الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التانغو الاخير في باريس , جنون وابداع ...

سلمان محمد شناوة

2016 / 12 / 7
الادب والفن


التانغو الأخير في باريس ...

الإبداع حين يصل لدرجة الجنون والجريمة ...

كتبت الممثلة جيسيكا شاستان على تويتر "إلى كل من يحب هذا الفيلم. تشاهدون فتاة في الـ19 من العمر وهي تغتصب على يد رجل في الـ48. المخرج دبر هذا الهجوم. أشعر بالغثيان". وغرد من جهته الممثل كريس إيفانس "نعم ! لن أشاهد أبدا هذا الفيلم مرة أخرى. برتولوتشي أو مارلون براندو على حد السواء. أسوأ من الاشمئزاز، أشعر بالغيظ".

وعن هذا الفيلم تم ترشيح مارلون براندو , والمخرج برتولوتشي لجوائز الاوسكار ...

والحقيقة حين تريد تصوير مأساة أو بشاعة جريمة قتل , هل تحتاج إلى ارتكاب جريمة قتل وأنت تشرح للأخر بشاعتها , وإذا أرادت إن تبين للآخرين بشاعة الاغتصاب وتأثيره السلبي على الضحية , هل تحتاج إلى ارتكاب جريمة اغتصاب أمام الآخرين , حتى تثبت وجهة نظرك كم هي هذه الجريمة بشعة , وكم هي أثارها مدمرة على الضحية ...

اعتقد إن هناك أشخاص هم كذلك , لا يستطيعون إن يثبتون وجهة نظرهم حول قضية ما , إلا بارتكاب تلك الجرائم عينها , والتي يدعون المجتمع اوالاخرين إن يتجنبونها ...

يقول المخرج انه كان يحتاج إن يكون حرا حتى يستطيع تصوير المشهد بحرفية وإبداع , ومشهد الاغتصاب كان جزء من الحالة النفسية للبطل والفيلم ككل , كان الفيلم يتكلم عن حالة الضياع التي شعر فيها بطل الفيلم , وكانت علاقته بماريا , هي الحقيقة الوحيدة والتي تجعل لوجدوه معنى وهدف .

هذا الفيلم ربما يكون دراسة سيكولوجيّة عميقة في شخصية براندو، عن الماضي بكل آلامه والرغبة في الانعتاق منه، عن الجنس حينما يكون وسيلة للتواصل أو الهرب من العالم، وبرتلوتشي هُنا يتضح سمات أسلوبه، الفخامة البصريّة، الإغواء، الجنس، هو أكثر اهتمامًا بالتعبير الذاتي، واستخدام الانتقالات السريعَة ومحاولته لتحطيم الزمان والمكان، بل وحتّى تأثره بجودار عن طريق استخدامه للقطات غير متسقة للإيحاء بمعنى ما، أو ضربه لقواعد الكلاسيكية السينمائية عن طريق عدم التزامه بالسلاسة في قطعات المونتاج.

برناردينو برتلوتشي يخلق في فيلمه هُنا شخصيّات بشريّة لا تنتمي لهذا العالم، أو بدقّة أكثر هم يعيشون برؤية فرديّة شديدة الضيق، في مشهد الاغتصاب الشهير، يُمارس بول الجنس مع جين بشكل سادي جدًا، وتقود جين بالبُكاء، ورأى النقّاد أن بُكاء جين بسبب ألمها وفي نفس الوقت رفضها لأن تتخلّى عن بول مهما كانت تصرّفاته، البقاء مع بول هُنا رمزًا ومعادلًا واضحًا ليأسها الاجتماعي، إنها تتمسّك ببول بديلًا للهرب، جين تظهر عارية في كثير من الأحداث بالفيلم، تتعرّى هي لأنها تبحث عن الحلول مُعتقدة بذلك أنها إيجابيّة وفي نفس الوقت هو استكشاف للمُستقبل بالنسبة له، بينما بول وصل إلى قمّة اليأس، وهو بممارسته الجنس يريد أن يتحرر من الماضي ويوقف التواصل مع ما لا يريد أن يعود إليه، الماضي بكل ما فيه .

هو فيلم ولكن أرد المخرج إن يتم تمثيله بحرفية لدرجة الإبداع , لدرجة إن تزول الحدود بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي , أحيانا لدرجة الذهول , أو لنقل لدرجة الاغتصاب بالزبدة , لا يهم , ولكن الذي يهم إن يصل الفيلم لدرجة الذهول والدهشة والإبداع ..

وربما حقق الفيلم هذه النتيجة ولكن على حساب من , مشهد الاغتصاب بالزبدة كان مبدع لدرجة الجنون والجريمة بنفس الوقت , فهل يحق للمبدعين ما لا يحق لغيرهم , هل يحق لهم ارتكاب الجريمة بحجة الإبداع ؟



ماذا يعني ذلك , هل نحن أمام أشخاص سويين , أو مرضى يستمتعون بعملهم لدرجة الإبداع , الإبداع المريض , نقول مالفرق بين القاتل المجرد من الضمير والذي يقترف جريمته بكل وحشية ورغبة ولذة , يستمتع بما يفعل , وبين المعلم أو المدرس أو حتى المخرج الذي يريد شرح أو إعادة تمثيل واقعة , والهدف من عمل إن يبين للمجتمع خطورة هذا الفعل .

الفرق بين الاثنين إن المجرم اقترف جريمته بعيد عن العيون لا يعرف به احد , أما الأخر يقترف جريمته أمام عيون المشاهدين , يستمتع ويستلذ بفعلته مرتين , مره لانه يقترف جريمة والأخرى لان هناك ملايين المشاهدين يستمتعون مثله ويباركون فعله , ويعطونه الجوائز في المحافل الدولية , لأنه مثل مشهدا قارب حد الكمال , يصل فيه إلى درجة القاتل أو المغتصب نفسه ...

إما هي حيلة المجرم حتى يبارك فعلته أمام الجماهير ...

هل يمكن إن نقول هذا ما فعله بالضبط المخرج برتولوتشي والممثل برنادو , حين فكر احدهما أو كلاهما بجعل المشهد التمثيلي في الفيلم حقيقة واقعة اغتصاب حقيقي أمام العدسة وعيون كادر الفيلم , هل نحتاج إن نرتكب جريمة , أو واقعة اغتصاب , حتى نبين كم هذا الفعل أو هذه الجريمة بشعة ومقرفة وخارج أطار الإنسانية .

انا لا استطيع إلا اصف هؤلاء بأنهم ساديون لدرجة البشاعة , ولكنهم كان لهم من السلطة والقوة أنهم بمكان المصلح ولم يكونون بموقع القاتل أو المغتصب أو المجرم , ولكنها جريمة اكبر وفعل أدنى , حين يصبح صاحب السلطة مجرما أو قاتلا أو مغتصبا ...

تقول الممثلة "دموعي كانت حقيقية فقد شعرت بأنني أهنت واغتصبت" وكانت قد صرحت عام 2007 (وقبل بضع سنوات من وفاتها في 2011) للدايلي ميل , وأنها كانت حتى تجهل أنه من الممكن أن ترفض تصوير مشهد لم يرد في السيناريو وأنها شعرت بالإهانة وإلى حد ما وكأنها اغتصبت على يد هذين الرجلين اللذين استغلاها, كان علي أن أتصل بوكيل أعمال أو أستدعي محامي إلى مكان التصوير، فلا يمكن أن نرغم الممثل على تصوير ما لم يرد في السيناريو. لكن في ذلك الزمن لم أكن أعلم ذلك.

مارلون قال لي "لا تهتمي ماريا ليس سوى فيلما". لكن أثناء التصوير، وحتى إن كان ما يفعله بي مارلون لم يكن حقيقة، فإن دموعي كانت حقيقية. شعرت بالإهانة، وحتى أكون صادقة، أشعر بأنني اغتصبت نوعا ما على يد مارلون وبرتولوتشي. بعد هذا المشهد، لم يواسني مارلون ولم يعتذر. لحسن الحظ لم يصور المشهد إلا في لقطة واحدة".

فلا شك أن مواجهتها براندو الذي يكبرها بـ29 عاما وبرتولوتشي الذي يكبرها بـ12 عاما، حين انطبق عليها الفخ، لم يكن أمرا هينا ولا كانت تملك المؤهلات اللازمة للخروج من الأزمة.

حقيقة كمية من الغضب والدهشة والذهول تعتريك حين تكتشف إن هذا الفيلم استغفلك وارتكب أمام عينيك جريمة , ثم يطلب منك إن تبارك هذه الجريمة ...

ويعود بي السؤال مجددا عن الفضيلة وماهي مقومات الفضيلة , ومن هم حراس الفضيلة بالمجتمع , وبنفس الوقت ماهي الرذيلة , ومن هم صناع الرذيلة وحراسها في المجتمع .

دائما يوجد لديك ذاك الشعور انك بجانب الخير وان من حولك هم الرجال الأخيار , وانك دوما ضد الشر ودائما تتجنب إن تسير أو تكون مع الأشرار , والسينما دوما كانت أخاذة جميلة محببة , دائما تتخيلها بجانب الخير تحارب الشر , ولكن تكتشف إن هذه الشاشة الكبيرة أصبحت أداة من أدوات الشر , وأنت تجلس إمامها متفرجا على جريمة أصبحت أنت جزء منها متفرجا ومشاهدا , وفي داخل نفسك تعتقد إن هذا هو الخير تباركه وتناقشه وتدافع عنه .

اجل انه الغضب يعتريك حين تكتشف إن أجمل ما تقدمه السينما هو أسوء ما قدمته , وان هذا الإبداع المذهل والذي يستحق المشاهدة والجوائز وتكريم الممثلين والمخرج , إن إبداعهم كان في ارتكاب جريمة حقيقية , وليس إبداع في محاكاة هذه الجريمة , وليس إبداع في خلق شخصية هي غريبة عن المجتمع .

"التانغو الأخير في باريس" هو الفيلم العالمي الوحيد الذي أثار حين صدر عام 1972 عاصفة بهذا الحجم من الرفض في قلب أوروبا، بتهمة خدش الحياء العام. فمنع الفيلم في فرنسا للأقل من 18 سنة، وصنفته العديد من البلدان "بورنوغرافيا". لم يكن المحتجون على الفيلم من خارج الوسط السينمائي فإلى جانب الشارع والجمعيات العائلية، أطلق النقاد سهامهم اللاذعة لفيلم اتهموه بالفسوق .

منع الفيلم إطلاقا في إيطاليا، بلد المخرج برناردو برتولوتشي الذي أسقطت عنه حقوقه المدنية. وتحت ضغط الفاتيكان حكم القضاء الإيطالي عليه وعلى بطلي الفيلم، ماريا شنايدر ومارلون براندو، بالسجن مع وقع التنفيذ بتهمة "البورنوغرافيا".

وقد اعترف المخرج بأنه يشعر بالذنب، فهو يدافع من جهة أخرى على موقفه مؤكدا أنه كان يسعى إلى تصور مشهد يكون الأقرب إلى الواقع وأنه كان يريد الحصول على ردة فعل شنايدر "كفتاة وليس كممثلة". فيقول "للحصول على نتيجة (تذكر) يجب أن تكون حرا بالكامل. لم أرد أن تمثل ماريا إحساسها بالإهانة والغيظ ، أردتها أن تشعر فعلا بالغيظ والإهانة". لكن هذا الموقف لا يغفر شيئا . فماريا شنايدر كانت في ذلك الوقت في الـ19 من العمر.

نعود لموقفنا نحن إنا وأنت , من هذا الإبداع القاتل والمريض , والحقيقة إن السينما كانت دائما تستهوينا , لأنها تفتح لنا عوالم لا نستطيع الولوج لها , فكانت بوابة الأحلام , ولكنها بنفس الوقت , كانت تتحدث عن قيم اجتماعية , فهي كانت إما تؤكد قيم نحافظ عليها أو قيم نرفضها , السينما في الحالتين , كانت تفتح لنا الطريق وتجعلنا نفكر ونبحث عن الحقيقة وكان فيها إبداع وإسفاف , والإسفاف متفقين على رفضه , لكننا كنا دوما يستهوينا الإبداع والمبدعين , خصوصا في السينما , لأنها تجمع الصورة والكلمة وتخلق لنا صور تستقر ولمدة طويلة في الذاكرة وتشكل ثقافة لذلك كنا دوما مع الإبداع الحر ..

ولكن حين يصل الإبداع إلى إن يصبح جريمة , ساعتها يجب إن نتوقف ونتساءل ونستنكر ,إن هناك شيئا خطا .. فهذا ليس مجرد فيلم كما قال المغتصب للضحية , ولكنه فيلم يشاهده الملايين ويستقر في الوجدان ..ثم يصبح مدرسة بعد ذلك لها روادها ومتابعوها .. والخطر ان تصبح طريقا يفتح للجريمة والشر ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب