُلُوبَلْ، سوف يخنق وجه الشمس .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يزداد استخفافه ) جُلُوبَلْ ... ( يقهقه عالياً ) هاهاهاهاها ... جُلُوبَلْ سوف يخنق وجه الشمس!
سِفْيَاسْ : ( مستطرداً وكأنه يهذى ) سوف يمسخ الأجنة فى بطون أمهاتهم يامولاى ...
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يردد مقولة سفياس باستخفاف ) سوف يمسخ الأجنة فى بطون أمهاتهم ... جُلُوبَلْ سوف يمسخ الأجنة ... ( يقهقه عالياً ) هاهاهاهاها . . هاهاهاهاها . .
سِفْيَاسْ : ( مستمراً فى الكلام، بينما حَبَشْتَكُوْنْ يحدق فيه ) يأتى ومعه ألف ألف وجه من الشقاء، وفى كل وجه ألف ألف عين من الهلاك، وفى كل عين ألف ألف صنف من العذاب .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مستمراً فى استخفافه ) ألف ألف وجه ! ألف ألف أنف ! ( يقهقه عالياً ) هاهاهاها
سِفْيَاسْ : ( مصححاً فى تردد ) لم أقل ألف ألف أنف يامولاى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( صارخاً فى غضب ) أية خزعبلات تلك التى تلقيها على مسامعى أيها الأجوف ؟
سِفْيَاسْ : ( وهو ينكمش على ذاته ) هذا . . هذا ما رأيته يامولاى . . .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( وهو يتقدم نحو سفياس ) يبدو أنك كبرت، وعقلك أصابته الضلالات والهلاوس السمعية والبصرية ياسفياس . ( يمسك به من رقبته )
سِفْيَاسْ : ( وهو ينكمش على ذاته أكثر ) لم أقلْ إلا ما رأيتُ يامولاى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( فى هدوء تام، وهو يسير به إلى مقدمة المسرح جهة اليسار ) أنت رجل خَرِفٌ ياسفياس .. لا يتجرأ كائنٌ من كان، على استحداث ما لا أريده فى ملكى .
سِفْيَاسْ : ( يتشجع قليلاً ) لن يخرج جُلُوبَلْ من ملكك ياسيدى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( فى هدوء قاتل ) من أين يخرج إذاً ؟ ذلك الـ جُلُوبَلْ؟ أمن الجحيم؟
سِفْيَاسْ : ( مازال متشجعاً بعض الشىء ) هو من مُلكٍ أشبه بالجحيم أيها السيد الأوحد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بعصبية بالغة وهو يطرح سفياس على الأرض بقسوة ) لا ... لا ... لا ... أنت كبرت ياسفياس، كبرت ولم تعد ترى سوى الهلاوس والضلالات السمعية والبصرية .
سِفْيَاسْ : ( يستعطفه وهو مازال على الأرض ) عفوك ...عفوك أيها الأوحد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يهمس لنفسه وهو يتجه إلى مقعده فى صدر المكتب البَيْضَوِىْ ) الرجل سفياس هذا، لو أشاع مايقوله بين الناس، ربما تحدث فوضى عارمة يصعب التكهن بنتائجها.( يضغط أحد الأزرار أسفل المكتب البَيْضَوِىْ، يأتى صوت دلياز بنفس الطريقة التى يأتى بها كل مرة)
ص.دلياز : ( فى ثقة ظاهرة فى لهجته ) أمر مولاى الأسعد، حَبَشْتَكُوْنْ الأخلد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يتحدث عبر ميكروفون برز فجأة أمامه من سطح المكتب ) الرجل سفياس هذا، يحتاج إلى رعاية طبية عاجلة ... مسكين أصابته لوثة عقلية مباغتة ... عجِّلْ بإرسال فريق من الإخصائيين لاصطحابه إلى مصحة القسم السابع للأمراض النفسية والعصبية .
ص. دلياز : فى التوِ والحال . . مولاى المعظم حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مردفاً ) ثم أدخل شِفْيَارْ ومساعديه بعد ذلك .
ص. دلياز : السمع والطاعة لمولانا المعظم، حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مستخفاً بسفياس الذى مازال مُلْقَىً على مؤخرته على الأرض )لا تخف . . لا تخف ياسَفْيُوسْ ( متعمدا نطق الاسم بشكل خاطىء ) كلها بضعة أيام؛ وتعود لحالتك الطبيعية . لن تعانى بعد ذلك أبداً من تلك الهلاوس السمعية والبصرية . أعدك بأنك لن ترى ذلك الـ جُلُوبَلْ مرةً أخرى .
سِفْيَاسْ : ( ينهض ويهرول إلى حيث حَبَشْتَكُوْنْ وينحنى على ساقه اليسرى وينهال عليها بالتقبيل مستعطفاً ) أرجوك، أرجوك يامولاى .. أنا لم أقل إلا ما رأيت .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بهدوء وهو يربت على الخوذة التى فوق رأس سفياس ) لا عليك ... لا عليك ياسفيوس ... كلها بضعة أيام، وستكون على مايرام . ( يركله بعيداً بقدمه )
[ تدخل فى تلك اللحظة ثلاث فتيات يرتدين بَدْلات كبدلة حَبَشْتَكُوْنْ، لكنها خضراء اللون، فوق البدلات معاطف بيضاء مفتوحة، واضح من هيئتهن أنهن طبيبات، الفتيات من الأحجام الضخمة، ينحنين فور دخولهن مباشرةً، فيشير لهن حَبَشْتَكُوْنْ أن يصطحبن سفياس إلى مشفى القسم السابع للأمراض النفسية والعصبية، يتجهن إلى سفياس مباشرةً، يقمن بتطويقه بحزام جلدى أحمر اللون ويصطحبنه إلى خارج المكتب البَيْضَوِىْ وسط توسلاته لحَبَشْتَكُوْنْ أن يعفو عنه . ]
حَبَشْتَكُوْنْ : ( ينهض عن كرسيه، ويقترب من الشاشة التى مازالت تعرض الخريطة الكونية، يحدق فيها لبرهةٍ طفيفة ثم يصيح هادراً، وهو يضرب سطح المكتب بقبضتى يديه ) اللعنة على ذلك الـ جُلُوبَلْ! اللعنة عليك ياسفياس! ( موسيقى تنبيهية ناعمة، يتجه إلى زر أسفل المكتب، يضغطه بسبابته، يتحدث عبر الميكروفون الذى مازال بارزاً فوق سطح المكتب) أَدْخِلْ العلماء فوراً يادِلْيَازْ .
ص. دلياز : السمع والطاعة لمولانا المعظم، حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
[ تمضى لحظات قليلة يتابع فيها حَبَشْتَكُوْنْ ماتعرضه الشاشة التى على الجدار إلى يمينه ... تتبدل مشاهد الخريطة الكونية بممر جدرانه فضية اللون، وكذلك السقف، الممر ليس به أحد سوى ثلاثة رجال يرتدون بدلاً مثل بدلة حَبَشْتَكُوْنْ ... أحد الثلاثة يسبق الاثنين الآخرين ببضعة خطوات، حَبَشْتَكُوْنْ يتابعهم حتى يصبحوا أسفل الكاميرا المثبتة على الباب الأيمن للمكتب البَيْضَوِىْ، يضغط حَبَشْتَكُوْنْ أحد الأزرار أسفل المكتب البَيْضَوِىْ، يُفتح الباب الأيمن، يظهر الشخص الذى كان يتقدم الثلاثة فى الممر الفضى، ينحنى بمجرد ظهوره، يخطو إلى يسار المكتب البَيْضَوِىْ، ويقف صامتاً، يتبعه الشخصان الآخران، يفعلان مثل مافعله تماماً ، يقف ثلاثتهم صامتين إلى يسار حَبَشْتَكُوْنْ . . حَبَشْتَكُوْنْ يشير لهم بالجلوس . ]
حَبَشْتَكُوْنْ : ( فى هدوء ) تفضلوا أيها العلماء الأجلاء . . خذوا أماكنكم .
[ يجلسون على المقاعد 1 و 2 و 3 ، أقربهم إلى حَبَشْتَكُوْنْ هو شفيار ، ثم جايدار على مقعد 2 ، وسعديون على مقعد 3 ]
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يصيح فجأة بعصبية، وهو يخبط بكفيه على سطح المكتب البَيْضَوِىْ ) جُلُوبَلْ! .. جلوبل ! ( يتبادل الثلاثة نظرات الاندهاش بينما يستطرد هو ولكن فى هدوء عن ذى قبل ) جُلُوبَلْ أيها السادة العلماء الأجلاء .. ( يعاودون تبادل نظرات الدهشة ) .. جُلُوبَلْ هذا .. سوف يخنق وجه الشمس ! أرأيتم ؟ يخنق وجه الشمس ! ( يستمر هو، والصمت مازال يُلجم الثلاثة ) لا تندهشوا ! .. فجُلُوبَلْ له ألف ألف عين، وألف ألف أنف ! أرأيتم ؟ !
ص. سِفْيَاس : ( مصححاً، ولا يسمعه سوى حَبَشْتَكُوْنْ ) لم أقل ألف ألف أنف يارجل .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( صائحاً وهو يشير بذراعه الأيمن إلى الباب الذى إلى اليمين ) أسمعتم ؟ ( يكرر هو بينما هم يتبادلون نظرات الدهشة ) أسمعتم ماقاله ذلك اللعين سفياس ؟! ( لشفيار قائد الثلاثة ) أسمعت ياشِفْيار ؟ أسمعت ماقاله ذلك الـ سِفياس ؟ ( يستمر بسخرية ) عندما يأتى جُلُوبَلْ 00تشيب الأجنة فى البطون!
شِفْيَارْ : ( متردداً ) لكن يامولاى . . .
ص . سِفْيَاس : (مصححاً؛ وأيضاً لا يسمعه سوى حَبَشْتَكُوْنْ ) يمسخ . . يمسخ يارجل . . يمسخ الأجنة فى بطون أمهاتهم!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( صارخاً وقد تناسى وجود الثلاثة ) اللعنة عليك ياسِفْيَاس ! أنا حرٌ فيما أقول . . أقول تشيب الأجنة . . أقول يمسخ الأجنة . . أنا حرٌ، أقول ما أشاء. . ( يتذكر الثلاثة الجالسين إلى يساره، فيوجه كلامه إليهم ) أسمعتم مايقوله ذلك اللعين ؟! ( ثم لجَايْدَارْ ، الجالس إلى يسار شفيار ) أسمعت ياجَايْدَارْ ؟ أسمعت ماقاله ذلك اللعين ؟!
جايْدَارْ : ( لا يزيد على مانطق به شفيار ) لكن يامولاى . .
شِفْيَارْ : ( فى لهجة مستكينة ) عفواً سيدى الأوحد، حَبَشْتَكُوْنْ الأخلد . . بلغنا أن سفياس أصابته لوثة عقلية، تم نقله على إثرها إلى مشفى القسم السابع للأمراض النفسية والعصبية . . .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مؤكداً ) لقد كبر الرجل وخَرُف ياشفيار، لكن صدى عباراته مازال يتردد فى رأسى وكأنه الشيطان الأبرق . ( يخاطب العالم الثالث ) مارأيك أنت ياسَعْدَيُونْ ؟
سَعْدَيُونْ : ( فى لهجة مستكينه كزميليه ) فى ماذا يامولاى ؟
حَبَشْتَكُوْنْ : فى مسألة ذلك الـ جُلُوبَلْ ؟
سَعْدَيُونْ : لم يسمع بذلك أحدٌ من قبل يامولاى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( لجايدار، بعصبية ) جلوبل يشوه الأجنة فى البطون ياجايدار!
ص . سِفْيَاس : ( أيضاً لا يسمعه سوى حَبَشْتَكُوْنْ ) يمسخ . . يمسخ الأجنة يا . . يا . . يا حَبَشْتَكُوْنْ!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( ثائراً ) اللعنة عليك ياسفياس ! . . اللعنة عليك . . أيها المارق المخبول . ( ثم لثلاثتهم ) أسمعتم ؟! أسمعتم مايقوله ذلك الأخرق ؟! ( يتبادل ثلاثتهم نظرات الاندهاش )
سَعْدَيُونْ : ( يتجرأ قليلاً ) نحن لا نستطيع سماع ماتسمع يامولاى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يهز رأسه موافقاً ) وحدى أنا اسمعه ( مُضِيفاً ) ذلك المارق المخبول . ( ينزل عن كرسيه، يتجه نحوهم، ينهضون عن كراسيهم، يتراجعون للوراء وهم ينحنون، ليفسحوا له الطريق، يتقدم ببطء إلى يمين المسرح، وهو يردد ) وحدى أنا أسمعه . . وحدى أنا أسمع صدى صوته . . ذلك المخبول الأخرق ( يخيم صمت مطبق على المكان، يستدير بعده حَبَشْتَكُوْنْ، ويصيح فجأة موجهاً كلامه إليهم ) أرأيتم أُذُناً تسمع غير أُذُنى ؟
ثلاثتهم : ( فى صوت واحد، وهم مازالوا متسمرين فى وقفتهم ) حاشا أيها السيد الأوحد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مستمراً فى تساؤله ) أرأيتم عيناً تبصِرُ غير عينى ؟!
ثلاثتهم : ( فى صوت واحد ) حاشا أن تُبصِرَ عينٌ غير عينك أيها السيد الأسعد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يوليهم ظهره، وهو يخطو وئيداً إلى يسار المسرح ) أرأيتم إرادةً فى هذا العالم غير إرادتى ؟
ثلاثتهم : ( فى صوت واحد ) لا أحد يسمع أو يبصر أو يريد غير ماتريد أيها السيد الأخلد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يستدير بعصبية نحوهم ويصيح كالرعد ) فكيف يخرج علينا ذلك المارق الأخرق بذلك الـ . . ( بسخرية ) ذلك الـ جروبال ( يقصد جلوبل ) ؟
ص.سِفْيَاس : (مصححاً الاسم؛ وأيضاً بصوت لا يسمعه سوى حَبَشْتَكُوْنْ ) جلوبل . . ( بسخرية ) جلوبل يارجل . .( بنفس السخرية ) جلوبل يا . . يا . . يا حبااااش .. تَكُوْنْ ( يقصد حَبَشْتَكُوْنْ ) .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( ثائراً ) ساقتلك . . سأقتلك ياسفياس اللعين .
شِفْيَارْ : ( متودداً ) مولاى الأوحد . . حَبَشْتَكُوْنْ الأخلد . . إنَّ سفياس رجلٌ طعن فى السِّنِ، ولم يعد يعى مايقول .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( فى هدوء مباغت ) لا . . لا . . سفياس رجلٌ حصيف، وأنا أعرف ذلك تماماً . . رغم ثورتى عليه، واتهامى له بالخَرَفْ . . لابد أن فى الأمر شيئاً خطيراً يتهددنى أو يتهدد مُلكى هذا . ( يستميلهم ) أقصد مُلكنا هذا . لا بد أن نحتاط لما قد يأتى .
ثلاثتهم : ( فى صوت واحد ) أرواحنا رهن الإشارةِ أيها السيد الأسعد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يردد وهو يروح ويجيىء أمامهم وهم يتابعونه بأعينهم فى صمت ) كل شىء على هذا الكوكب وماحوله من كواكب، خاضعٌ لإرادتى . . كل شىء خارج مجموعتنا الشمسية متوافقٌ مع رؤيتى . . كل شىء على ظهر أبعد الكواكب المأهولة، فى كل المجرات المعروفة لنا، متواصلٌ مع طبيعتى، ويحكم جميع العلاقات بيننا ميثاق الأمن والسِلم المَجَرِّىْ . . ( يتساءل مندهشاً ) من أين يأتى الخطر إذاً ؟ من أين يأتى ذلك الـ جلوبل ؟
جايْدَارْ : ( محاولاً تبديد ظنون حَبَشْتَكُوْنْ ) إنها أوهام سفياس ياسيدى .
شِفْيَارْ : ( يدعم كلام جايدار ) بالتأكيد أخطأ سفياس فى استقراء غياهب المستقبل !
حَبَشْتَكُوْنْ : ( معترضاً بشدة ) لا . . لا . . لا . . لابد أن فى الأمر شيئاً . لابد أن نحتاط للأمر من كل جوانبه أيها السادة الأجلاء . ( يبدأ مرة أخرى فى التفكير بصوت واضح، وهو يروح ويجيىء بين يمين ويسار المسرح، وثلاثة العلماء يتابعونه صامتين) جلوبل . . جلوبل. . جلوبل . . ( يتوقف فجأة ويصيح هاتفاً كمن وجد ضالته ) جلوبل هو الموت أيها السادة . . جلوبل هو الموت أيها السادة . .
ثلاثتهم : (يصيحون فى صوت واحد بمزيج من الاندهاش والاستنكار ) الموت !!!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مستطرداً دون أن يستمع إليهم ) لابد أن ذلك الملعون كان يقصد الموت، لكنه لم يفصح عن ذلك واستخدم لفظ جلوبل بدلا من كلمة الموت ( يستطرد بهدوء بالغ ) أيها العلماء الأجلاء، أريد سلاحاً أجابه به الموت . ( يتبادل ثلاثتهم نظرات فيها مزيج من الدهشة والقلق والانزعاج ) .
جايْدَارْ : ( متردداً ) مولاى إذاً، يريد الخلود ؟
حَبَشْتَكُوْنْ : ( فى زهوٍ وخُيَلاء ) ومن يخلد غيرى إن لم أكن أنا أول الخالدين ؟!
سَعْدَيُونْ : ( بصوت خفيض، لكنه مسموع ) لكنه لم يُكتَبْ لبشرٍ من قبل!
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بإصرار ) اكتبوه لى . . ألستم أعلم علماء الكوكب الأرضى ؟
ثلاثتهم : ( فى خضوع واضح ) إنها مِنَّتُك علينا أيها السيد الأوحد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( وكأنه يقرر أمراً عادياً ) إذاً فلتصنعوا لى سلاحاً أقهر به مايقهر كل كائنٍ حى .
جايْدَارْ : ( مرتبكاً يهمس لزميليه ) مسألةٌ لم تخطر على بال بشرٍ من قبل .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بعصبية ) لكننى أريدها . . أريد سلاحاً اقهر به الموت . . ( وكانه يخاطب نفسه ) المكان الوحيد الذى يقبع فيه جلوبل، هو جوف الموت . ( وكأنه يقرر حقيقةً واقعةً، توصل إليها تواً ) لا مكان لجلوبل فى مُلكى . . جلوبل سوف يركب دابة الموت فى طريقه إلى جسدى. . فلتأتونى بسلاحٍ أقهر به دابة الموت .
شِفْيَارْ : ( متملقاً وهو يختلس النظر إلى زميليه ) إنها . . إنها مسألةٌ بسيطةٌ جداً أيها الحاكم الأخلد، حَبَشْتَكُوْنْ الأمجد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مخاطباً شفيار، وهو يتقدم نحوهم متهلل الأسارير ) أحقاً ماتقوله أيها العزيز شفيار ؟
شِفْيَارْ : ( مجيباً ) بلى أيها السيد الأوحد .
جايْدَارْ : ( يتملق مثل شفيار ) علومنا ومعاملنا وأبحاثنا كفيلة بكل ماتريده أيها السيد الأسعد حَبَشْتَكُوْنْ الأخلد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( لسَعْدَيُون وهو يتفرس ملامحه، بعدما لاحظ علامات الاستنكار على ملامح وجهه ) وأنت ياعزيزى سَعْدَيُون، كيف ترى أمرنا هذا ؟
سَعْدَيُونْ : ( بتردد وهو ينكمش على نفسه ) نحن استطعنا رفع متوسط الأعمار إلى مايزيد عن الألف وخمسمائة عام ... نعم سيدى الأوحد . . استطعنا رفع متوسط عمر الإنسان بالتدخل فى الخريطة الجينية للخلية الحية . . لكن مسألة الخلود تلك . . إنها . . إنها . . مسألةٌ . .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( يصرخ بعصبية مقاطعاً ) مسألةٌ صعبة . . ( وهو يجذبه من ياقة بدلته الفضائية بعنف إلى الأمام ) مسألة صعبة . . ( بصوت كالرعد ) أليس كذلك ياسَعْدَيُونْ ؟ ( يكرر وهو يفلته من يده ) أليس كذلك ؟
سَعْدَيُونْ : ( يصرخ متحدياً، وهو يتقهقر للوراء أسفل الشاشة التى فى مواجهة الجمهور ) بل هى مستحيلة أيها السيد الأوحد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( ثائراً بصوتٍ هادر، يخاطب زميلى سعديون تارة، وأخرى يخاطب جمهور المتفرجين ) هاهو سعديون . . ذلك العربى الأجوف . . هاهو ذلك المارق الذى لم يكن يجرؤ أن يبين لنا ، هاهو ذلك المهرطق الذى لم يستطع أن يصمت ويريحنا من ثرثرته الجوفاء ؟! ذلك الملعون . . الذى لم يكن يكل أو يمل . . من الثرثرة بالشعارات الهراء ، التى يطرب لوقعها العوام والبسطاء !! ( ثم لسعديون ) وها أنا قد كشفت أمرك بنفسى . . كنتُ اشكُ فى ولائك لى منذ زمنٍ بعيد. . لقد ظهرت على حقيقتك الكئيبة أيها الصعلوك الصرصار. . خانك ذكاؤك. . وتخلت عنك بصيرتك . . ( وهو يتجه إلى كرسيه فى صدر المكتب البَيْضَوِىْ) أظهرت ماكنت تبطن أيها الصرصار . . ( يضغط أحد الأزرار أسفل المكتب البَيْضَوِىْ، ويصيح فى الميكروفون البارز من سطح المكتب ) دلياز . . . دلياز . . .
ص. دلياز : أمر مولانا المعظم، حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
حَبَشْتَكُوْنْ : أريد تكريم ذلك الـ ʺ سعديون ʺ فوراً يادلياز .
ص. دلياز : السمع والطاعة لمولانا المعظم، حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
سَعْدَيُونْ : ( وقد أُسقط فى يده ) أيها السيد الأوحد . . . أيها السيد الأوحد . . .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مقاطعاً فى حدة بالغة ) اصمت . . اصمت أيها المنافق الأبتر . . . ( ثم بهدوء ممزوج بالشماتة ) تريدنى أن أذهب عن مُلكى ! . . . أو أن يذهب مُلكى عنى! . . أيها الخائن الصرصار . . ( متوعداً ) يالَهول ماستلاقيه من التكريم أيها العتل الزنيم !
[ لحظات قليلة، يحدق خلالها حَبَشْتَكُوْنْ فى الشاشة التى إلى يمينه، يظهر مجموعة من الحرس الأشداء فى قلب الممر الفضى على الشاشة، يصلون أسفل الكاميرا التى على الباب الأيمن لحجرة المكتب البَيْضَوِىْ، يضغط حَبَشْتَكُوْنْ أحد الأزرار أسفل سطح المكتب البَيْضَوِىْ، يُفتح الباب الذى إلى يمين المكتب ، يدخل الحراس، ينحنون أمام حَبَشْتَكُوْنْ، يهجمون على سَعْدَيُونْ، يقيدونه بالأغلال ويقتادونه إلى خارج حجرة المكتب البَيْضَوِىْ، تتهلل أسارير حَبَشْتَكُوْنْ وهو يتوجه إلى حيث شفيار وجايدار واقفين . ]
حَبَشْتَكُوْنْ : ( مخاطباً شفيار وجايدار ) أرأيتم ؟ . . كل يوم يبرزُ لى خائنٌ جديد!
شِفْيَارْ : ( محرضاً ) لابد أن ينال الخائن عقابه يامولاى .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( بثقة ) سوف ينال . . ( يكرر ) سوف ينال . . سوف أبعث به إلى أبعد مجرة . . سأرسله إلى هناك . . ذرةً .. ذره . . ( ثم لجايدار ) ها . . ماذا ترى أنت ياجايدار ؟
جايْدَارْ : ( دون تردد ) خلودكم أيها السيد الأسعد أمرٌ بديهى يامولاى .
شِفْيَارْ : ( يؤكد على كلام جايدار ) بالطبع هى مسألة بسيطة جداًجداًجداً أيها السيد الأوحد . .
بضعة أبحاث ونأتيكم بإكسير الخلود أيها السيد الأمجد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( صائحاً فى فرحٍ عارم ) هكذا يكون الولاء! هكذا يكون العلم والعلماء! وهكذا يكون الرجال الأوفياء! ( يحاول التأكد من نيتهما ) سوف تصنعان إكسير الخلود، أليس كذلك ؟
الاثنان : ( معاً بصوت واحد ) بالتأكيد، أيها السيد الأخلد .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( صائحاً بفرحةٍ طفولية، وهو يضغط الزر أسفل سطح المكتب البَيْضَوِىْ ) بُوْرِكَ فيكما . بُوْرِكَ فيكما . ( مخاطباً دلياز عبر الميكروفون ) دلياز . . ( يكرر فى غبطة، ولكن مع تحريف اسم دِلْيَازْ ) دَلْيُوز . .
ص. دِلْيَازْ : أمر مولانا المعظم، حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
حَبَشْتَكُوْنْ : ( آمراً ) قُم بتوفير كل مايحتاجه شفيار وجايدار لأجل إكسير الخلود .
ص. دلياز : السمع والطاعة لمولانا المعظم، حَبَشْتَكُوْنْ الأعظم .
إظلام تام + ستار
إلى لقاء فى المشهد الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل