الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامبريالية السعودية..ح8

سامي فريدي

2016 / 12 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


سامي فريدي
الامبريالية السعودية..ح8

الدرس العثماني
ان امارة ال عثمان ومجمع القبائل التركية الصينية، نشأت في كنف الدولة البيزنطية وثقافتها الاغريقية وعقيدتها الأرثوذكسية المسيحية المعروفة حتى اليوم بالكنائس الشرقية، تمييزا لها عن الكنائس الغربية التي خرجت من كنيسة روما اللاتينية. وهي التي عادت وانقلبت ضد بيزنطة واحتلت عاصمتها (كونستانتينوبل) لتجعلها عاصمتها التاريخية، محرفة اسمها الى (استامبول/ اسلامبول)، وتحيل كنيستها التحفة العمرانية (سانكت صوفيا/ الحكمة المقدسة) الى جامع (آيا صوفيا)، وتتحول كنائس بيزنطة الالف الى جوامع استامبول الالف.
ورثت بيزنطة عامة النفوذ السياسي للامبراطورية الرومانية الذي شمل قارة أوربا وشمال أفريقيا والشام حتى مجرى نهر الفرات وشمال طيسفون/بغداد في (سامراء الحالية). وقد اعتبر العثمانيون أنفسهم ورثة النفوذ البيزنطي في العالم – كما ينجلي وراء مشروع أردوغان الذي يتجاوز الشرق الأوسط لغزو أوربا عبر موجات اللاجئين والاختراق الاسلامي-.
جاء تركيز العثمانيين على أمرين: أولهما السيطرة على القسطنطينية وجعلها عاصمتهم والذي تم في عهد السلطان محمد الأول وبمعونة المدفع الألماني في القرن السادس عشر الميلادي. وثانيهما تركيز نفوذهم في شرق أوربا، وعندما انكسروا أمام حصار فيننا النمساوية أكثر من مرة، عادوا للاهتمام بما غنموه، واضطروا للتعاون مع الغرب لغرض الافادة منهم، على أمل غلبتهم لاحقا.
الواضح لدى المؤرخين عامة، أن منطقة الشرق الأوسط، لم تكن مركز النفوذ السياسي للامبراطوريات الثلاثة المتعاقبة [رومانية، بيزنطية، عثمانية]. كما أنها لم تكن مركزا سياسيا أو ثقافيا، بعد خسارة مصر وميسوبوتاميا لمركزيتها السياسية والحضارية في عصر ما قبل الاسكندر المقدوني. أما شبه جزيرة العرب، فلم تكن ذات شأن في دائرة السياسات والصراعات الدولية والاقليمية، قبل انشاء الدائرة الشرقية للحكومة البريطانية في الهند في القرن السابع عشر، وتوجيهها عناصر مخابراتها لاستكشاف منطقة الخليج، والاتفاق مع بعض القبائل لحماية خطوط حركة التجارة البريطانية من الهند الى بريطانيا عبر حوض الخليج والبحر المتوسط.
وقياسا لما يدعى بالمركز/ العاصمة، كانت بلدان الشرق الأوسط على أطراف وهوامش مراكز النفوذ والتأثير [فارس، بيزنطة، ال عثمان]. وكانت تبعية هذه البلاد للنفوذ العثماني تحصيل حاصل، بعد انحسار النفوذ العباسي في بغداد ووقوعها تحت نفوذ السلاجقة، وظهور دويلات وإمارات محلية، يعود بعضها لحقبة بيزنطة. لكن الدويلات والامارات لم تتبلور سياسيا وتنتج عنها هويات قومية أو وطنية مستقلة عن المحيط الاسلامي/ العربي، باستثناء الجماعات الكردية التي قطعت شوطا طويلا للخروج من ربقة الذوبان في بحر الاسلام والعروبة، وما زالت تجتهد للاستقلال بذاتها وهويتها وثقافتها القومية.
لذلك ايضا، بدأ الاهتمام العثماني ببلدان شرق المتوسط متأخرا، عقب هزيمتها في أوربا، وفي وقت كانت الأطماع الغربية قد سبقتها إلى تلك البلدان، انطلاقا من دائرة الهند البريطانية منذ القرن السادس عشر.
فبينما كانت تركز على العمليات العسكرية على الأرض، كانت السياسات الغربية تتهددها من داخل آسيا، ففشل العثمانيون في حماية نفوذهم في أوربا، كما فشلوا في المحافظة على مناطق الشرق الأوسط.
فالحكم العثماني الطويل نسبيا، ورغم الأرضية والظروف الحضارية التي توفرت له، فقد بقي حكما اقطاعيا شرقيا، لا يتجاوز في أسسه مبدأي القوة والمال، العنف والغنيمة، الغزو والسلب.
الحكم الشرقي حكم فردي شخصي، ليس في الدكتاتورية والاستبداد، وانما لأنه غير مورث ولا دوام له بغير دوام العنف والاضطهاد والابتزاز، ومهما طال أمده، لا يكتسب شعبية ولا شرعية وطنية، وعندما يتهاوى، لا يجد من يدافع عنه.
وتلك هي صورة الحكم السعودي. فحتى أواخر أربعينيات القرن الماضي، وهي فترة انحدار قدرات ابن سعود الصحية والشخصية، كان فرديا في حكمه وسياساته وصلاحياته، ولم يكن طاقمه الملكي يضم غير عبدالله سليمان مستشاره والمتصرف المالي له، والقليلين من ولده، ممن لا يزيد عددهم على اصابع اليد الواحدة. ورغم أن أولاده الكثيرين كانوا في سن الرجولة، الا انه لم يوزع عليهم صلاحيات حكمه، ولم تكن حتئذ قد تشكلت الوزارات أو مفهوم الحكومة، مقتصرة أمورها في قطاع المال، والخارجية لا غير.
*
رغم ان تاريخ حكم بيت سعود –بحس الادبيات المنشورة- يعود الى القرن السابع عشر، وهو تاريخ مبكر بالنسبة للتكوين السياسي العربي المعاصر، فلم يكن حاكم نجد على ود مع الاستانة، وكان أمير الحجاز هو المعترف به لدى الاستانة حتى سقوطها عام 1926م. وبالمقابل لم تكن – بحسب الادبيات والتواريخ المعلنة- لبيت سعود حظوة لدى الحكومة البريطانية، ولم تستطع منافسة صلاتها في الهند ومصر والعراق وبعض شيوخ الخليج. والمعروف ان بريطانيا اتكلت على حكام الحجاز في التمرد على العثمانيين وتوجيه الرأي العام العربي تحت قيادتهم، كما هو معروف تاريخيا. ولو كان لبيت سعود وجود حقيقي أو مؤثر، وكانوا مناوئين للعثمانيين، فلماذا لم يعتمد الانجليز على بيت سعود بدل البيت الهاشمي لمساندتهم عسكريا ضد الاستانة. وكان مثل هذا الدور يمنحهم شرعية قيادة العرب أو اعلان مملكة عربية مقرها (نجد)، بدل الشريف حسين.
كما ان صورة الدور السعودي الوهابي بقيادة فيصل الدويش وغزواته الهمجية على القبائل والحواضر داخل شبه جزيرة العرب وعلى أطرافها، لم يكن له مبرر لو كان الوضع السياسي لأل سعود واضحا ومستقرا.
ان المؤرخ الراصد لمتغيرات المنطقة وتحركات سعود/ الدويش يؤكد حقيقة واحدة ووحيدة، هي أن الطموح السياسي وتطلع ابن سعود للمملكة الكبرى، جاء لاحقا، وانعكاسا للتحركات السياسية في الحرب العالمية الاولى، والقرار البريطاني بانهاء الحكم العثماني السلطاني، لصالح دول مدنية علمانية حديثة.
فجاءت الاستفزازات السعودية الوهابية على اطراف البلاد الخاضعة للحماية والدعم البريطاني، في الحجاز والى الشمال منها على طول الخط من شرق الاردن وجنوبي الفرات حتى الكويت. وهو استفزاز عسكري انتقامي، لاهمال بريطانيا الاهتمام ببيت سعود، ودعمهم اسوة بآل الصباح والشريف حسين والعراق الذي كان النفط يتدفق فيه قبل الاكتشاف الرسمي للنفط مع أوائل القرن العشرين.
ولم يتحسن وضع بيت سعود في لندن حتى بدء تعاونهم مع الامريكان وبدء عمل شركة ارامكو في السعودية، وكان لقاء [عبد العزيز- روزفلت] بمثابة شرارة انطلاق الحكم السعودي وحضانته الدولية. وسوف يبقى التوتر السعودي البريطاني من الاوراق المجهولة والملغزة حتى يعلن عنها للملأ.
*
لم يسمح البريطانيون للشريف حسين باعلان – مملكة العرب-، واستبدل المشروع بممالك وطنية في سوريا والعراق والاردن، وكانت المملكة المصرية قائمة بذاتها، إلى جانب ممالك ليبيا و المغرب واليمن وسلطنة عمان.
ولم يكن حكام مصر – قبل عبد الناصر- يفكرون في توسيع حدودهم، أو نفوذهم السياسي، كما ظهرت ملامحه في صورة الدولة القومية العربية، ومحاولة بدايتها الثنائية/ الثلاثية عام (1958) باتفاق [مصر- سوريا- العراق]، التي ما فتئت فشلت عمليا. لكن فشل التجربة الوحدوية لم يحدد من الهالة القومية لكارزما جمال عبد الناصر، وتحوله الى رمز وزعيم قومي، يدين الملايين بحبه والتطع نحوه. وقد بقيت مصر الناصرية عاصمة العرب وملجأهم الامن وملتقاهم المشترك.
لكن تقويض سياسة عبد الناصر على يد خلفه السادات، حرم مصر من مركزيتها السياسية والثقافية بالتدريج، وتوفرت عوامل سياسية واقتصادية في نظام البعث العراقي، في جذب الانظار اليه والتحول الى مركز استقطاب قومي خلال السبعينيات،ومحاولته اعادة احياء سياسات ومشروع عبد الناصر، الأمر الذي جمع ضده الاعداء من كل صوب.
ان حركة بؤرة المركزية العربية من القاهرة الى بغداد، جعل الرياض محطتها الثالثة، وذلك خلال قرن واحد. والأحرى بالنظام السعودي دراسة تجارب سابقيه، والاستفادة من دروسهم واخطائهم، ليتجنب تكرارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل