الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعرجي يدرس شعر الجواهري وحياته ما سبب حنق التركي المستعّرب عليه؟

شكيب كاظم

2016 / 12 / 6
الادب والفن


إن اهمية هذا الكتاب (الجواهري.. دراسة ووثائق) أتت من العلاقة الوثيقة التي ربطت بين شاعر العراق والعرب الاكبر محمد مهدي الجواهري، وبين مؤلف الكتاب، الباحث والشاعر الدكتور محمد حسين الاعرجي، الذي كان موضع ثقة الشاعر الكبير ومستودع اسراره، ومن الذين يملكون تأثيراً او بعض تأثير على الشاعر الكبير، اذا ما اتخذ قرارا في ساعة غضب او دلال، والجواهري، معروف بشدة الغضب، وعدم نسيان الاساءة، ولقد بلغ من علو منزلته في نفس شاعرنا ان اوصاه وزير الاعلام المرحوم سعد، نجل الصحفي الرائد قاسم حمودي، وصاحب الجريدة المهمة في تاريخ الصحافة العراقية (الحرية) أوصاه وقد أخبره (فرات) نجل الشاعر الجواهري، بان الاعرجي هو من يستطيع ثنيه عن قراره بان يحاول التأثير على الجواهري، كي يشارك بقصيدة في الاحتفال الذي أزمعت الوزارة اقامته، احتفاءً بشاعر كل العصور المتنبي سنة 1977، إذ كان الجواهري، ربما دلالا او زعلاً، هو الذي يرى -وأرى معه- انه لم يعط المكانة المادية والمعنوية التي يستحقها، وهو متنبي عصرنا، كان الجواهري رفض المشاركة في الاحتفال، يوم فاتحه الشاعر علي الحلي بذلك قائلاً: (يقتلون المتنبي الحي -يعني نفسه- ويريدونني أن احيي المتنبي الميت) تراجع ص282، من الكتاب.

الاعرجي، يميز بين نوعين من زعل الجواهري، الاول الذي يتخذه دلالاً وتدللاً، فيكون مستعدا للتنازل عنه، اما الزعل الآخر، الذي يتخذه اقتناعا، فلا يستطيع احد ان يزحزحه عنه، وضمن الاعرجي ان زعل الجواهري هذا كان دلالاً، لذا قبل تكليف الوزير الذي كان قد استؤزر حديثا، والذي عد نأي الجواهري بنفسه عن المشاركة، اخفاقا له في مهمته الجديدة.

يقبل الاعرجي بهذه المهمة، ويستطيع كبح غضب الشاعر، ومن ما يوحي بأنه قبل المشاركة، مداعبا نرجسية ابي فرات وشموخه وانفته، من ان وفوداً ثقافية ستفد الى الاحتفال كي تسمع قصيد الجواهري، وجاءت مقدمة الموافقة الجواهرية، بان قال له -أتتغدى معي غداً؟

كانت هذه الدعوة، تعني ان القصيدة ستكون جاهزة كي يتلوها على مسامع الاعرجي قبل الغداء مداعبا اياه هل كنت تحلم بان يقرأ لك الجواهري قصيدته قبل ان يلقيها في الاحتفال الكبير؟! وافتتح الجواهري الاحتفال شعراَ!

أراب الجنَ انسُ عبقري

بوادي الجن إفترس الجِنانا

دراسات جواهرية

لقد كتب الكثير عن الجواهري الكبير، منها الدراسة المهمة التي كتبها الدكتور عبدالحسين شعبان تحت عنوان (الجواهري.. جدل الشعر والحياة) طبع اكثر من طبعة، قرأته وكتبت عنه دراسة نقدية عنوانها (الجواهري الذي عاش قرناً.. في جدل الشعر والحياة)، نشرته مجلة (صوت الآخر) الصادرة في اربيل، يوم الاربعاء 19/من شباط/2012 بعددها المرقم 377- السنة الثامنة.

واعدت نشرها في كتابي المعنون (هوامش ومتون) وهو قيد الطبع في دار فضاءات للنشر في العاصمة الاردنية عمان فضلا على كتاب (الجواهري شاعر العربية) لمؤلفه عبدالكريم الدجيلي، الذي حاول الاساءة للجواهري تقربا من السلطة القائمة، ومجانفته لاصول البحث العلمي والنقد النزيه، وانه كان يدون (عثرات) الجواهري، او ما يظنه عثرات، فان اهمية هذا الكتاب (الجواهري.. دراسة ووثائق) كما سبق وقلت، جاءت من وثاقة صلة المؤلف بالجواهري، فضلا على كونه دارساً وباحثا اكاديميا ومحققا ثبتا ودارسا للعروض، واذا كان عبدالحسين شعبان يشاركه في مزية الصلة الوثيقة بالشاعر فان الافتراق يأتي من كون شعبان مختصا بالحقوق وعلم الاجتماع والسياسة. فضلا على الوثائق التي زخر بها هذا الكتاب المهم، الذي احتوى حتى على وصية الجواهري الاخيرة والتي خطها بيده ووثقها بشهود عند الكاتب العدل، فضلا على قصيدته التي يخاطب بها الصحفي اللبناني أمين الاعور، الذي كتب في جريدة النداء، بعد انقلاب شباط 1963 (لقد سلمت دجلة والفرات اذ سلمت يا أبا فرات) فنظم الجواهري قصيدته المدوية المعنونة بـ(امين لا تغضب) واذ لم تنشر القصيدة كاملة في الطبعة العراقية من (ديوان الجواهري) الذي تولت وزارة الاعلام طبعه في سنوات السبعينيات من القرن العشرين، وتوالى نشره وتحقيقه عدد من اساطين الثقافة والادب في العراق الدكاترة: علي جواد الطاهر وابراهيم السامرائي ومهدي المخزومي ورشيد بكداش لان فيها ما يمس بتوجهات الحكم الذي كان قائما في السنوات تلك، فان الاعرجي نشرها كاملة في كتابه المهم هذا.

الدكتور محمد حسين الاعرجي من الباحثين الاكاديميين الجادين، لذا أقام كتابه هذا على دراسة شعر الجواهري، مقترنا بدراسة حياته، مستفيدا من قربه منه، حتى انه يصف لنا طريقة نظمه لشعره، مما قد لا يستطيع معرفته من لم يحظ بان يكون قريبا منه، فالجواهري ينظم قصيده بطريقة الحداء، والتغني والترنم، فهو يظل يترنم بالبيت الاول حتى يأتيه البيت الثاني، فيظل يترنم به حتى يأتيه البيت الثالث وهكذا حتى يكمل نظم القصيدة، فاذا اتمها يكون قد حفظها كاملة، والجواهري معروف بقوة الحافظة، فكيف اذا كان الشعر شعره، كما انه يطلعنا على عادة من عادات الجواهري، انه ما ان يفيق من نومه، وقبل ان يغادر سريره، يبدأ بالحداء والترنم باشعاره القريبة الى نفسه، فاذا استوفى -كما يقول الاعرجي- وقرر ان يشرب قهوته، قفز من سرير نومه. تراجع ص 290.

وصف في شعر غربته

لكن بدأ شيء من الوهن يزحف الى شعر الجواهري -كما يقرر الباحث الاعرجي وهو المتضلع من علم العروض- بدأ الوهن يزحف الى شعره وهو في الغربة، لخفوت صوت الرقيب، فليس في بلاد الجيك من يعرف العروض، وليست هناك احتفالات ومهرجانات واختفى الترنم والحداء من حياة الجواهري، لكن اذا قبلنا تعليلات الاعرجي هذه بتوجس وحذر من ان الشاعر ينظم ما ينظم الان وهو في غربته، بعد ان زعل عليه (الجنرال) الذي كان يريد ان يحوله الى بوق دعاية، انه ينظم الآن لنفسه، لا لجمهور، ولا لشعب ولا لناقد، وانه ينظمه -كما يغلب على الظن- على فترات متباعدة، يريد ان يتسلى بما يكتب في وحدته، مما يعرضه الى نسيان المواءمة بين ما قال وما سيقول، ومما يجعل سلسلة الانسجام الموسيقي معرضة للانقطاع (تراجع ص210)، فإننا لا يمكن ان نقبل تعليله، (.. فهذا الذي نسميه الآن خروجا على الموسيقى والقافية، هو في الحقيقة خروج الجواهري على مواضعاتنا، وتقريعنا على اتباعها، وليس خروجا على مواضعات الخليل، وأرجو ان نتذكر في هذا المقام قول ابي العتاهية، الذي لا يرتضيه الجواهري تلميذاً له : (انا اكبر من العروض..) . ص 212.

وحقا ان عين الرضا عن كل عين كليلة، ونحن نشارك الاعرجي حبنا للجواهري ، لكن الاحترام لا يمنع من ان نوجه نقدنا لتخريجه هذا، فليس هناك من هو اكبر من العروض، وليس هناك من هو اكبر من قواعد اللغة، التي جافاها هادي العلوي في كتاباته، فجاءت كتابته خلواً منها.

لقد درس الباحث محمد حسين الاعرجي حياة الجواهري وشعره في كتابه هذا الذي أصدرته (دار المدى للثقافة والنشر) بطبعته الاولى سنة 2012، بسبعة فصول واقفا عند البدايات في مدينته النجف مروضا نفسه على قول الشعر، ثم محاولته الخروج من الشرنقة واقفا عند بذور تمرده، ثم غضبه العاصف، هو الذي يرى نفسه ملك الشعر غير المتوج، والمناجي نفسه، وأخيراً يقف الاعرجي عند بناء القصيدة لدى الجواهري، وقد كان يربط كل فصل بالذي يليه بعبارة تشد القارىء وتجعله يواصل القراءة كي يجد بغيته في الفصل الذي يليه، انه يجعل فصول كتابه الممتع والمفيد متصلة ببعضها بعضاً.

التركي المستعرب

وكما وقف الدكتور عبدالحسين شعبان في كتابه آنف الذكر، عند قضية معلم التاريخ أنيس النصولي، الذي الف كتابا طائفيا في التاريخ الاسلامي أثار حفيظة جمهرة واسعة من العراقيين، عنوانه (الدولة الاموية في الشام) دفع وزير المعارف السيد عبدالمهدي المنتفكي الى انهاء خدمات هذا المدرس، فان الدكتور محمد حسين الاعرجي في كتابه هذا (الجواهري.. دراسة ووثائق) وقف -كذلك- عند هذه القضية الاشكالية، التي جلبت عليه حنق وحقد التركي المستعرب مدير المعارف في الدولة العراقية الحديثة ساطع الحصري، الذي قال قصيدة في تحية قرار الوزير، جاء في مستهلها:

حي الوزير وحي العلم والادباء

وحي من انصف التاريخ والكتبا

فلم يوافق الحصري على تعيينه معلماً، مشككا في عراقية الجواهري وعروبته ولاسيما في مذكراته، مما تنفيه وقائع الحياة والاشياء، هذا الذي يشكك في عراقية الجواهري، لا يكاد يفهم قوله، إذا تحدث، فحديثه خليط من عاميات تركية وعراقية ومقدونية ويمنية، ولقد تحدث عن هذه المسألة الاديب المصري الكبير الاستاذ وديع فلسطين في كتابه المهم (وديع فلسطين يتحدث عن اعلام عصره)، إذ يسرد علينا، يوم دعي ساطع الحصري الى إلقاء محاضرة عن القومية العربية، ولم يكد يبدأ محاضرته، حتى بدأ الحاضرون يتهامسون بأية لغة يتحدث هذا الرجل؟ وأخذت الغالبية منهم بالتسلل من القاعة، حتى كادت تفرغ، ويوم يدعوه العلامة الامير مصطفى الشهابي رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي جاء القاهرة لحضور جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، يدعوه الى طعام غداء بصحبة ساطع الحصري يقول الاستاذ وديع فلسطين لم افهم من حديثه حرفا، فانتقلنا من العربية الى الانكليزية وتحاورنا من خلالها، ويوم يزور العلامة الدكتور مصطفى جواد، بوصف الحصري مفتشاً تربوياً يوم كان مصطفى جواد مدرسا بالمدرسة المأمونية ببغداد، هو المولع بنظم الشعر، ونشره في الصحف والمجلات، قال له ساطع: يا ابني الشعر بيزرك ما بينفعك، وعلق الجواد انه يعني بـ(بيزرك) قول العربي (يضرك) لان الحصري كان لا يحسن نطق الضاد فينطقها زايا!

وهي تورية ذكية من المصطفى الجواد بان ساطعا هذا ما كان عربيا، لانه لا يعرف نطق الضاد!

هذا الذي لا يجيد نطق ضاد العرب، ومعيار عروبة لسانهم، يحاول الاساءة الى عراقية الجواهري وعروبته، ولعل ما يؤيد ما اوردته آنفا الدراسة التي كتبها الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف المعنونة (مع المفكر والمربي الكبير ساطع الحصري) -تراجع صفحة (ذاكرة عراقية) من عدد جريدة (المشرق) الصادرة يوم الاربعاء 8/من كانون الثاني/2014- اذ يدعوه رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عبدالرحمن البزاز -رحمه الله- لالقاء محاضرة عامة في قاعة الشعب المجاورة لوزارة الدفاع، يقول الدكتور العلاف ما نصه (ولم يستطع الحصري القاء المحاضرة بنفسه لكبر سنه والقاها نيابة عنه احد الاشخاص ولا اتذكر اسمه) أ.هـ وأقول: ان عجمة لسانه هي السبب لا كبر السن كما فسره الاستاذ العلاف. فهذا التركي الستعرب لا يعرف التكلم بلسان العرب.

ختاما بودي ان أشير الى ان الاعرجي ينسب قوله (شيبني صعود المنابر) الى الخليفة الاموي هشام بن عبدالملك (ص89)، والصحيح انها لأبيه عبدالملك بن مروان، وهو ما افاضت فيه مصادر الدراسات النحوية واللغوية ومراجعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل