الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساره الهاني ملكة الصوت الغنائي

محمد كمال

2016 / 12 / 13
الادب والفن


سارة الهاني ملكة الصوت الغنائي
سارة الهاني من نبت الأرز في لبنان و قد أكرمتها الطبيعة بِمَلَكِيَّةِ الصوت ، فهي صاحبة صوت تملك الصوتَ و تُطَوِّعُهُ و تُنَغِّمُهُ، و لا يجهدها ملكوتُ الصوتِ مهما تمادى الصوت بأعالي الطبقات و بمدى الترددات ، فإن سارة الهاني هي ملكة الصوت الغنائي بكل تجليات الصوت و طبقاته و تعرجاته و تلاوينه ، الصوت الغنائي الذي لا يتكرر عبر العهود و العصور إلاّ فيما ندر، و ها نحن اليوم ، في هذا العصر من الزمان ، شهود على فنانة بالفطرة و بالطبيعة و بأصالة مكوناتها الذاتية تخترق عالم الفن الغنائي دون منازع، فكأننا بها دُرَّةُ العصرِ و نعمتها لأبناء هذا الزمان... أجمل و أرقى صوت و أقوى صوت تشهده غُرَّةُ القرن الواحد و العشرين في عالمنا العربي.
إطلالتها الأولى كانت على إحدى قنوات التلفاز اللبناني في مسابقة الغناء و أمام لجنة تحكيم مكون من كبار الموسيقيين و الفنانين ، و أمام حشد من عشاق الغناء و الموسيقى. إختارت للمسابقة أغنية من الماضي الأصيل ، ماضي الإبداع في ثالوث الصوت و النغم و الكلمِ، إختارت أغنية "ليالي الأنس في فينا" ، كلمات الشاعر أحمد رامي ، المبدع في الشعر و أمير الشعر الغنائي ، و أنغام الموسيقار فريد الأطرش المبدع في إخراج التلاوين المتعددة لجمال النغم الشرقي في أصالته الشرقية و في تمازجه الكيميائي مع ثقافة الموسيقى الغربية و خاصة الكلاسيكية منها. و هذه الأغنية هي من المستوى المعياري في تقييم النغم و الأداء الغنائي، و ليس بمقدور كل من إدعى الغناء أن يتقن أداء هذه الأغنية الكاملة الأركان كلمة و نغماً و أداءً. وقفت الشابة الجميلة سارة الهاني يزينُ جمالُها فستاناً أحمراً بينما ينساب شعرها الأسود الحريري اللَّمّاع الطويل مغطياً سطح ظهرها ، وقفت وقفة الجمال مثلما وقفة الجمال الأسطوري لڤينوس الإغريق و أفرودايت الرومان، هكذا كانت طلتها قبل الغناء ، فأبهرت الحضورَ بحضورها ، فترقب الحضور عمّا سيجود به هذا الجمال الصامت من جمال النطق بالغناء. إنسابت الأنغام من آلات الفرقة الموسيقية و إنطلقت من أوتار حنجرتها أولى الكلمات "ليالي الأنس في ڤيينا..." ، و انسابت من معين الحنجرة عبر تناغم اللسان و الشفتين كلمات رامي في أداء غنائي يكاد أن يفوق أداء إسمهان ذاتها، فكان أداؤها مميزاً رائعاً ملائكيُّ التغريد بالكلمات و بتناغم دقيق متكامل الجمال و الكمال مع كل نغمة تنطلق من جوقة الفرقة الموسيقية؛ الكلم و النغم و الغناء ، كلها إنسابت في وحدة جمالية كاملة الجمال، فنسى الحضورُ حضورَهُ و إنحصرَ الحضورُ في صوتٍ ملائكي يجود به جمال سارة الهاني؛ لم يتمالك أعضاء لجنة التحكيم أنفسهم أمام هذا الجمال المزدوج، جمال القوام و جمال الغناء، فوقفوا على أصابعِ أرجلهم يصفقون لها و هم مبهورون بهذا الصوت الرائع الجمال الذي جاءهم من ظهر غيب، و لم يكن الجمهور الحاضر في صالة المسابقة ، و الغائب أمام شاشات التلفاز أقل إنبهاراً بهذا الصوت الذي لم تعهده آذانهم ، و يكتمل جمال القوام مع هذا الصوت الرائع الجمال.
كانت هذه بداية سارة الهاني، و من ثم غنت للكثيرين و اتقنت و أضافت إبداعاً غنائياً في الأداء ، و من الأغاني القوية في بنيتها الموسيقية و لوازم الأداء و التي غنتها بقوة تفوق قوة صاحبها هي أغنية " لبنان يا قطعة سما" للمطرب اللبناني وديع الصافي المشهور و المعروف بأنه يمتلك أقوى و أجمل صوت رجالي في العالم العربي ، و كان الصافي حاضراً و سارة تغني أغنيته، فانبهر وديع الصافي بأدائها فأخذ يصفق تارة و يرفع يديه تارة أخرى يحركهما في حركات متماوجة راقصة من فرط إعجابه بروعة الأداء الذي تخطى حدود جمال صوت وديع الصافي نفسه، و كأني به يقول بإعجاب المتواضع المحق في حكمه : " كم جميلٌ أن أسمع أغنيتي بصوتٍ أجمل من صوتي"؛ هكذا أداء هذه الحسناء التي ملكت جمال الصوت و القوام معا...
هذه هي سارة الهاني جميلة الجمال في بنيتها الأنثوية الكاملة الكمال، و مالكة الصوت الغنائي الذي تسجدُ له الأنغامُ إجلالاً و تعظيماً ، و تشتاق كلمات الشعر أن تنسابَ عبر لسانها و شفتيها...
يقيناً فالصوت مُلْكُ يمينها ، و لكن هل يكفي الصوت وحده لينتج ثمرة غنائية متكاملة الأركان ؟ هنا يقف الصوت على مفترق طرق ... هذه الملكة الصوتية في حاجة إلى نغمٍ من موسيقيٍّ عبقريٍّ في صياغة ألوان النغم الذي يتكامل مع طبيعة الصوت و معاني الكَلِمِ؛ عبقري موسيقي من معيار الموسيقار محمد عبدالوهاب و السنباطي و فريد الأطرش و بليغ حمدي و الموجي، فمثلاً و بعيداً عن الحصر لقد أبدع عبدالوهاب في ترجمة كلمات الشاعر نزار قباني بمعاني النغم و عرف بخبرته و علمه الموسيقي الصوت الذي يتلائم مع ذاك المزيج من الكلم و النغم ، فكان الصوت الذي اختاره هو صوت نجاة الصغيرة، و الى اليوم لم يخرج إلينا ملحنٌ قادرٌ على ترجمة شعر نزار قباني أو أي شعر آخر بمعاني النغم رغم محاولة البعض و لكن دون نجاح يستحق التقدير و الإعجاب .
الخوف و الهاجس المؤلم أن ينزلق هذا الصوت في غياب الصياغة الموسيقية الملائمة الى مستويات متدنية من النغم و الكلم تعبث بالصوت و تشرذمه و تفكك أوصاله إلى أن تغتاله و تُقْبِرُه، و من أشد المنزلقات جرماً بحق هذا الصوت هو الإنصياع إلى إغراآت المال و الثراء على حساب القيمة النوعية لثمرة الغناء المتكامل الأركان؛ ذاك الثالوث الأركان، الشعر المعبر و النغم القادر على ترجمة الشعر و إحقاق صوت سارة الهاني حق قدره و حق طبيعته و حق مَلائِكِيَتِه...

محمد كمال
2 ديسمبر 2016
--------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا