الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هادي الحسيني يسرد عيش المثقف العراقي في الحامية الرومانية

شكيب كاظم

2016 / 12 / 14
الادب والفن


تعرفت على الأديب العراقي المغترب هادي (موزان) الحسيني من خلال مقالاته التي كان ينشرها وما يزال في ملحق ( ألف باء) الثقافي لجريدة (الزمان) بطبعتها الدولية، طبعة لندن وغالباً ما تأتي سرداً لأيامه التي أمضاها في العاصمة ألأردنية عمان التي آوى إليها، منذ سنة 1994، بعد أن اشتدت وطأة الحصار الذي دمر كل ما هو جميل في العراق، وأحاله ركاماً، بسبب المراهقة السياسية والحروب العابثة.



في مقالات هادي الحسيني تلك سرد لحيوات المثقفين العراقيين، الذي عصف بهم الحصار، فانتقلوا إلى عمان النافذة الوحيدة للعراقيين، التي يتنفسون من خلالها هواء الحرية، بحثاً عن دول اللجوء، لذا سعدت حقا، وصديقي الكتبي اياد محمد علي يعيرني نسخة من كتاب ( الحياة في الحامية الرومانية – سيرة أخرى للمثقف العراقي) لمؤلفه الأديب هادي الحسيني، والصادر عن دار نينوى بدمشق بطبعته الأولى سنة 1434هـ 2014م، كي نعيد وصل ما انفصل، وإذا كان هادي في مقالاته تلك يوجز في القول فأنه في كتابه هذا - وهذا من طبائع الحياة والاشياء – قد أوغل بعيداً في تصوير تلك الأيام القاسية التي عاشها العراقيون عامة، ولا سيما المثقفون، الذين غالباً لا يجيدون المهن العضلية، بل المهن المستمدة من العقل والفكر، لذا كانت مأساتهم أوجع وأقسى، إنها بانوراما مأساوية للحياة، وإذا كان السرد الروائي يزاوج بين الواقع والمتخيل، فإن كتاب ( الحياة في الحامية الرومانية) سرد حقيقي لمواجع العراقيين وعذاباتهم، وإذا كان السرد الروائي يعطي شخوص الرواية أسماء رامزة، فأن هادي الحسيني في كتابه هذا، كان يذكر الأسماء الحقيقية لشخوص عمله هذا إذ نجد حسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف ومحمد تركي النصار وسعد جاسم واستاذي الدكتور علي عباس علوان، واستاذي الدكتور عناد غزوان، والدكتور محسن جاسم الموسوي وفوزي كريم وصلاح نيازي وهادي ياسين علي و عبد الستار ناصر وعلي الشلاه وكفاح الحبيب وسلام كاظم وعشرات الاسماء من الأدباء والكتاب والشعراء والفنانين، ممن عصفت بهم الأيام.
يسرد هادي الحسيني في كتابه هذا الحامية الرومانية، وقائع حيوات المثقفين العراقيين على مدى نحو ست سنوات، منذ أن وطئت قدماه أرض عمان سنة 1994، وحتى حصوله على اللجوء عن طريق مكاتب الأمم المتحدة في هولندا ومغادرة عمان نحو بلد اللجوء سنة 1999، بعد أن غادرها العديد من أصدقائه وزملائه، وسام هاشم ونصيف الناصري وسامي النصراوي وفؤاد شاكر وغيرهم.

ذاكرة صاحية مدققة
قلت أكثر من مرة، إننا لا نكتب مذكراتنا في حينها، حتى إذا مرت سنوات وتهيأت فرصة الكتابة، كتبنا لتجيء الكتابة وفيها شيء من عدم الدقة، وهذا ناتج عن الذاكرة والتعويل عليها، والذاكرة خؤون، إلا لمن أوتي حظاً عظيماً، وهادي الحسيني من هؤلاء الذين أوتوا حظاً من ذاكرة صاحية مدققة، لذا جاء كتابه الإستذكاري الجميل هذا، دقيقاً وقريباً من وقائع الحياة، إذ نحن عشنا حوادثها وكنا قريبين منها.
وإذا كان لهذا الكتاب من فضل، ولا شك أن له أفضالاً كثيرة، فإن فضله الأساس وفضيلته ، هي التوثيق، التوثيق عن طريق الكتابة، لهذه الاعوام المهمة والعاصفة في حياة العراقيين، وفي حيز أهم، هو حيز الثقافة والمثقفين، لأننا للأسف لا نحسن التوثيق والتدقيق، لذا تذهب ذكرياتنا وأيامنا أدراج الرياح.
في الكتاب الجميل هذا حديث عن مواقف محرجة، فهذا الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر، ما أن وصل عمان، حتى جاءته برقية من بغداد، لتعلمه بوفاة زوجته وضرورة الشخوص نحو بغداد لحضور مجلس الفاتحة، لكن، كيف يعود هو الذي هرب منذ أيام ونجا بجلده، يتصل هاتفياً بأحد أولاده، الذي يقول له إن مجلس العزاء قد رفع منذ أيام ثلاثة ولا داع لمجيئه ، هذا الأديب والشاعر الكبير، الذي كنت أتابع ما ينشره في مجلة (عمان) الراقية، والتي كان يزودني بها شهرياً صديقي الشاعر الرائع سلمان داود محمد، هذا الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر اضطر للعيش في غرفة بائسة، لكن الشاعر الفلسطيني يوسف أبو لوز، الرجل الشهم يكتب في صحيفة ( الدستور) الأردنية مقالاً ذكرفيه .ان من المخجل على وزارة الثقافة الأردنية، أن يعيش أديب وشاعر بمكانة ومنزلة حسب الشيخ جعفر، في غرفة بائسة بجبل الحسين، يصفها لنا بدقة هادي الحسيني، لكن الدولة الأردنية الرصينة، التي تغذ الخطى في دروب التقدم والحضارة بهدوء وانسياب، تزور الشاعر الكبير ممثلةً بأمين عاصمتها ممدوح العبادي، الذي كان هو الآخر- و يا للمصادفات الجميلة – قد درس في موسكو في ستينات القرن العشرين، يوم كان حسب الشيخ جعفر يواصل دراسته فيها، فتنقل الشاعر والمنشئ والروائي الجميل حسب الشيخ جعفر إلى مسكن يليق بمنزلته وإمكاناته.

أستاذي علي عباس علوان
سمعنا في وقتها (1998) أن أستاذي الدكتور علي عباس علوان، قد شارك في مؤتمر ثقافي في إحدى العواصم، وإذ عاد رئيس الوفد بعد انتهاء المؤتمر إلى بغداد، آثر الدكتور علي البقاء في عمان، وإذ يعثر على عمل في جامعة مؤتة بمدينة السلط الأردنية، يستدعى لدائرة المخابرات لأمور تنظيمية وإدارية، لكن استاذنا وفي ذاكرته سطوة المخابرات العراقية وقسوتها يصاب بالهلع، حتى إنه يطلب من هادي الحسيني أن يصاحبه وهو في طريقه للمقابلة، في عمان خشية حصول أمر، وبعد نحو ساعتين، أطل الدكتور علي عباس علوان ببدلته الانيقة- والدكتور علي أنيق جداً، نعرف تلك الميزة نحن طلابه – وربطة عنقه الآنق، كان يسير بثقة وسيماء الفرح ترين على وجهه الأسمر الوسيم و يحدس هادي الحسيني أن هذه المشية الواثقة دلالة على إيجابية المقابلة ويتأكد من ذلك لدى سؤاله الدكتور علي وهما يركبان سيارة الأجرة، يجيبه الدكتور علي نعم وسوف نتحدث عندما نصل مسكننا.
يسرد علينا هادي الحسيني خبراً مؤلماً عن صحة الروائي والقاص الجميل غازي العبادي الذي أسعدني عمله الروائي الرائع ( ما يتركه الأحفاد للأجداد) إذ ما يلبث أن يسقط أرضاً في الغرفة البائسة التي يسكنها، فينقل إلى المشفى، إذ أيقن كما أيقن جدنا الشاعر مالك بن الريب من أن النهاية – لا ريب – قادمة بسبب انهيار الصحة وسوء الحال – يطلب إعادته إلى بغداد، وما لبث غازي العبادي أن غادر الحياة ليخسر العراق – وما أكثر خساراته – هذه الكفاءة الابداعية الراقية.
ومن الحوادث المؤلمة، التي يسردها علينا هادي الحسيني في كتابه السيري الجميل هذا يوم تلقى الشاعر الكبير سعدي يوسف برقية من زوجة ابنة البكر حيدر المهندس المقيم في ماليزيا والذي غادر الحياة نائماً، وإذ تنهض زوجته من نومها تكتشف و يالهول ما اكتشفت، لقد غادر حيدر الحياة، وإنها بصدد دفنه هناك في ماليزيا، لكن الشاعر على الرغم من الايدلوجيات والأفكار يقرر السفر نحو ماليزيا واسترداد جثمان ولده نحو عمان ومنها إلى التربة المجاورة لمرقد السيدة زينب ليرقد حيدر إلى جانب الجواهري الكبير وهادي العلوي ومصطفى جمال الدين والكثير الكثير من العراقيين الذين طوحت الأيام بهم ليموتوا خارج بلدهم الذي ضربته المراهقة السياسية منذ ذلك اليوم التموزي العاصف 1958، ويقيم له مجلس فاتحة في دارته الأنيقة التي سماها الجوراسية.
إن كتاب (الحياة في الحامية الرومانية – سيرة أخرى للمثقف العراقي) الذي خطته.. براعة الأديب والمنشئ الأنيق العراقي المغترب هادي موزان الحسيني، إضافة قيمة ومهمة لمهمات التوثيق والتسجيل التي قد يقف عندها الجيل اللاحق، فضلاً على الجيل الحالي الذي اكتوى بمآسي الحروب والحصار والجوع الذي عصف بالعراقيين في تلك السنوات الكالحات الكابيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل