الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اهل السياسة - 6- موت الدولة العربية الحديثة

ماجد ساوي
شاعر وكاتب

(Majed Sawi)

2016 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة العربية الحديثة – الناشئة في فترة مابعد الحرب العالمية الاولى – هي الان تلفظ انفاسها الاخيرة ونعشها يقف امام الباب منتظرا اعلان موتها واصدار شهادة الوفاة وبالتالي الاعتراف بانها كانت من اسوء التجارب العربية في العصر الحديث واشدها تدميرا للانسان العربي والبلاد العربية من المحيط الى الخليج والتغييرات بادية للعيان في اغلب البقاع العربية .

لقد بقيت الدولة العربية في البلاد العربية طوال ثلاثة عشر قرنا تستمد من الشريعة الاسلامية نظمها وبنيانها واسسها حتى حدث تغير في هذا التقليد العريق بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وقدوم ما سمي بالاستعمار وهو الانتداب الاجنبي على البلاد العربية الذي وضع بذور الدولة العربية الحديثة بخروج هذه الدولة من رحمه وفي حقيقة الامر ان هذه الدولة هي نتاج الانهيار او الهزيمة في الحرب العالمية الاولى للدولة العثمانية دولة الخلافة – وهو نظام الدولة في البلاد العربية منذ عصر الصحابة – اي ان هذه الدولة هي حطام هذه الحرب ونتيجة تفكك الخلافة العثمانية وهي بالتالي ليست مشروعا مستقلا واعدا ذو اسس متينة وبنيان راسخ وخطط فعالة . بل هي الدولة العربية القديمة المنهارة بواقع الهزيمة فلم يكن هناك اي اطلاق لاي شيء جديد ولا تحديث لاي شيء بل كل ماهنالك هو غبار المعركة التي هزمت فيها دولة الخلافة .

نظام الانتداب – او الاستعمار كما يسمى ايضا – بعد الحرب العالمية الاولى هو الوسط الذي نشات فيه الدولة العربية الحديثة بحيث انها استمدت من دولة الانتداب اغلب نظمها وقوانينها وتشريعاتها واسسها وبنيانها , فلم يكن هناك اي استقلال في هذه الدولة بعد ما يسمى بالاستقلال بل كانت في مرحلة نشوءها – في عهد الانتداب – ترجع في ادارة البلاد الى المستعمر الذي كان يصوغ ما يشاء لها من نظم وقوانين .حتى ان القوانين كانت تترجم فقط لا اكثر من لغة المستعمر ويعمل بها في عهد الانتداب كذلك اقصيت الشريعة عن مسرح الاحداث لا لشيء الا لافراغ الدولة العربية من روحها وهو الاسلام وتحويلها الى مسخ كما نرى في يومنا هذا لا صفة له ولا شكل .

انهارت قوى الاستعمار – كما تسمى – وخسرت اغلب هذه القوى مستعمراتها واتى ما يسمى بعهد الاستقلال وهو تعبير عن التخلص من سيطرة المستعمر وهذه الدولة العربية الناشئة – الحديثة – اصبحت الان مستقلة لكن باسس وبنيان وهيكل ونظم موروثة عن دولة الاستعمار , فلم يكن هناك استقلال في الحقيقة الا في الصورة الظاهرة .

لقد اتى الاسلام بنظام متكامل لادارة الدولة ورعاية الشعب متكون من نظام قضاء رصين ومتين الاسس وذو مهارة حقوقية عالية وبنظام زكاة متقن يرعى الطبقات الفقيرة والمعدمة ونظام خراج فريد يشجع قطاعي الزراعة والصناعة ونظام تعليم شامل يبدا من القراءة والكتابة ولا ينتهى باستكشاف الفضاء ومراقبة النجوم ودراسة الفلك , كذلك نظام عسكري دقيق يردع المعتدي ويشجع على زيادة مساحات الدولة ويصون البلاد ويرفع لواء لا اله الا الله – كاهم واجباته – وكذلك نظام صحة يحرص على نظافة الطرق قبل نظافة الاسنان ويشجع على الاكتشافات الطبية , وعدد ماشئت من ميزات الشريعة الغراء .

لكن الدولة العربية الحديثة – للاسف – وليدة الانتداب الاجنبي - رفضت هذه النظم المتكاملة , برفض الشريعة وحاولت طوال الفترة مابين نشوءها الى يومنا هذا ادارة الدولة ادارة ناجحة الا انها فشلت فشلا ذريعا وعريضا في هذه المهمة ولم تكن في مستوى اغلب التحديات – ولا اقول كلها – وعبرت عن فشلها بمجرد تبنيها نظما قادمة من المستعمر وعدم قدرها على ابداع نظم جديدة وهي قد استغنت عن الشريعة .

ويكفيك ان تعلم ان اكثر من ثلثي سكان البلاد العربية يعانون من الامية لتعلم حجم فشل الدولة العربية الحديثة وكذلك عجزها عن الوقوف في وجه المستعمر الاجنبي الذي يمتلك تواجد عسكري في اغلب البلاد العربية او يعقد تحالفات مع اغلب البلدان كدليل على حجم الفشل . الى مئات بل الاف محطات الفشل واخر هذه المحطات هو فشلها في استرجاع فلسطين على الرغم من وجودها لاكثر من ثمانين عاما وهي فترة تكفي لبناء عشرات بل مئات الجيوش بل انها خسرت عدة حروب مع اسرائيل ولعل اشهرها حرب الستة ايام التي زادت في مساحة اسرائيل باكثر من الضعف .


الذين اسهمو في فشل الدولة العربية الحديثة يمكنني ان اقول انهم لم يتعمدو ذلك الفشل بل انهم حاولو التغلب على الصعاب التي واجهتهم ومبارزة التحديات القائمة , لكنهم كانو قاصرين عن ادراك الامور على حقيقتها ورؤية الاشياء كما هي لا كما يحبون وكذلك كانو عديمي الجدوى في صناعة الحلول وتجاوز الازمات .واستطيع ان اقول انهم لا يصلحون لرعي ثلاثة من الاغنام فضلا عن ادارة دول وحكم شعوب كراي اخير.

تمزق الدولة العربية الحديثة هو نتيجة حمية لحياة متناقضة ومعيشة صعبة وواقع متهالك حيث ولدت كاقصاء لنظام الخلافة وعاشت كمقاول لدى المستعمر وهي الان تتمزق اربا اربا في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين وبقية البلاد ستصبح اشلاء بلا ريب لانها دولة بلا روح ولا قلب وجسد فمن الطبيعي ان تتحول الى قطع صغيرة لانها بالفعل قطع صغيرة .ولا اسف على هذا المولود – الدولة العربية الحديثة – لانها ولدت بلا قدمين بينما يدعي الجميع انه يطوي السحاب في مشهد – وليس الاخير -من مشاهد الفشل . ولا نعلم ماهو البديل لها وماهو شكل الدولة في المستقبل ولا كيف سيكون مشهد البلاد العربية في المائة سنة القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح لخطأ طباعي
ماجد ساوي ( 2016 / 12 / 17 - 14:05 )
تمزق الدولة العربية الحديثة هو نتيجة حمية لحياة متناقضة

الصحيح

تمزق الدولة العربية الحديثة هو نتيجة حتمية لحياة متناقضة

اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول