الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلق الاسئلة في - تجليات العزلة - للشاعر قحطان جاسم

سلام صادق

2016 / 12 / 8
الادب والفن


تسلمت بفرح غامر المجموعة الشعرية الجديدة " تجليات العزلة " للصديق الشاعر قحطان جاسم ، الذي لم اقرأ له من قبلُ نصوصا عديدة رغم صداقتنا الوطيدة .
قرأتها قراءة اولى كمتذوق للشعر ، وكان هذا بحد ذاته ما شجعني على قرائتها قراءة ثانية متأنية من اجل تسجيل هذا الانطباع السريع عنها ، الذي قد يتخذ شكل قراءة اجتهادية احاول ان اتلمس من خلالها عوالم قحطان جاسم الشعرية .
تشكل القصيدة بالنسبة للشاعر هاجسا تعبيريا ووسيلة لاستعادة ذاكرة ثرة غنية بالتفاصيل والتجارب قبل ان تطالها يد النسيان في زمن التحولات السريعة والمفاجئة الذي نعيشه .. فنراه يعود الى طفولته – ماضيه – وطفولة الاشياء من حوله ليبحث فيهما عن ذاته التواقة لدهشة الاكتشاف من خلال تداعي الصور التي عايشها وعايشته :
مدن شحبت تواريخها
تضرب جذورها في ارقي
كشكوك الصبايا .
او : هي المحطات
حدائق للغرباء
ارتباكات مبهمة
تفاصيل طارئة
او ضحكة للتحايل
المحطات :
لِمَ بابُك مقفل اليها ؟
يحاول قحطان - مثل اغلبنا - صياغة آلامه وخساراته شعرا ، لكم مايميز قصيدته التي تتناول هذه الثيمة هو تنقيبه العميق في مغاور اللغة من اجل العثور على جوهرها الصقيل والمختلف والمختار بعناية فائقة ، والذي في نفس الوقت يجعلها تتمتع باكتفاء ذاتي يتراوح في حالة وسط بين الحدود القصوى للاسهاب غير الضروري او الاختزال المبتسر .
انا سكران
اريد ان امسك بجمرة الانفعال
ساحمي نفسي من زلزال الضيم
الغابة موحشة حين لاتكونين معي
الى اين سأذهب ؟
بالاضافة الى هذا فالكلمة لديه لها وقع خاص داخل النص لكي تعبر عن جملة من حالات وارهاصات مستمدة من ثنايا تلك الذاكرة الموغلة في الفقدان والتوق وتزودها بدلالات وتاويلات لا يصعب على القاريء الاتيان بها من مخياله الخاص، وان تعددت تلك الايحاءات او الايماءات المكتنزة بالدلالات، فسوف تتعدد القراءات حتما ، ويكون هذا في صالح النص بالمحصلة .
ليس وشاح الهزيمة مايقلقني
بل دعارة الصوت
وهو يهرب من نسغه
يكتب قحطان نصوصه بعفوية تامه ، لكنها عفوية منضبطة وغير سائبة ، منضبطة ليس بضوابط واملاءات أوشروط خارجية ، لكنها منضبطة وملتزمة بما تقتضيه جمالية النص وما تفرضه ضرورات الكتابة الشعرية وحرية الابداع فقط
لا افق لصدى النحيب المتأخر
والتجليات في مغارة الرب
غير محمية من حجارته السجّيل
عند فراقك
الاغنية المستعارة
نواحٌ عقيم .
فقلما نعثر في نصوصه على اسقاطات لما هو غير شعري ، رغم ان الاسقاط السياسي خاصة يتصدرالمشهد الثقافي الآن كما في السابق حيث مآسينا التي مازالت ماثلة ومستمرة ، لذا نرى ان قحطان يجبر اللغة على المطاوعة والسلاسة من خلال ما يمنحها من شحنات ايحائية وهذا بدوره يضفي عليها حصانة خاصة لتبقى بعيدة عن النبرة الوعظية والمؤدلجة والقرع الطبولي الزاعق الذي يقع فيه الكثيرين ، واكثر ماذهب اليه في هذا الاتجاه هو قوله :
لم يودع احداً
كانت الطريق الى بابل
معتمة كالمقبرة
" والبلادُ رفعت فخذها راية
للهزائم والمغانم "
يبقى قلق قحطان واثارته للاسئلة هو الهاجس الذي ينتظم معظم النصوص في كتابه " تجليات العزلة " وكانه يريد ان يختصر عزلته في نشيد لغوي واحد وزعهُ على 54 صفحة ، هذه المقاربة تكون اكثر واقعية سيما اذا عرفنا بان قحطان شاعر مناخات وطقوس وصور ، فلا بد ان ينتظمها خيط سري ما يشدها الى بعضها لايمكن الامساك بطرفيه بسهولة :
تلمُ شظاياك
في تلف المرآة
تٌبحر في فضتها
وتلقي السؤال ذاته
هل كان الوشاة هنا ؟
يكتب الشاعر عن الانسان ليعرضه كحالة خاصة متفردة و " نسيج وحدها " بعيدا عن التاطير في الزمان والمكان او السلوك وطريقة التفكير فالفردية لديه جوهر مقدس وان كان بالمحصلة يقود الى هم جماعي مشترك ، لكن يبقى الطريق الى هذا الاعتقاد سالكا لديه من خلال اصالة المعاناة" الفردية " الخاصة وما يجمعها من قواسم مشتركة او مماثلة مع الاخرين :
حين يذهب الاخرون الى النوم
او الى لعبة شبيهة
يرمم بتؤدة صارمة الالم
يشذب اسرارهُ كالازهار
ويبدأ كعادته حفلة العزلة
حيثُ لاباب للخديعة
او الهروب
الوليمةُ لهُ وحده !
كثيرة هي اشراقات قحطان في الحب ، والتي تكاد تقرب من صوفية " مستلبة" يحاول ترميمها بالشعر ،انه يتوسل الكشف بهذا الشغف الانساني عن اللا انسانية وتعريتها .
هل تسمعين ؟
نهاري كذبة وعقيم
والليل فجأة كالجثة
يتكوم غامضا في حقل وحدتي
.......
خذيني اليكِ
حين تطل لحظة الحصار
حيث...
ليس سوى الفراغ في الكلمات
وامنية مشنوقة
عند حافة سرير مهجور .
أو :
اني احبك
رغم جفاف السنوات
واحتضار راسي .
وفي مرة اخرى نراه يقترب بوجل من حدود الرومانسية التي سرعان ما تتخطى نفسها وكانها تتوارى خلف اللغة تاركة لنا اصداءً شفيفة مفعمة بهمٍ انساني اكبر .
حين لاتكونين معي
الى اين سأذهب
وكل اتجاهات اللحظة حرائق .
قحطان جاسم اذن شاعر له خصوصية ، واهمية نصوصه الشعرية تنبع من هذه الخصوصية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال