الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة إلى الوعي بالذات الجماعية

محمد شودان

2016 / 12 / 11
السياسة والعلاقات الدولية


في الحاجة إلى الوعي بالذات الجماعية
إننا نحن المنتمين إلى ما يسمى بدول العالم العربي، في أمس الحاجة إلى ثورة ثقافية تعزز فهمنا لحركية التاريخ، وتسمح لنا بالتموقع الاستراتيجي لمواجهة تحديات العصر، وتؤمن لنا ركوب قطار العولمة أو توجيهه بما يخدم مصالحنا الطبقية والحضارية والأممية، وقبل هذا وذاك توفر لنا إمكانية إدراك موقعنا وتحقيق وعي بالذات، وهو بالضبط ما نحن بأمس الحاجة إليه.
إن المتأمل في شخصية الإنسان "العربي" يدرك بسرعة الحالة الرهيبة التي وصلتها، والمطبوعة بالضياع والإحساس بالهوان وعدم الاستقرار، بل والأخطر من ذلك عدم الإحساس بالانتماء وضياع الهوية. الأمر الذي تولد عنه هذا التشردم والانحطاط في السلم الحضاري.
إن القول بعدم الإحساس بالانتماء وضياع الهوية ينبغي ألا يؤخذ بمحمل الهزل أو/والتجزيئ، والمقصود بالهوية في كلامي هي هذه الهوية الجماعية التي تشمل الانتماء الحضاري العام، ذلك أننا ننتمي حضاريا إلى ما كان يوما دولة إسلامية بمقوماتها الاجتماعية والثقافية والعلائقية والتي اندرجت فيها عدة مقومات محددة للهوية كمكون الدين (يهودي، مسيحي، مسلم) واللغة (العربية واللغات واللهجات المندرجة تحتها، سواء أكانت عاميات محلية أو لغات الشعوب التي اندرجت بفعل التفاعل الحضاري والاجتماعي عبر قرون من الزمن ضمن المكون العربي " أمازيغية، كردية، فارسية تركية أفريكانية...") والأعراق والأجناس، (عرب، سود، فرس، سلاجقة، تركمان، أكراد....)والخضوع لتجربة الاستعمار الغربي و/أوالاحتكاك معه، هذا الاحتكاك الذي كان دوما في صيغة صراع، منذ الصراع الروماني الفارسي، والفتوحات الإسلامية مرورا بالحروب الصليبية، والامتداد العثماني والصراع الدائر الآن في رقعة الشرق الأوسط،
وبما أن الأمم تتأرجح في السلم الحضاري صعودا ونزولا فإن حالة الاتضاع التي دخلتها حضارتنا قد أخذت ردحا طويلا من الزمن، ولطالما طرح ذلك السؤال/الإشكال: لماذا تأخرنا عن الركب الحضاري؟ والحق أنه سؤال مشروع لأن التشخيص القويم يعطي الحلول الناجعة، لكن وببالغ الأسف طالت محاولات التشخيص، واصطدم بعضها بحواجز المقدس من جهة، والجهل والأمية التي تنخر الأغلبية الساحقة من أبناء هذه الرقعة الجغرافية، من جهة أخرى ثم بجدار الدول الإمبريالية وعملائها المستفيدين من استمرارية الوضع، الأمر الذي ولد فينا جماعات وأفرادا حالة نفسية خطيرة أهم أبعادها الانزواء والانكفاء والتقوقع عن الذات، وهذا بالضبط ما سرع ببروز مشكل الهوية، خاصة وأن من المحاولات التشخيصية والتي لقيت دعما داخليا وخارجيا مغرضا تدعوا إلى تقليص حدود الهوية ومن أهم ملامحها:
الهوية الدينية:
لقد رافق هذه الوضعية بروز تيارات أصولية تجد سبب تخلفنا الحقيقي في الابتعاد عن الدين وبالتالي سارعت في بناء خصوصيات مغلقة، اتخذت عدة تسميات (الوهابية، الشيعة، السنة، الإسلام المعتدل، الجهاديون...) وهذه الجماعات بما أنها كونت لنفسها مفهوما خاصا وتحديدات مفصلية للهوية سارعت إلى الانفصال عن باقي المكونات الأخرى بل وواجهت بعضها سياسيا وحربيا، لاسيما التيار العلماني. والمواجهات القائمة والدائمة بين الشيعة والسنة.
الهوية العرقية:
ظهرت في المناطق التي يكثر فيها السكان الأصليون كأمازيغ شمال إفرقيا وأكراد الشرق وأقباط مصر وقبلهم الفرس... توجهات وفصائل إثنية ترى أن الحل الأمثل للحاق بركب التطور هو بناء دول أو دويلات محلية، يحكمها حاكم ناطق باللغة المحلية، بل ومنهم من ينادي بلا عروبية العرب المتواجدين معهم، أو حتى طردهم. (كما قال احد نشطاء الحركة الأمازيغية:" جاء العرب على الناقة، وسنردهم بالطائرة") وهذا الطرح يجد مشروعيته لدى البعض، خاصة وأنه يتميز بطابع عاطفي يسمح بدغدغة بعض المتعصبين، ولاسيما السائمين واليائسين.
الهوية الوطنية:
إنها أول مشروع قادته الأنظمة التي خلفها الاستعمار، والتي تسعى إلى تكريس وحدة قومية تقوم على حدود القطر الجغرافي، وقد نهجت من أجل إنجاح الأمر عدة تكتيكات أهمها سياسة فرق تسد، وذلك من خلال توزيع مناطق الدولة الواحدة على أساس يمزق حدود القبيلة أو التجمع القبلي، وتفريغ مفهوم القبيلة من محتواه، خاصة مكوني الشيخ والمقدم(بالنسبة للمغرب). وخلق صراعات بين القبائل والقبيلة الواحدة من خلال عملية الانتخابات وتوزيع الشخصيات النافذة بين الأحزاب،... هذا على المستوى الداخلي أما بالنسبة للعلاقة بين الأقطار المنتمية إلى المكون الحضاري الواحد (الدول العربية) فقد تم شغل المواطنين وتشتيتهم بحروب بينية كما في حرب الخليج 1 و2 و حرب الرمال بين المغرب والجزائر، ومشاكل الحدود المتحركة وغيير المضبوطة.
الهوية الإديولوجية: كان مفعولها قويا إبان الاتحاد السوفييتي، وتاثيرها حقا لا يزال ساري المفعول، خاصة عند الفصائل الراديكالية، وإن المشكل الهوياتي الذي خلقته هذه الهوية لا يتمثل في علاقتها بالإديولوجيات الأخرى كالفكر الليبرالي أو غيره، بقدر ما خلقته من صراعات من داخل الخط اليساري، والاتهامات بالخيانة والتحريف المتبادلة بين الفصائل.
إن كل ما ذكرت وغيره يساهم في تفتيت مكونات الهوية وتشتيت الأفراد والجماعات، وأخطر ما ينتج عن هذا هو ذلك الغموض في تحديد الحليف والعدو.
بقلم محمد شودان
قد يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت