الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفشل التام لنظام القطب العالمي الاوحد لاميركا

جورج حداد

2016 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


في مطلع تسعينات القرن الماضي وقع حدثان دوليان مترابطان قلبا تماما ميزان القوى على الساحة العالمية:
الاول ـ هو تفكيك الاتحاد السوفياتي، بعد هدم جدار برلين وانهيار المنظومة السوفياتية في اوروبا الشرقية.
والثاني ـ هو طرد نظام صدام حسين من الكويت، وسحق الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية.
صعود العنجهية الاميركية
وبنتيجة هذين الحدثين، برزت اميركا لا بوصفها دولة عظمى فحسب، بل بوصفها قوة ساحقة، لا يقف ولا يستطيع ان يقف بوجهها اي طرف آخر، وتأخذ على عاتقها وظيفة بوليس دولي جبار، اذا رسم خطا احمر في اي بقعة في العالم، فالويل لمن يتجاوزه.
"انسانية!" الدمقراطية الغربية
وبناء على هذا المعطى الدولي الجديد اسرعت غالبية المحللين الدوليين، بمن فيهم "شيوعيون"، لنعي الدولة الروسية، وتحضير الرأي العام الدولي لدفنها، باسم الدمقراطية وحقوق الانسان والحقوق الاتنية والدينية والقومية والمجتمع المدني وحتى جمعيات الرفق بالحيوان، جنبا الى جنب جوقة حفاري القبور الارهابيين "الجهاديين" الاسلامويين قتلة الاطفال والعجزة والمرضى والمواطنين العاديين الروس، وهي الجوقة التي كانت ولا تزال تسيّرها المخابرات الاميركية والاسرائيلية والتركية والمليارديرية اليهود الروس وغير الروس. وحينما قام العميل بوريس يلتسين، بأوامر مباشرة تلقاها من البيت الابيض الاميركي بواسطة الانترنت، بقصف البرلمان الروسي بالدبابات واحراقه في تشرين الاول 1993، وقتل اكثر من 200 وجرح اكثر من 1000 من المعتصمين فيه، واعتقال غالبية نواب البرلمان وقادة الجيش والشرطة والمخابرات وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين الاخرين، المعترضين على "الغاء" الاتحاد السوفياتي، صفقت الكتلة الغربية بأسرها وعلى رأسها الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية لهذا "النصر المؤزر للدمقراطية" على "التوتاليتارية" و"الهمجية الروسية".
الطبعة الاميركية للشعار الهتلري القديم: النظام العالمي الجديد
وعلى خلفية هذه اللوحة السوريالية النموذجية للدمقراطية الغربية، اسرع الرئيس الاميركي حينذاك جورج بوش الاب، والبعض يقول تسرّع، في الاعلان عن قيام "النظام العالمي الجديد" ذي القطب الاميركي الاوحد. وهو نسخة معدلة عن شعار هتلر القديم: نظام عالمي جديد... و... المانيا فوق الجميع.
ولم يفعل بوش الاب سوى ان استبدل المانيا بأميركا.
ومنذ ذلك الحين، وفي عهود مختلف الرؤساء الاميركيين منذ عهد جورج بوش الاب، تعمل السياسة الخارجية الاميركية انطلاقا من القاعدة الستراتيجية "الذهبية" لفرض السيطرة المطلقة لاميركا على العالم اجمع.
الخطوط العريضة لستراتيجية الهيمنة العالمية لاميركا
وقد وضعت القيادات الامبريالية الاميركية بالاشتراك مع القيادة اليهودية العالمية الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الاميركية لوضع هذه الستراتيجية موضع التنفيذ. واهم هذه الخطوط هي:
الفاشية المعادية لروسيا
ـ1ـ قلب الاوضاع تماما داخل روسيا والسيطرة عليها الى درجة محاولة استعمارها المباشر ونهب خيراتها، بواسطة الطابور الخامس الموالي للغرب، والاوليغارخية الخائنة والمليارديرية اليهود والعصابات المافياوية والارهابية الاسلاموية، وفي الوقت ذاته تطويق روسيا وعزلها خارجيا، والضغط عليها اعلاميا ودبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، على طريقة كسارة البندق. ومن العار على مؤسسات "الحضارة" الغربية كلها بما فيها الفاتيكان (الانساني جدا!) ان مراكز الابحاث واستطلاعات الرأي والصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة الغربية كانت في عهد يلتسين في التسعينات تصاب بهستيريا الفرح وتقيم حفلات التطبيل والتزمير والاعراس في كل شتاء لدى الاعلان عن موت مئات المشردين والاطفال المتروكين، من البرد والجوع، في شوارع موسكو وغيرها من المدن الروسية الكبرى. ان الشعب الروسي العظيم انقذ اوروبا كلها من النازية، وانقذ اميركا ذاتها من الصواريخ والقنابل الذرية التي كان النظام الهتلري على وشك انجازها. ولو ان الجيش الاحمر، بعد ان رد الهتلرييين واقتحم الحدود الالمانية أخّر اقتحامه لبرلين بضعة اشهر فقط لكانت القنبلة الذرية الالمانية سقطت في نيويورك وواشنطن، بدلا من ان تسقط كقنبلة "اميركية!" في هيروشيما وناغازاكي. ولكن بالمقابل فإن "الحضارة الدمقراطية" الاميركية خاصة واليهودية والاسلاموية والفاتيكانية والغربية عامة تهلل وترقص على قبر كل روسي ولو كان شيخا مقعدا او طفلا رضيعا لا حول لهما ولا طول، تماما كما يرقص اليهود على قبور الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين.
الحقد الاعمى على ايران الثورية
ـ2ـ تحريك ودعم واستتباع كل اشكال المعارضة الداخلية (المحقة او غير المحقة) ضد السلطة الثورية الايرانية، وتطويق وعزل ومقاطعة وتهديد ايران، اعلاميا ودينيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، في محاولة يائسة لاعادة ايران الى "بيت الطاعة" كدولة عميلة للغرب كما كانت في عهد الشاه. واستطرادا شن حرب شعواء ضد حركات التحرير والمقاومة في منطقة الشرق الاوسط الكبير، ولا سيما التيار الثوري الشيعي، من باكستان الى فلسطين ولبنان ومصر والجزائر، بالتعاون مع "القاعدة" و"طالبان" ونظام صدام حسين واسرائيل وتركيا والطوابير الخامسة "الليبيرالية" ومختلف المجموعات الاسلاموية.
مشروع "الخلافة!" الاسلاموية made in USA
ـ3ـ العمل بكل الوسائل الممكنة لتغيير ستاتيكو نظام انظمة سايكس ـ بيكو المخلخل واقامة امبراطورية اسلاموية عثمانية جديدة على انقاضه، تمارس اميركا بواسطتها، وبالتعاون التام مع تركيا واسرائيل، فرض قبضة حديدية على منطقة الشرق الاوسط الكبير، تمهيدا للعهد القادم: عهد بداية استخراج الغاز والنفط على نطاق واسع من منطقة شرقي المتوسط، مما سيقلب تماما الخريطة الستراتيجية في العالم، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
اميركا زرعت الوهم وحصدت الفشل
واذا راجعنا تطورات الاحداث في الـ25 سنة الماضية، نجد ان اميركا ألقت بكل وزنها لتحقيق ستراتيجية فرض نظام هيمنة القطب الاميركي الاوحد على العالم. ولكنها فشلت فشلا ذريعا. ومن اهم علائم هذا الفشل:
اولا ـ ان روسيا لوحدها، وبدون دول الاتحاد السوفياتي والمنظومة السوفياتية السابقة، عادت لتضطلع بدور القطب الدولي الجبار، المناقض لاميركا، بأشد مما كانت عليه روسيا في العهد السوفياتي ذاته.
ثانيا ـ ان ايران خرجت منتصرة من المواجهة مع اميركا وكتلتها. وبعد ان كانت ايران تمثل "عنصر ازعاج" جانبيا لاميركا واسرائيل وتركيا ومشيخات الخليج النفطية، تحولت الى القوة الستراتيجية الاقليمية الرئيسية التي لا يمكن معها لاميركا ان تقطع خيطا في المنطقة بدون ان تأخذ في الاعتبار موقف طهران.
وثالثا ـ بدلا من ان يحتفل البيت الابيض بقيام "خلافته الاسلاموية" في القرن الحادي والعشرين، وارسال سفارة اميركية عظيمة لتهنئة "خليفة آخر زمان" برفقة هدية استثنائية من آلاف الجواري والغلمان والخصيان، واطنان الكبتاغون والهيرويين والكوكايين... بدلا من ذلك، فإن الدبلوماسية الاميركية لم تضطر فقط للاعلان عن فشلها في اقامة الخلافة الاسلاموية، بل انها اصبحت تلهث خلف الدبلوماسية الروسية لاخذ دور في جبهة مكافحة المنظمات الارهابية التي هي كلها made in USA.
بوتين يقدم النصيحة لترامب
وفي مقابلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجراها في الاسبوع الماضي مع قناة NTV.Ru اشار الى فشل هذه الستراتيجية الاميركية، ومما قاله انه يعتبر ان الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب هو رجل بيزنس ذكي، ويمكنه ان يدرك مسؤولية الادارة كرئيس للولايات المتحدة.
واكد الرئيس الروسي ان محاولات فرض نظام الاحادية القطبية في العالم قد فشلت، وان التوازن على الساحة الدولية يسير نحو التعافي. وقال حرفيا "ان الوضعية قد تغيرت. واعتقد انه لم يعد سرا على احد وان الكل يرى ان الكثير من شركائنا اصبحوا يفضلون ان يبحثوا بأنفسهم عن مبادئ الحقوق الدولية، لان الميزان الدولي اخذ يتعافى بالتدريج". "لقد اصبحنا نعيش في زمن معيار مختلف. ولكننا نحن في روسيا، فقد كنا دائما نأخذ بالحسبان، انه حينما نحافظ على مصالحنا القومية الخاصة، ينبغي ان نأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين". "وهكذا نحسب ان نبني علاقاتنا مع الجميع". وبحسب رأي الرئيس الروسي ففي العالم المعاصر تسمع اصوات اولئك الذين يكون صوتهم عاليا الى الدرجة التي يمكن معها ان يُسمع.
وعلق بوتين على انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الاميركية، فقال انه رجل ذكي وسيعي مسؤولية ان يكون رئيس "احد البلدان القائدة في العالم، احد الاقتصادات القائدة، احدى القوى العسكرية القائدة". "وان توصله الى النجاح كرجل بيزنس، يدل على انه رجل ذكي. وطالما انه رجل ذكي، فهذا يعني انه بشكل عام وبسرعة سوف يعي اختلاف مستوى المسؤولية التي اصبحت تقع على عاتقه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت