الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صادق جلال العظم ورواية آيات شيطانية

الهيموت عبدالسلام

2016 / 12 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


انحفرعميقا في ذهني أنه حين صدرت في ربيع 1989 رواية "آيات شيطانية" لكاِتبها "سلمان رشدي" أطلق " آية الله الخميني" آنذاك فتوى بهَدْر دم "سلمان رشدي" وقتلِه وقد تمّ تخصيص مكافأة سمينة لِمَن استطاع تصفيته جسديا ،استوعبتُ أن هذه الشعوب تتحرك بغريزتها وحسيتها وتعطيل كبير لعقلها.

و ما إِن شاع خبرُ الفتوى الدّاعية للقتل بدعوى المسّ بالرسول حتى خرجت جحافل في إيران وباكستان وبنغلادش وأفغانستان وفي دول أخرى حاملين الهراوات والسلاسل وحتى الأسلحة النارية يحرقون في طريقهم كلَّ ما له علاقة بالهند و بإنجلترا لأن الكاتب من أصل هندي ويعيش في لندن
المُضحك المُبكي أن الرواية الصادرة بالإنجليزية لم تقرأها لا الجحافل التي تغرَق في الأمية الأبجدية والفكرية ولم يقرأها "آية الله الخميني" نفسُه، والخطير في الأمر أن انضمّ جميعُ المثقفين والمفكرين والشعراء العرب والمسلمين وعلى رأسهم محمد "أركون" و"هادي العلوي" أَحَدَي كبار المفكرين العرب الأكثر إنتاجا و عقلانية وحداثة واستقلالية في مجال الفكر الإسلامي لِحملة التجييش المذهبي والشحن الطائفي.

كلُّهم انضمّوا لصفوف التجييش والإدانة دون أن يكلّفوا أنفسهم عناءَ قراءة الرواية وانخرطوا في حملة التلويح بمقولات الاستشراق والصهيونية العالمية، كلهم لَعِبوا دورَ محاكم التفتيش اعتمادا على نتف وقصاصات في الجرائد والمجلات متجاهلين أن الرواية مجالٌ إبداعي تخييلي لا يُقيَّم ولا يُقرَأ بالمقاييس الأخلاقية أو الدينية بل يُفترض قراءتُها بالمقاييس الإبداعية والجمالية ،ومتناسين أن الأنتلجنسيا الثقافية يُأمَل منها كذلك أن تكون في الصف الأمامي للدفاع عن حرية الفكر والإبداع أو على الأقل اعتماد المقارعة الفكرية والتناظر و الحوار المدعوم بالحجج وليس الانزلاق للتجييش والشحن لخدمة مشاريع الاستبداد الديني والسياسي التي حولت شعوبها إلى قطعان تستخدمها في قضايا لا مصلحة لها فيها .

وحده "صادق جلال العظم" كلّف نفسَه عناء قراءة الرواية وهو المتمكن من اللغة الإنجليزية قراءةً وكتابةً وتدريساً، قرأ الرواية بعينِ الأديب والمبدع والعارف بعوالم التخييل والإبداع والاستعارة ، ولأنه مبدع و مثقف عقلاني تقدمي حداثي مستقل وواسع الاطلاع على الثقافة الغربية وعلى التراث العربي الإسلامي، سيبسط قراءة في الرواية سمّاها المشكلات الست والمنشورة في كتابه "ما بعد ذهنية التحريم"، وفيها انتصر فيها "العضم" للرواية ولحرية الفكر والإبداع .

خلُص في هذه الدراسة أنّ ما كتَبه "سلمان رشدي" في روايته آيات شيطانية أقل جرأة إبداعية من روايات سابقة كتبها "سلمان رشدي" ولم يُصدر "آية الله الخميني" فتوى بشأنها لقتل الكاتب ،مما يدعو للتساؤل عن خلفيات هذه الفتوى ؟ والتساؤل أليس هناك قضاء ومحاكم ؟ أليس هناك مثقفون ومفكرون للعمل على تنظيم مناظرات وحوارات بدل لغة الدم ومحاكم التفتيش التي تربط العرب والمسلمين بالهمجية والقتل وتصفية كل من يخالفهم؟ المؤلم أن خلفية الفتوى التي أصدرها "الخميني" والتي انساق وراءها الكثير لم تصدر لا دفاعا عن الدين ولاعن الرسول، الخلفية سياسية محضة لهذه الفتوى موضوعُها الصراع حول من يستقطب أكثر الجاليات العربية الإسلامية في إنجلترا والدول الغربية ،إنه تقاطب وصراع حاد احتدم وقتَها بين الوهابية الذي تمثله المملكة العربية السعودية وبين ولاية الفقيه لإيران الشيعية حول من يستميل هذه الجاليات لصفِّه، ومِن ضِمن ما استخدمته إيران في حربها ضد السعودية الوهابية فتوى القتل والمكافأة الكبيرة حتى تظهر ولاية الفقيه للجاليات وللشعوب العربية الإسلامية بمظهر المدافع عن الدين الإسلامي وعن رسوله ،هذه هي الخلفية الحقيقية التي عرّى عنها "صادق جلال العظم" في المشكلات الستة.

يشير" صادق العظم" الأعمق والأكثر اطلاعا على المتن الإبداعي العربي الإسلامي أن الأدباء والشعراء مثل "الجاحظ" و"الحسين الضحاك" و "أبونواس" و"أبو العلاء المعري" و"أبو الطيب المتنبي" وغيرهم أكثر استعارة وتشكيكا وتخييلا من سلمان رشدي ؟ ألم يقل "البحتري" : إن أطيب الشعر أكذبه؟، وأن أحسن الشعر أكذبه ؟ قد أورد "العضم" أنه في كتاب "القرطبي" منتهى الخيال والاختلاق كَ "التذكرة في أحوال الموتى" الذي يحتوي على أبواب وعناوين من النوع التالي: "في لباس أهل الجنة وآنيتهم"، "باب ليس في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب" "باب ما جاء في خيام الجنة"، "باب ما جاء في طير الجنة وخِيلها وإِبلها"، "باب ما جاء أن في جهنم جبالاً وخنادقاً وأودية وبحاراً وصهاريج وآباراً وجبايا وتنانير وسجوناً وبيوتاً وجسوراً وقصوراً ونواعير وعقارب وحيّات"

إن عوالم التخييل التي تناولها الأدباء والشعراء العرب والمسلمون هي العوالم التي أبدع في صناعتها "سلمان رشدي" وهي نفسها هي العوالم التي أبدع فيها "الجاحظ "و"البحتري" و"أبو تمام" وهي نفسُها العوالم التي أبدع فيها "وليام شكسبير" ونفس العوالم التي قال فيها نيتشه ببلاغة " نحتاج الفن حتى لا تُميتنا الحقيقة" و"الفن كذبة نفهم بواسطتها الحقيقة "كما يقول "بيكاسو "، أما "إنشتاين" صاحب نظرية النسبية " يقول : "إذا كان المنطق يأخدك من النقطة ألف إلى النقطة باء فإن الفن يأخذك حيثما تريد "

بذلك يكون صادق جلال العظم خير من دافع فكريا وإبداعيا عن العرب والمسلمين وعن هذه النخب المسكونة بذهنية التحريم والمهووسة بالاتهام والتخوين والمؤامرة ،دافع بأن قرأ أولا الرواية وبأن انتصر لقيم الإبداع والجمال والحرية والاختلاف بالنقاش والحوار وليس بالتجييش العاطفي واستثارة الغرائز، وبأن الفن هومن يغسل عن أرواحنا أتربة الحياة اليومية في كل الأزمنة ولدى كل الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -