الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علامات - مقاربة رمزية

محمد علي ثابت

2016 / 12 / 19
الادب والفن


كثيرة هي العلامات التي تنبت على وجوه البشر. بعضها ينبت طبيعيا؛ مع التقدُّم في السن مثلا، أو من عبوسٍ مستديم. وبعضها عارض ينتج عن صروف الدهر؛ حادث ما، أو مشاجرة. هذان النوعان، الطبيعي والعارض، لا أعنيهما ههنا، بل أعني نوعا ثالثا أشد عمقا. أعني العلامات التي نستحدثها نحن بأنفسنا على وجوهنا بينما نحن مستمتعون، أو التي يستحدثها المشتهون ذوو الذائقة الرائقة على وجوهنا برضا منا نغلفه أحيانا بصبغة التمنُّع. بالقلم، أو بأحمر الشفاه، أو بسائل الحياة. إنها هي علامات غير طبيعية؛ لم تنتجها الطبيعة بمعناها الأدق. علامات مستحدثة، أكثر شبها بالوسوم والبصمات والتغريدات منها بالوصمات. قد تكون شعارات، وقد تكون نصوصا أدبية موجزة ينقشها ذكرٌ مبدعٌ على جلد أنثوي له غمّازتان وبياض فيكتوري، وقد تكون قصصا قصيرة تحكي تجارب مختلفة مع الفواكه، وقد تكون مصائر. قد تكون ذلك كله، وفي كل حالاتها لا تفقد تلك العلامات/الوسوم صفة واحدة ثابتة هي أنها بمثابة المحددات لطرفين.. محددات لمناطق النفوذ، كأننا النمور ترتدي ملابس البشر وتستخدم حاجياتهم؛ ومحددات لمحطات الذاكرة والتذكير، كأننا نحاول بديمومة عنيدة أن نستخلص عظة أحد أهم دروس الحضارة الانسانية القائل بأن تطوير وتحسين العَجَلة شيء ذكي طبعا لكن إعادة اختراعها شيء مستحيل وغبي؛ ومحددات وممهدات للقادم الفعلي على طريق العلاقات والتبادلات؛ وأخيرا فإنها محددات للتوقع والنبؤات التي قد يفرزها تدريب اضطراري ما. إنها أبدا ليست ألعابا ولا اختبارات. لو كانت الوسوم والبصمات على الوجوه ألعابا خاوية المضمون لوجدتَ العوام والسخفاء وعديمي الثقافة والعمق والذاكرة يلعبونها بعد كل وصال، ولما وجدتَ رجالا يعيشون بلغة الأرقام والبراجماتية يحبون استحداثها على وجوه الكاتبات والأكاديميات والسيدات المخملية متعددات الأدوار والحيوات. ولو كانت اختباراتٍ، لما وجدتَها تنتهي عند الاتساق وتتجدد عند التأرجح وترتبط باللقاءات ارتباطا لا هو شرطي فيكون سخيفا وتحكُّميا ولا هو ضمني فيكون قابلا للتجاوز والمناورة بلا تعزيز لاحق. تلك العلامات هي منتهى الجَد، لا اللعب، ومنتهى الأداء الفعلي، لا الاختبار والمحاكاة. إنها التجلِّي البارز لـ ما بعد الحداثة حين يختلط بأجسادنا ويندمج فيها حتى يصير في النهاية محفورا عليها بشكل داخلي innate لصيق لا يحتاج بعده إلى إظهار ولا تظهير ولا أدوات. فإذا كان ما بعد الحداثة في سياقه التقني يَعدنا بإدماج التكنولوجيا في أجسادنا في نقطة ما قادمة في التاريخ البشري حتى نصير أشبه بالانساليات الجامدة العبقرية، فإنه في سياقه الأدبي/المعرفي/الجنسي يأبى أن يحرم الأجساد من اندماجات تقليدية سحيقة لا دخل للتقنية المتقدمة بها ولا تستخدم سوى تقنيات عصر كليوباترا. وهكذا نستطيع السير على خطين متوازيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي