الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدوارد سعيد... الكتابة لديمومة الذكرى ومواجهة الفناء

شكيب كاظم

2016 / 12 / 18
الادب والفن



إن البير كامي وببساطة متناهية وبرودة أعصاب، ينكر كل تاريخ الشعب الجزائري، الذي سبق بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، ولا أدل على ذلك من قول كامي: "في ما يتعلق بالجزائر فأن الاستقلال القومي، صيغة من العاطفة المشوبة الخالصة، لم تكن هناك أمة جزائرية أبداً وإن من حق اليهود والاتراك واليونانيين والايطاليين والبربر ان يدعوا لأنفسهم حق قيادة هذه الامة الكامنة في الواقع لايشكل العرب وحدهم الجزائر كلها (...) إن جزائر عربية محضاً تعجز عن تحقيق ذلك الاستقلال الاقتصادي، الذي لا يعدو الاستقلال السياسي من دونه أن يكون وهما.

إن ادوارد سعيد يقدم للقارئ تشريحاً جديداً لادب البير كامي، المقتول في حادث سيارة يوم الجمعة 1/1/1960، الذي كان يخفي وجهه الصريح خلف براقع معاداة الاستعمار من خلال تأييده لبعض مبادرات الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر بشأن حق تقرير المصير للشعب الجزائري، وما كان كامي في حقيقة الامر إلا داعية من دعاته.

في رواية (الغريب) لألبير كامي يقتل شخص عربي جزائري على يد (ميرسو) وهذا القتيل لا يسميه كامي وهو في اكثر أعماله الروائية والقصصية لايطلق اسماء على شخوصه من العرب. أهذا محض مصادفة أم انه محاولة منه لتغييب الآخر، او لتغييب الغير على وجه أدق، وهناك فرق في المعنى بين الغير والآخر وطمس هويته؟

إنه لا يحبهم الى الحد الذي يأنف فيه أن يسميهم بأسمائهم في رواية (الغريب) يتشاجر (ميرسو) مع أحد العرب، كان صديق (ميرسو) الفرنسي على علاقة بشقيقة هذا العربي، يتشاجران ثم يذهب كل منهما الى سبيله وينتهي الامر.

بعد وقت قصير يتلاقى (ميرسو) على شاطئ البحر مع شقيق الفتاة، يستل (ميرسو) مديته في محاولة لقتل العربي، وان يجد هذا نفسه في مواجهة خطر محدق قادم، يستل هو الآخر مديته للدفاع عن النفس، يجد (ميرسو) ان كفة العربي، أصبحت موازية لكفته، مدية مقابل مدية، فيسحب مسدسه ويطلق النار عليه. وعندما يسأل عن سبب فعلته، يقول: "الشمس كانت هي السبب!!" لم يستوعب (ميرسو) أن يجد العربي يرفع رأسه، ويدافع عن نفسه، لذا أطلق عليه النار، فأرداه قتيلاً في الحال.

وما دمت بصدد الحديث عن ادب البير كامي، فأرى ان أشير الى الدراسة القيمة التي كتبها الاستاذ كاظم سعدالدين والموسومة بـ(شخصية العربي في ادب البير كامو) والتي نشرتها مجلة (الموقف الثقافي) العدد الثامن لسنة 1997، حيث درس مجموعته القصصية (المنفى والملكوت) ففيها إضاءة لآراء البير كامي المبثوثة في قصصه، والتي وصم بها عرب الجزائر بكل ما في قاموسه من الفاظ الحقد والكره، إن مؤسسات الدولة كلها، ومرافق الحياة العامة فرنسية، وليس للعربي أي شيء منها، وإنها وجدت لتقديم خدماتها لهؤلاء الذين لا يستحقونها كالمدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة وغير ذلك!!

الموت نصيبنا

في روايته (الطاعون) –كذلك- هناك الموت دائما من نصيب العربي، إن مثل هذه الادارة للحدث الروائي، التي تنتج موتاً للعرب، ليست مصادفة فرضها في السرد الروائي، بل جاءت مقصودة لغرض الاستهانة بنا والحط من شأننا، فقبل قليل كان النادل في قصة (الزانية) عربياً!!

في كتابه (الثقافة والامبريالية) يتناول المفكر إدوارد سعيد مسألة التصادم بين الشرق والغرب، او على وجه التحديد بين العرب واوربا من خلال رواية ممتعة كتبها الاديب السوداني هي (موسم الهجرة الى الشمال) إن هذه الرواية حوت تصويراً دقيقاً لهذا التصادم، ممثلا بأنتقام بطل الرواية (مصطفى سعيد) من نسوة انكليزيات والانتقام لنفسه وأهله، وتركيع كل الجباه الأنفة المترفعة، وجعلها تتمرغ في وحل الشبق الايروتيكي. لقد كان (مصطفى سعيد) هذا السوداني القادم من ارض العرب سبباً في إنتحار ثلاث نساء شغفن به حباً: أن همند، شيلا غرينود، وايزابيلا سيمور، كما انه يقتل زوجته (جين مورس) المترفعة عليه والتي بذل جهوداً للاستحواذ عليها والزواج منها، واستمر يلاحقها اكثر من ثلاث سنوات، حتى أذعنت له وتزوجته، وكان قبل ذلك قد نال منها في حديقة عامة، وهذا رمز من رموز التصادم وإهانة الآخر والاقتصاص منه. كما أهانه وأقتص منه.

يرى ادوارد سعيد أن فعلة الطيب صالح في روايته (موسم الهجرة الى الشمال) مصادرة لشكل روائي غربي، استخدمه الغربيون للقيام باكتساح الفضاء الجغرافي للعالم الآخر واستعماره وامتصاصه واستغلاله لتشكيل حركة مضادة تقتحم الفضاء الإمبريالي نفسه، وتغزوه وتقلب الادوار فيه بلغةٍ جديرة وأبطال منتقمين وبنية روائية محولة ومعدلة لكي تخدم أهداف كتاب العالم الثالث ذاتها. وبودي أن أذكر ان هناك العديد من الروايات العربية التي تناولت قضية التصادم بين الامة العربية وأوربة منها.(كتاب خالد) لأمين الريحاني، (عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم، (أدب) لطه حسين، (قلب على سفر) للدكتور يوسف عزالدين، (قنديل ام هاشم) ليحيى حقي و(الحي اللاتيني) للدكتور سهيل ادريس.

بحثاً عن هوية

ويظل المفكر ادوارد سعيد، يورد آفاقاً باذخة في عوالم الفكر والثقافة والادب، وهو –بدون أدنى شك- احد عمالقة عصرنا المجلين غير اني بودي وبتواضع ان اقف عند أكثر من نقطة جوهرية أثارها في كتابه (الثقافة والامبريالية) مبدياً تحفظاً إزاءها، فادوارد سعيد يرى ان كل الثقافات مولدة وهجينة، وليست هناك ثقافة اصيلة، كما أنه يفصح عن كره غير مسبب ولا مقبول للهوية، ونعني بالهوية ويعني، إنتماءات الانسان الدينية والأعراقية والجنسية والأثنية، فهو يرى مفهوم الهوية ساكناً هامداً، وهو الباحث عن الطاقات الكامنة والظاهرة التي تثور في النفس وتحررها يقول: "... إن الفكرة الوحيدة التي لم يكد يمسها التغيير إطلاقاً، عبر التبادلات التي بدأت بأنتظام قبل أكثر من نصف الف سنة من الزمن بين الاوربيين (وآخريهم) هي ان هناك شيئاً جوهرانياً هو (نحن) وشيئاً هو (هم) وكل منهما مستقر تماماً، جلي بيَّنٌ لذاته وشاهد على ذاته (...) نحن لا نزال ورثة هذا الاسلوب الذي يتحدد المرء تبعاً له بالامة، الامة التي تستقي هي بدورها سلطتها من تراث يفترض أنه مستمر دونما إنقطاع.."

اقول: لقد بحث الانسان منذ البدء، بدء الخلق، ومنذ ايام فجر الحضارات وبزوغها عن اليوتوبيا، عن المجتمع الفاضل المتكامل دون جدوى، فمنذ ان كتب افلاطون جمهوريته، وفيه قسم مجتمعه المثالي الى طبقات، جعل على رأسه الفلاسفة في حين لم يسمح للشعراء بدخول جمهوريته تلك!! مروراً بمشروع المعلم الثاني أبي نصر الفارابي في (المدينة الفاضلة) والانسان باحث دائم خائب عن المجتمع الفاضل، وانتهاء بالنظريات الشمولية التي تحتكر أحقيتها بالحقيقة التي قدمت هي الاخرى حلولاً اثبتت وقائع الحياة طوباويتها وبعدها عن الواقع، لذا سرعان ما تهاوت وأنهارت، لسبب واضح أنها حاولت قتل نوازع الانسان ورغباته ووأدهما، وإن هناك الكثير من الآراء التي تحمل صوابها فكراً، لكنها لدى التطبيق نجد بعدها عن أرض الواقع، ونجد البون شاسعاً بين حساب الحقل وحساب البيدر، كما ان هناك من دعا الى ترك اللغات القومية والاستعاضة عنها بلغة واحدة موحدة، إلا وهي لغة (الاسبرانتو) لكن على الرغم من مضي عقود من السنوات، لم نجد لهذه الفكرة ظلاً او أثراً في واقع الحياة والاشياء، وظلت لغة (إسبرانتو) حبيسة أدراج بعض الجامعات والمكتبات ودماغ ذلك الضابط البولندي الذي ابتكرها، وظلت اللغات القومية هي السائدة وهي الباقية، لا بل ان الكثير من الشعوب ممن ليست لها لغات قومية ظلت تعاني ثلمات نفسية، وكذلك الامم التي ليس لها حرف خاص بها، حتى وإن بلغت ما بلغته في مراقي التقدم الحضاري والتقني، ولو كان لتلك الامة حرف خاص بها لما ذهبت الى الحرف اللاتيني، يوم تركت الحرف العربي، بداية العقد الثالث من القرن العشرين.

ليس قولي هذا نداء للتقوقع والانغلاق، بل إنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، من حب الذات، وما تمثله الذات من مقومات الدين والقومية والوطن والعرق.

إن أمماً ضربت في مراقي التقدم، أضحت فيها اللغة هاجساً مؤرقاً، ولعل من أوضح الأدلة، إصدار فرنسة عام 1994 قانون حماية اللغة الفرنسية، التي تخوض صراعاً خفياً ضد اللغة الانكليزية، حتى أنها حظرت إنعقاد المؤتمرات التي تتخذ الانكليزية لغة لها، لا بل وصل الامر الى افلام الدعاية والاعلان، فحظرت فرنسة مثل هذه البرامج الدعائية التي تنطق بغير الفرنسية، كما أنها خصصت الجوائز للكاتبين بالفرنسية من غير الفرنسيين، ولعل من اوضح الأمثلة جائزة (غونكور) التي فاز بها اكثر من عربي ممن يكتبون بالفرنسية، ففاز بها المغربي الطاهر بن جلون عام 1988 عن روايته (ليلة القدر) والجزائري محمد ديب عام 1994 عن ثلاثيته الروائية: (الدار الكبيرة)و(النول) و(الحريق) واللبناني أمين المعلوف عن روايته (ليون الافريقي) وكذلك تاسيس فرنسة لمنظمة الدول الناطقة بالفرنسية ومنافسة منظمة دول الكومنولث البريطاني.

ترى هل هي مصادفة ان تقاتل التوتسي والهوتو في بوروندي ورواندا وزائير؟ هل سيتقاتلون لو كانوا يتحدثون لغة مشتركة؟!! إن الدلائل تشير الى ان قتالهم لم يحمل بصمات لغوية، إنه قتال لغوي بشكل من الاشكال، فالهوتو ينطقون بالفرنسية في حين يتكلم التوتسي الانكليزية.

لذا فأن كل التنميات والدعوات البراغماتية الذرائعية شيء وواقع الحياة شيء آخر، فما كل ما يتمنى المرء يدركه، وما كل ما يدعو إليه يجد صداه في الواقع العملي في هذا الكون الضاج بالاراء والافكار، ومن عجب أن تصدر مثل هذه الاراء، محاولة إلغاء الهوية ونزعها، من فلسطيني يعاني محاولات التغييب والتذويب من قبل دولة اسرائيل.

أن تكون حملاً وديعاً في عالم يضج بالذؤبان الكاسرة، ليعد تجذيفاً ضد التيار، كما أن كسر العصا التي بين يديك للبرهنة على حسن نيتك تجاه الآخر والغير المدجج بالسلاح لتعد غرابة في الاطوار، إن محاولة جعلنا زجاجاً في عالم صخري التوجهات والتطلعات، سيعرض تطلعاتنا في البقاء والديمومة الى اشد الاخطار، ولم نحاول نزع هويتـ(نا) في وقت تعميق الهويات وحفرها بالأزميل والسكين من قبل (الآخر) وإن محاولة ترك ألـ (أنا) والـ(نحن) يجب ان يقترن بترك الآخر لنا (هم) ونحن (هم) فكما لا تعيش النبتة بلا جذر، كذلك لن تحيا الامم بلا جذور تمدها بنسغ الحياة والنماء ومواجهة عمليات الجفاف والتصحر والتآكل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل