الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
موريس بلانشو والكتابة الشذرية :- زمن غياب الزمان -
الحسن علاج
2016 / 12 / 19الادب والفن
موريس بلانشو والكتابة الشذريـــــــة :" زمن غياب الزمان "
إلى روح ليفيناس ولوي ـ رونيه دي لافوريه
إريك هوبينو
ترجمة : الحسن علاج
قام القديس أوغسطين Saint Augustin) ( في كتاب الاعترافات بضمِّ السؤال المطروح بواسطة الزمان إلى سؤال اللغة : " ماهو الزمان فعلا ؟ من سيكون قادرا على شرحه وتعريفه بإيجاز ؟ من يستطيع إدراكه ، ولو من خلال فكر أكثر وضوحا بغية التعبير من خلال عبارات عن الفكرة التي يتشكل منها ؟ وعلى الرغم من ذلك ، فهل هو مفهوم أكثر تداولا وأكثر وضوحا حيث أننا نستعمله في حديثنا ؟ [...] ماهو الزمان إذن ؟ فإذا لم يسألني عنه أحدٌ ما ، فإني أعرفه ؛ لكن لو سُئلتُ عنه ورغبت في شرحه ، فإني حينئذ لن أعرفه قط . " (الاعترافات ، الكتاب الحادي عشر ، الفصل 14 ) . في قلب وجودنا ، في بداية كل تجربة ، يظهر الزمان ويختفي عنا ، شيء ما يحدث بداخلنا ، بعيدا عنا ، ينفلت عن القول .
كتب بلانشو في الفضاء الأدبي ، " الكتابة ، هي الاستسلام لافتتان غياب الزمان . " إذا كان من جهة ، أن المحكيات ـ وخصوصا في اللحظة المناسبةAu moment voulu) ( ، الرجل الأخير (Le Dernier Homme) والانتظار النسيان L’Attente l’oubli) (ـ قد عملت على تثوير إدراكنا للزمنية السردية وشككت في المبدأ ذاته لكل حدث ، ومن جهة أخرى فإن الكتابة الشذرية تفكر ، لكنها تعمل أيضا على عرض تجربة الزمان تلك مثل " غياب للزمن " . لا يقتصر " غياب الزمان " هذا على الكتابة الشذرية التخييلية وحدها ، وبالفعل ، فإن أعمال بلانشو Blanchot) (الشذرية تقودنا إلى التفكير في الزمان بطريقة مغايرة ، وبالتالي ، فإنها تبلبل علاقتنا بالعالم .
سوف تكون قراءتي في المقام الأول قراءة تعاقبية ، ويتعلق الأمر بإدراك انبثاق الحاجة لدى بلانشو إلى اللجوء إلى الكتابة الشذريةثم من أجل تحليل الصيغ الزمنية المختلفة التي تعبر عن نفسها من خلالها .
في أصل الكتابة الشذرية ، تتحقق حركة التاريخ في أربعة أحداث متتابعة . ففي عام 1958 يعود بلانشو1 إلى باريس بعد إقامة طويلة بإيزا Eze) (( كوت دازور ) ، ربط صداقة مع ديونيس ماسكولو (Dionys Mascolo) ، روبير أنتيلم (Robert Antelme) ، لوي ـ رونيه دي فوريه (Louis-René des Forets) ومارغريث دورا Marguerite Duras) (. كانت فرنسا في خضم حرب الجزائر ، وفي 13 من شهر ماي ، فشلت محاولة انقلاب قام بها جنرالات الجزائر وعاد دوغول إلى السلطة : " محمولا بحسب عبارات بلانشو ، هذه المرة ، ليس بواسطة المقاومة ، بل بواسطة المرتزقة " 2 . يمكن ملاحظة أن الكلمات والنبرة التي تم توظيفها من لدن بلانشو هي تقريبا نفس الكلمات والنبرة التي وظفها بغاية مهاجمة بلوم Blum) (قبل الحرب ؛ يعتبر الزمن السياسي شأنه في ذلك شأن الزمن الأدبي عودا أبديا .
وفي نفس السنة قام بنشر اثنتي عشرة مقالةً سيتم ضم الجزء الأعظم منها إلى [كتاب] الصداقة L’Amitié) (، إلى [كتاب] الحوار اللانهائي L’Entretien Infini) (. ومن بين تلك المطبوعات ، لا تستحضر أي منها الكتابة الشذرية ، وحتى المقالة التي تتعلق بنيتشه " نيتشه في الوقت الراهن " . ومع ذلك ، فإن الكتابة الشذرية التي سبق تواجدها في العمل ليست مثل قول نقدي ، بل مثل كتابة تخييلية . وبالفعل ، فقد قام بلانشو عام 1958 ، بنشر خلاصات مطولة 3 عما سيصبح بعد أربع سنوات ، الانتظار النسيان ، حيث أن فصل العنوان يعلن عن التشذير أو على أي حال ، [يعلن عن] التقسيم ، وحتى الانقطاع . للوهلة الأولى والحالة هذه ، فإن الكتابة الشذرية التي قام بلانشو بعرضها والتي ستشكل نصه السردي الأخير والكبير ـ إذا ما تم استثناء لحظة موتي L’Instant de ma mort) (ـ ، لم تشكل ردة فعل مباشرة ، مرئية حول كتابته النقدية سواء الأدبية منها أو السياسية ، ينبغي انتظار [كتاب] Le Pasau- dela) (من أجل أن تتشابك الصيغتان الكتابيتان .
إن قرار الانخراط في الكتابة الشذرية يرتبط بهَمٍّ ما ، ألا وهو تجديد الاتصال في عشر سنوات ( 58 ـ 68 ) مع " نشاط " سياسي واجتماعي ، نشاط سبق أن تخلى عنه منذ الحرب . ليس الالتزام بما هو كذلك هو ما قاد بلانشو نحو التشذير بل صيغة التعبير عن هذا الالتزام ؛ فمن جهة الكتابة الجماعية لما سيتم تسميته بالـ" بيان 121 " ومن جهة أخرى كتابة مجلة متلاحقة في البيان . إن المطالبة بالدعوة إلى العصيان ، والتي تم الاضطلاع بها إلى حدود تجريم الموقِّعين ، قد تسببت في اضطراب ثقافي كبير. لقد سبق لسارتر أن صرح لبلانشو بأن الانخراط في " بيان 121 " لن يكون له من معنىً ما لم يكن متبوعا بمجلة تشكل صدىً للمَناخ الثقافي الجديد . وهذا يعني ، بالنسبة لبلانشو ، أنه يتوجب حاليا أن نكتب بطريقة مغايرة ؛ ثمة صدع ، انقطاع للتاريخ يتضمن تغييرا جذريا لشكل التعبير عن الثقافي ، على هذا الاضطراب أن يتجسد في كتابة جماعية ، وهكذا يدافع عن وجهة نظره : " في مثل هذه النقطة القصوى من الزمن ، فكر في إنشاء مجلة جديدة ، فقط أن تكون أكثر إثارة للاهتمام أو أفضل من الأخريات ، سيبدو ذلك سخرية . لا بد لمشروع مماثل ، والحالة هذه ، أن يرتب باستمرار وفقا لجاذبيته الخاصة التي هي الشروع في الإجابة عن هذا اللغز الخطير الذي يمثله الانتقال من زمن إلى زمن آخر " 4 . ( ص 180 ، التشديد من عندي ) . إذا كان سارتر قد اقترح إعادة التفكير في الأزمنة الحديثة ونادو Nadeau) (في تطوير الآداب الجديدة ، فإن أيّاً من الفكرتين لم ترضيا بلانشو الذي دعا إلى إصدار مجلة جديدة ، والتي ، بالإضافة إلى ذلك ، ستكون مجلة دولية . سيشغل هذا المشروع وقته قرابة أربع سنوات ( 1961 ـ 1964 ) ، نذر نفسه لذلك دون احتساب مساعدة ديونيس ماسكولو ، وستتم مساندة الاثنين من قبل دي فوريه وبارت ، ولسوء الحظ ، فإن سارتر لن ينخرط في المشروع ، وهو ما شكل بدون شك سببا من أسباب فشل المجلة .
يستحق مشروع المجلة التوقف عنده بعض الوقت ، وفعلا فإن بلانشو لأول وآخر مرة ، يعبِّر فيه عن الضرورة الإيديولوجية إلى اللجوء إلى الكتابة الشذرية :
" يمكن القول باختصار ، بوجود أربعة أنواع من الشذرات : 1 ) الشذرة التي ليست سوى لحظة جدلية لمجموعة شاسعة جدا . 2 ) الشكل الحِكَمِيُّ ، عنيف يكتنفه غموض ، باعتباره شذرة يكون مكتملا . الحكمة هي طبق الاشتقاق أُفُقٌ ، أفق يُقَيِّدُ ولا يفتحُ . 3 ) الشذرة المرتبطة بحركية البحث ، بالفكر المترَحِّلِ الذي يكتمل بواسطة توكيدات منفصلة وموجبا للانفصال ( نيتشه ) . 4 ) وأخيرا أدب شذرة يتموضع خارج الكل ، فإما لأنه يفترض أن الكل تحقق من قبل ( كل أدب هو أدب نهاية للأزمنة ) ، أو لأن بجانب أشكال اللغة حيث يتشكل الكل ويتم التخاطب به ، كلام المعرفة ، [كلام] العمل والخلاص ، إنه [أدب الشذرة] يحدس كلاما مختلفا عاملا على تحرير فكر يكون فقط فكرا في سبيل الوحدة ، بعبارة أخرى موجبا لانقطاع جوهري . وبهذا المعنى ، فإن كل أدب هو الشذرة ، سواء أكان موجزا أو لانهائيا ، شرط أن يُبرِز فضاءَ لغة حيث كل لحظة سيحضر معناه ووظيفته في جعل كل [الآداب] الأخرى غير محددة أو ( هذا هو الجانب الآخر ) حيث يكون توكيد معين يتعذر اختزاله موضع تساؤل بخصوص كل سيرورة مُوَحِّدة . ثم يضيف بلانشو بين هلالين : ( بطبيعة الحال ، فإن سؤال الشذرة هذا يمكن النظر إليه بطريقة مغايرة ، لكني أعتقد أنه أساسي ، لاسيما بالنسبة لهذا المشروع . إنه على الدوام سؤال المجلة كشكل ، كبحث عن شكلها الخاص . ) " ( " مذكرة حول سير الأحداث " ، [مجلة] سطور رقم 11 ، ص 187 ـ 188 ) .
إن هذا التعريف الرابع هو ما يشكل أهمية بالنسبة لبلانشو والذي سيشكل بالنسبة إليه قاعدة كتابة المجلة القادمة . ماوراء ابتكار شكل جديد حتى الآن لم ينشر بشكل جماعي ، يُنَقِّب بلانشو من خلال الشذرة عن كتابة تسائل العالم والكتابة ذاتها ، كتابة تُعطل حركتها ، تنفتح كذلك على الحوار ، على الكلام المتعدد ، كتابة يكون فيها " كل شيء ممكنا " .
من المعروف أن تلك المجلة سوف لن تتحقق أبدا ، ليس فقط لأن بعضا من أعضاء المجموعة كانوا يرفضون الشكل الشذري ، بل لأن ذلك التشذير كان سيبدو بشكل مأساوي بالنسبة للكتاب الألمان الذين كان يجب عليهم الانخراط في المجلة الدولية ، عبر جدار برلين ، عاملا من ألمانيا ، نفس العلامة لعالم ، لفضاء سياسي كان مقبلا على أن يعيش جرحا منذ ما يقارب خمسين سنة . لم تكن الكتابة الشذرية تخلو ، في وقت من الأوقات ، مما هو راهن بشكل مأساوي . ففي مقال منشور تحت عنوان " جدار برلين " ، فإن التوازي بين الكتابة الشذرية والقطيعة الألمانية فقد تم إثباته بواسطة بلانشو من خلال هذه العبارات : " [...] ليس الاختيار المتَعَمَّد للشذرة انسحابا متشككا ، الإقلاع المُتعَب عن مصادرة كاملة ( بإمكانه أن يكون كذلك ) ، بل هو منهج صَبورٌ ـ لا صبور ، متحرك ـ لا متحركٌ من البحث ، وكذلك الإثبات إذ إن المعنى ، تمام المعنى لن يدرك على الفور فينا وفي ما نكتبه ، إنه لم يأت بعد ثم إنه ، بمساءلة المعنى ، فنحن لن ندركه إلا كصيرورة ومستقبل سؤال ؛ 4 . إن ذلك يعني ، أخيرا ، وجوب التَّكرار . إن كل كلام شذرة ، كل تفكير يلزم بذلك : إعادة وتعدد لانهائيان " . ( مجلة سطور Revue Lignes) (03 ، أكتوبر 2000 ، ص 132 ، التشديد من عندي ) . إن الكتابة الشذرية هي إذن بالنسبة لبلانشو عصر شك ، فمنذ الحرب واكتشاف الشواه Shoah) ( ، لم يتوقف العالم عن الترنح ، إن زمن الإثباتات ، اليقينيات قد اكتمل .
على أنه ينضاف إلى تلك الكتابة الجماعية التي تم تجريبها في مستهل الستينات ، كتيار مضاد لها : الكتابة بدون توقيع . ستعبر تلك الكتابة المجهولة عن نفسها بطريقة حاسمة في ماي 68 وخصوصا في مجلة اللجنة(La revue comité) ( أكتوبر 1968 ) ، " تقرير نُشر بواسطة لجنةالطلبة ـ الكُتَّاب لخدمة التيار " ، فكل تلك النصوص والشعارات تم نشرها سرا ، ولم تتم الإشارة فيها إلى أي اسم مستعار ، وحدها الاستشهادات تمت الإحالة عليها بوضوح . وفيها[ النصوص والشعارات] يتم العثور على نصوص تم تحريرها في الغالب إما على يد ديونيس ماسكولو ، أو بواسطة موريس بلانشو . وفي هذا الموضوع ، من الملفت للنظر جدا أن نرى كيف أن العديد من النصوص المُغفلة لمجلة اللجنة تنسب إلى بلانشو هي نصوص شذرية . سيتم العثور على بقايا من تلك النصوص في الصداقة ، ولاسيما " قراءة ماركس " ، تمت العودة إليه تحت عنوان " أقوال ماركس الثلاثة " . ولكن أيضا ، فإن الشذرات المعنونة " ملصقات منشورات إخبارية " تعتبر ذات مغزىً كبير ، تعلن عما سيشير إليه موريس بلانشو في الحوار اللانهائي ، وفقا للعبارة : " غياب الكتاب " ، فقد كتب ، الكل يسهم في غياب الكتاب " . كانت أحداث ماي تنسجم بوضوح مع القول الشذري ؛ إيجاز ، تكثيف الرسائل ، معنى الصيغة ، حرية خطابية ، ابتكار .
إن زمن الكتابة الشذرية ، والحالة هذه ، هو أولا زمن القول المُغفل ، زمن الضجة والهدير ، قول الجميع ، من أجل الجميع ، موحَّد ضمن ما يسميه بلانشو فيما بعد بـ" التجمع المخجل " ، بعبارة أخرى ، تجمع أولئك الذين ليس لديهم ما يوزعونه ، إن لم يكن اقتراب الاحتضار القادم .
إن هذا المسار السياسي الذي قمت بتقديم خطوطه العريضة باختصار من خلال بعض التواريخ 1958 ، 1961 ـ 1964 و1968 ، التي قادتنا إلى أصل الكتابة الشذرية لبلانشو . إني لن أنسى ، فقد سبق لي قول ذلك ، كما أنه في نفس الفترة قام بنشر محكيات تحضر فيها الكتابة الشذرية بشكل كبير . ماكنت أود مقاربته بإيجاز هنا هو أن الكتابة الشذرية عند بلانشو شبيهة كما يبدو لي بالكتابة الشذرية عند بارت لكن مع اختلافات معروفة ( يتعلق الأمر لدى بارت باستراتيجية هروب زائدة ، بالرغبة في عدم الانحباس في نمط خطابي ، الانفلات من صورة يتم تحويلها إلى نُصب ) ، حصيلة اختيار إيديولوجي . تفرض الكتابة الشذرية ـ إنها ضرورة ـ نفسها على هذا النحو ، فهي لا تسجل قطيعة جمالية فحسب لكنها تتطابق مع زمن آخر ، سيتم ضمه إلى أحداث تم فيها استحضار أسماء أعلام لفيناس Lévinas) (، دريدا ، فوكو ، دولوز ، دي فوريه ، ماسكولو لكن أيضا الدوال " يهودي " ، " شواه " ، " تجمع " ، " كارثة " . لنا عودة إلى شعرية التشذير لكن أيضا إلى سياسة التشذير .
بالتوازي مع ذلك الالتزام السياسي الجديد ، مع ذلك الانخراط الجديد في الزمن الاجتماعي ، يواصل بلانشو نشر محكيات عدة في مجلات مختلفة ، ليس فقط بالنسبةلـ الانتظار ، النسيان الذي سبق لي أن خضت القول بخصوصه . ففي الخمسينات ، عمل بلانشو على نشر شذرات من ثلاثة محكيات في مجلة بوتيغيه أوسكير Botteghe Oscure) (، ذلك الذي لم يرافقني (1953 ) ، الرجل الأخير (1957 ) ولاسيما عملا شذريا حقيقيا ، الانتظار النسيان . إني أتكلم عن طواعية عن نشر شذرات وليس عن خلاصات . وبالفعل ، فلو تم التركيز بخصوص شكل الظهور الذي صحب الرجل الأخير ، يمكن ملاحظة أنه تم نشره على شكل نصوص ثلاثة ، " الهدوء " 5 ( ص 106 ـ 121 من الرجل الأخير ) ، " كمثل يوم الثلج " 6 ( الرجل الأخير ، ص 125 ـ 127 ، 134 ـ 147 ) ، " الرجل الأخير " 7 ( الرجل الأخير ، ص 1 ـ 23 ) وأخيرا " فصل الشتاء " 8 ( الرجل الأخير ، ص 26 ـ 28 ، 44 ـ 46 ، 47 ـ 56 ، 58 ـ 61 ) .
ثمة ثلاثة أسباب للكلام عن النشر الشذري : السبب الأول لأن الشذرات تم نشرها في ثلاث مجلات مختلفة ، الشيء الذي يؤسس لانقطاع جلي في القراءة ، إذ لا يتعلق الأمر بنشر متواصل ، " متسلسل " ثم السبب الثاني ، لاسيما وأن الشذرات المنشورة تم إيقافها عن استمراريتها ، وأخيرا ،السبب الثالث ، كذلك فإن النشر لا يتبع التسلسل الزمني للمحكي ، يتم خلخلة وإيقاف القراءة الخطية . بقراءته للشذرات شيئا فشيئا ، لن يكون القارئ بدون شك إذا ، قادرا على البناء ، إعادة بناء ما سيصبح خلال أشهر فيما بعد ، محكيا ، الرجل الأخير . لن يكون الأمر مماثلا بالضبط بالنسبة للانتظار النسيان ، حيث العديد من الشذرات ظهرت في مجلة ، تحت عنوان " الانتظار " 9 ، لكن ضمن تسليمة واحدة .
ما الذي تقوله لنا أشكال النشر تلك بخصوص عرض الزمن في الكتابة الشذرية ؟ عاملا على تحريف سير الأحداث ، يحث الاستمرار السردي القارئ على مواجهة زمن التشذير كزمن غير خطي . كونه مكتوبا على شكل شذرات ، لم يصبح الرجل الأخير محكيا بعدُ ، فهو يقدم نفسه للقراءة مثل لحظات منفصلة عن بعضها البعض ، مصنفة بواسطة عنوان . بالإمكان ملاحظة ، على سبيل المثال ، أن الشذرات الموسومة ب" الهدوء " ، والتي تم نشرها أول مرة تشكل ، بشكل متناقض ، تقريبا الصفحات الأخيرة من الرجل الأخير . فما يوحدها تحت ذلك العنوان ، هو التكرار اللانهائي لعبارة " هدوء " ، التي ظهرت حوالي ثلاثين مرة في خمس عشرة صفحة . يمكن لتلك الصفحات المنفصلة عن المحكي أن تقرأ بمعزل عن بقية المحكي ، مثل مونولوج استبطاني طويل ، به صوت يتكلم ، ينصت إلى الخارج . يضاف إلى ذلك ، أن تلك الفقرة الطويلة ، تعتبر الوحيدة من الرجل الأخير ، الذي يتضمن شذرة منفصلة بداخل المحكي ذاته ، كما لو أن الأمر يتعلق بوجود تضمين mise en abyme) (للكتابة الشذرية ، يدرج لأول مرة في الكتابة السردية فقرات مكتوبة بشكل مائل ، وستسترعي واحدة منها انتباهنا بشكل خاص لأنها تخص مفهوم الزمن :
" ما الذي يجعل ما تم قوله ، الأزلي ، يتوقف عن القول ؟ ـ " على أنه لا شيء قد تغير . فقط أنه يلزمك أيضا أن تعرف الأبدية في الماضي . عليك أن ترتفع عاليا بما فيه الكفاية كي تتمكن من قول : إن ذلك كان . تلك هي الرسالة التي تم الاحتفاظ بها لك . "
إني لا أومن بهذا القول ، لكني لا أملك أيضا القدرة على الانفلات منه. فكما لو أنه كان ينبغي علي الإصغاء إليه ، هو أيضا ، في الماضي ، ثم إني أعي أن عدم الإيمان به ، يعني السقوط بسرعة مِثله في المنحدر الذي سبق له حفره . " ( الرجل الأخير ، ص 118 )
يعتبر عالم المحكيات البلانشوتية شكا جذريا في الزمن ، في الزمنية ك" سير للأحداث " . الأحداث غير مؤكدة . ما الذي حدث ؟ لم يحدث ؟ يستدعي زمن محكيات بلانشو القارئ إلى زمن مغاير ، ليس زمن التخييل ، الأحداث التي تصادفها الشخصيات ، بل زمن السرد . كما لو أن الشخصية الرئيسة لمحكياته كانت هي زمن الكتابة ذاته ، ليس زمنا ضائعا ، بل زمنا في طور التحقق . إن قصة المحكي هي فعل الحكي . إن الزمن البلانشوتي لا يمنح ، إنه يختبر . بولوجه أول مرة هذا العالم المُقلق ، وأحيانا يكون مسببا للدوار ، يصبح القارئ ، ـ كما كتب السارد في الصفحات الأخيرة المبتورة من نهاية إيقاف الموت ، ـ " غنيمتي " ، يجد نفسه أسيرا في زمن يتحول إلى مِلزَمَةٍ . ملزمة بالنسبة لشخصيات تقع في فخ في زمن ينفلت منها ، ملزمة بالنسبة لقارئ ، تائه تماما بواسطة زمن " غياب الزمان " . إن الزمن البلانشوتي هو بجد زمن الخارق ، [زمن] ما لا يُتَصوَّر . زمن المُبهم الذي لا يَعِدُ بأي نور ، أي انكشاف ، على العكس تماما ، فهو يقودنا ، أكثر فأكثر ، إلى ليل بهيم .
زمن الأحداث ( مهما كانت تافهة جدا ) التي تؤثر في الشخصيات وفي أفعالها أعني في أقوالها المستحيلة بشكل عام ـ افكر في الانتظار النسيان ـ ، هو زمن التكرار ، وبشكل متناقض زمن الاختلاف . إن التكرار هو إعادة وإذاً فهو اختلاف ، لا وجود للشيء نفسه ، أو أنه لا وجود إلا للشيء نفسه . ففي المدة يكون الشيء ذاته على الدوام شيئا مغايرا ، ففي صلب التكرار ذاته ، يكون قدوم الشيء المجهول دائما .
سوف لن تتم مقاربة الزمن البلانشوتي إلا من خلال بلاغة مجاورة للاهوت سلبي ؟ فهو ليس قابلا لا للتمثل ، ولا متحجرا ، لا يمكنه أن يشكل موضوعا لوصف ، وهو كذلك ليس موضوعا لبحث ، ولا [موضوعا] لحاضر افتتاني أبدي . يستخف الزمن البلانشوتي مما لا شأن له ؛ عندما يظهر الحدث فجأة ، فإني لم أعد هناك بعدُ كي أعيشه ، إن الحاضر يكون ، كما هو الحال دائما قد مضى .
إن قدوم الحدث يضايقنا إلى حد أنه يعمل على تغيير الزمن ذاته . فالشيء الذي أتى ، سيأتي ، سيعود غير معروف ، كما لو أن التكرار ذاته كان ينفلت .
إن زمن " غياب الزمان " ، زمن الكتابة الشذرية يستعصي على كل فهم ؛ حاضر بدون حضور ، ماض أكثر حضورا من الحاضر ذاته ، [زمن] قادم لكنه بدون مستقبل ، منتميا إلى الماضي . فمع بلانشو ، نقارب تلك الحقيقة الجلية والقابلة للتصور (CONCEPTUALISABLE ) بصعوبة : ثمة أكثر من زمان . ما الذي يتراجع في " زمن غياب الزمان " ؟ الحاضر ، " إمكانية حضور 10 " كتب في خطوة إلى الوراء (LEPas au-dela). لا يتبقى من الماضي أي شيء سوى العود الأبدي للماضي ، ماض " ضارب في القدم جدا " كرر القول في كتابة الكارثة ، ماضٍ سحيق . كما كتب لفيناس : " إن الـ" تجارب " الكبرى لحياتنا لم يتم عيشها أبداً بالمعنى الدقيق للكلمة . " 11 إن الزمن في عمل بلانشو يعتبر زمنا شكيا . ربما إن غرابة غيابه الجذرية تكمن في الوفرة ذاتها للزمن ؛ غياب الزمن ، أليس كذلك ، بمعنى من المعاني ، التعايش الغريب في اللحظة ذاتها ، للماضي ، للحاضر والمستقبل كما سبق لنا تقديم تعريف لذلك في وقت سابق . لنتذكر أنه في الانتظار النسيان : " تلك الوفرة الكبيرة والناقصة للزمن ، ذلك النقص الفائض للزمن . " ( ص 95 ) .
إن تكرار بعض الصور البلاغية ، بشكل دائم ، سواء أتعلق الأمر بقلب العبارة le chiasme) ( ، هنا ، الضديدة oxymore) (أو بالمفارقة ، في مكان آخر ، فكل تلك الصور تقودنا نحو عالم آخر ، تجبرنا على رؤية ما لا يمكن تمثيله irreprésentable) (، تقودنا نحو زمن خيالي ، زمن لا يمت بصلة لذلك العالم ، زمن محتفظ به لمكان الكتابة الوحيد .
بالإضافة إلى ذلك ، هل سيصبح زمن " غياب الزمان " ضديدة في عمل بلانشو أو أنه يخفي حقيقة كتابية وأنطلوجية حتى ؟ ماهو زمن الكتابة إذاً حيث الزمن لم يوجد أبدا ؟ نحو أي كثافة للزمنية يقودنا ذلك الفكر ؟
إذا كان الزمن يشكل جزءا لا يتجزأ من المدة ويكون بإمكانه ، بشكل مصطنع ، أن يوظف في ألفاظ الماضي ، الحاضر ، المستقبل ، وإذا كان كما يقول الكلام الشعبي " الزمن يَمُرُّ " ، ستصبح الكتابة تلك اللحظة ، ذلك الحدث حيث يتوقف الزمن ، يقوم بإيقاف الانقطاع ذاته .
وهذا هو السبب في منح الكتابة الشذرية امتيازا : انقطاع ، تصدع الفضاء و ، بشكل مفارق ، زمن إعادة القول ، اجترار الكلام ، كتابة دائرية ، عائدة إلى أصلها كما لو أنه ، بطريقة معينة ، لا شيء لم يحدث سوى أقوالها المنفلتة ، المجهولة والهادرة .
دائما ما يعتبر الكلام الشذري بطريقة ما صوت الرجل الأخير ، كلاما أُخرَوِياًّ eschatologique) (، صوتا متنبئا من أجل وفي " غياب الزمان " .
إن التفكير في اختلاف الزمان ، الأزمنة على سبيل المثال حينما قام المؤَلِّف بنشر ، ما اعتبره الناشر مثل " نسخة جديدة " من الرجل الأخير في حين أن لاوجود لكلمة تميزها عن النسخة السابقة ، أو على الأصح إذا وجدت ، كلمة ، الكلمة الوحيدة " محكي " التي كانت تظهر على غلاف النسخة الأولى قد تم تشطيبها من الطبعة الجديدة . سيوجد بدون شك تحليل دقيق جدا كي يجعل من إعادة كتابة مقالات بلانشو المنشورة في الأصل في مجلات ثم في كتب ، ولاسيما فيما يتعلق بالعناوين ، ملاحظة نوعية الأسلوب الذي به شكل الزمن هناك أيضا العمل من الداخل . على أن تحليل القراءات المختلفة ، [تحليل] التغييرات التي تكون طفيفة أحيانا في تكرار نص سيتم بالتأكيد محاولة ذلك بالنسبة للمحكيات . وقد قام جاك دريدا بفعل ذلك بمهارة بالنسبة لعنوان جنون اليوم12 La folie du jour) (، وبيير مادول 13Pierre Madaule) (بالنسبة للصفحتين الأخيرتين اللتين تم بترهما أثناء إعادة طبع إيقاف الموت . سيكون بالإمكان كذلك التساؤل بخصوص إعادة طبع طوماس الغامض (Thomas L’obscur) ، " نسخة جديدة " ، كما لو أن بلانشو أعاد كتابة طوماس عاملا على اقتباس فصول ، باقتلاعها من النسخة الأولى . دون الحديث عن تشذير الأعمال السردية ، نستطيع على الأقل المجازفة بالحديث عن التَّصَدُّع ، عن التعطيل ، الانقطاع ، كما لو أن ، عمليا منذ ولادة العمل ، المحو ، الفقدان يشكلان العمل ليس في مضمونيته thématique) (فحسب ، بل حتى في بنيته ذاتها . النار في العمل .
إن الانشغال ، " النظري " إجمالا من أجل الذهاب سريعا ، بالكتابة الشذرية لا يؤرخ بالحوار اللانهائي ، فقد تساءل بلانشو ، من قبلُ ، تكرارا حول الكتابة الشذرية ؛ نسوق ، دون اعتبار تلك اللائحة شاملة أسماء باسكال جوبير Pascal Joubert) ( ، الرومانسيين الألمان ، فاليري Valéry) (، كافكا ، شار Char) ( ، جابيس Jabes) ( ، نيتشه . ومهما يكن ، فإذا تم استعمال عبارة شذرة هنا أو هناك ـ ومهما يكن ، فإن ذلك يعتبر في الواقع نادرا جدا ـ في بعض المقالات التي تخص الأعمال التي سبق لنا الإشارة إليها ، فإن أية دراسة لا تشكل في ذاتها تحليلا للكتابة الشذرية ، من أجل هذا لابد من انتظار الحوار اللانهائي . بإعادة قراءة بخصوص تلك التظاهرة الحوار اللانهائي ، أدركت باستغراب معين أنه في الواقع هناك مسألة ضئيلة من الكتابة الشذرية على هذا النحو ، ولو أن عبارات مثل " حوار " ، " قول متعدد " ، ليست غريبة على إشكالية التشذير . على أنه باختصار ، تعتبر عبارتا " شذرة " ، " شذري " نادرتين جدا ، خصوصا إذا ما تم التفكير في الجزء الثالث والأخير من العمل بعنوان " غياب الكتاب 14 " لاسيما أنه يحمل عنوانا فرعيا : " ( المحايد الشذري " ) .
في مستهل الكتاب يتم وضع الكتابة الشذرية تحت علامة التعب . إنه موضوع الحوار المُطَوَّل المكتوب بشكل شذري وبخط مائل لتحريض القارئ على ذلك . لا نملك من الوقت ما يجعلنا نتوقف عند هذا النص التمهيدي ، على أننا نحتفظ في الذاكرة أن زمن الكتابة الشذرية هو زمن التعب ، الإضناء ، إنهاك الجسد وندرة الكلام . ففي إطار هذا الحوار بين صوتين خياليين ، أن ذلك إلى حد ما كما لو أن حوارات الرجل الأخير كانت تمتد . ففي تعب الرجل الأخير كما هو الحال في تعب ذينك الصوتين للحوار اللانهائي يتحقق " زمن غياب الزمان " كإفراط في التعب ، تعب ليس بإمكانه أن يقود إلى أي راحة ، تعب قوي جدا إلى درجة السُّهاد ، السهر ، الأرق . يبدو أن بياض الشذرة يدرك ذلك الإضناء ، كتنفس خافت ، مثل ضرورة استعادة النفس من جديد :
" ذلك هو الوضع : لقد فقد القوة على التعبير بطريقة مستمرة ، كما ينبغي ، فسواء أرغبنا في الاستجابة لانسجام نص منطقي من خلال تسلسل ذلك الزمن اللازمني الذي هو زمن الدافع إلى العمل ، باحثا عن الهوية والوحدة ، أو ننقاد إلى الحركة المتصلة للكتابة . " ( الحوار اللانهائي ، 12 ) .
إذا كان التعب هو فقدان السيطرة على الذات ، على العالم ، صيغة " سلبية أكثر سلبا من كل سلبية " وحتى نستعير عبارة لفيناس ، التعب هو أيضا زمن الكتابة ، الزمن الدائري للانطواء على الذات . ففي كتابة التعب ، لا أمسك بالعالم ، العالم يأتي إليَّ ، أستقبل هديره ، بعيدا عن الزمن الاجتماعي ، [بعيدا] عن الزمن السياسي للاهتياج ، أكتب همس الخارج . لم يبق لدي متسع من الوقت أبدا ـ ليس لدي سوى الوقت .
لكن لنتابع مسارنا الفائق السرعةلـالحوار اللانهائي بهدف التوقف عند المقال الطويل جدا من المجموعة كلها ( 57 صفحة ) والذي يقترح تفكيرا معمقا حول الكتابة الشذرية لنيتشه 15 الذي سوف تتم العودة إليه في خطوة إلى الوراء . يتعلق الأمر بالمقال الموسوم ب" نيتشه والكتابة الشذرية " . سوف لن أحتفظ في هذا النص إلا على نقاط ثلاث تبدو لي جوهرية بغاية تقديم تعريف للكتابة الشذرية تبعا لبلانشو . النقطة الأولى ، لاتتعارض الكتابة الشذرية مع الاتصال continuité) (، ليست الشذرة انقطاعا للكل ، إنها ليست تجزئة لمجموع واقعي أو خيالي . إن الشذرة ، بالنسبة لبلانشو ، ليست فُضلة أو أثرا نهائيا لكل مكسور ، التشذير هو " لغة مغايرة 16 " لا يتم تعريفه بالنسبة إلى الكل ، وفي ذلك فهو يعتبر شكلا ( إن لم يكن قوة ) مدمرا .إن تأهيل الشذري ، هو بذل جهد للتفكير في تلك الكتابة دون الإحالة على الواحد . ثاني نقطة مهمة ، الضرورة الشذرية تكون مرتبطة بتمثيل معين للزمن ، ألا وهو تمثيل العود الأبدي : " يقول العود الأبدي الزمن مثل تكرار أبدي ويكرر القول الشذري ذلك التكرار مجردا إياه من كل أبدية . 17 " ربما إنه بربط الشذري بسؤال الزمن هو ما يمكن للشذرة بالضبط أن تُعَرَّف بعيدا عن كل اتصال . تفتح الشذرة الكلام على زمنية أخرى ، تخرق قانون الاتصال ، أكان هذا الاتصال خطابيا أو سرديا ؛ ففي الضرورة الشذرية يتقلص الزمن . النقطة الثالثة والأساسية التي يعرفها بلانشو ، هي حضور المـُ(ـمـُ) ـحَايِدُ 18 في الكتابة الشذرية 19 .
بالكاد يأتي ذكره [المحايد] في نص حول نيتشه ، يعود بلانشو مرة أخرى إليه في نصين بخصوص رونيه شار : " رونيه شار وتفكير المحايد " ( الحواراللانهائي ، ص 439 ـ 450 ) و " قول الشذرة " ( الحوار اللانهائي ، ص 451 ـ 458 ) . الكتابة الشذريةهي ما يجعل المحايد يتكلم . ماذا يعني هذا ؟ لن يكون ، مرة أخرى ، تعريف المحايد ، إلا سلبيا ، مُقَعَّرا ، ليس المحايد ... فهو ليس ... ولا ... إنه ليس إثباتا ، ولا نفيا ، لا قولا ذاتيا ، ولا قولا موضوعيا ، لا حضورا ، ولا غيابا . قد يكون الكلام المحايد أطول وأبطأ عمل سلبي في كل شيء ، شرط ألا يصمم هذا السلب ذاته على أي شيء ، ألا يثبت أي شيء . سيكون للمحايد بعض الانجذاب إلى إله إسحاق لوريا Isaac Louria) ( الذي لا يعطي إلا منسحبا ؟ ليست مقاربة المحايدle neutre) ( قابلة للتصور ، إنها [المقاربة] تجربة إضافية أسلوبية وظاهراتية في نفس الوقت . ينتمي المحايد إلى اللغة ، على أنه ليس مقولة نحوية ، فهو ينتمي إلى الفعل التلفظي غير أنه ليس قولا ، ولا عملا ، إن المحايد ليس إنجازيا performatif) (، لا سلطة له ، لا يفي بما يَعِدُ بِهِ وكذلك فإنه يُضِلُّ ويخلخل الكلام والفكر .
" سيصبح المحايد الفعل الأدبي الذي لا هو بالتأكيد ولا هو بالنفي ثم إنه ( في خطوة أولى ) يُحَرِّرُ المعنى مثل طيف ، وسواس ، ظِلِّ معانٍ ، كما لو أن ميزة الأدب كانت طيفية ، لا يلاحق ذاته ، ولكن لأنه يحمل الإعداد لكل معنى سيغدو وسواسه ، أو بكل بساطة لأنه ينحصر في ألا ينشغل بأي شيء آخر ماعدا تصنع اختزال الاختزال ، أكان هذا الأخير ظاهراتيا أم لا وهكذا ، بعيدا عن إلغائه [الأدب] ( حتى وإن حدث تظاهره بذلك ) ، توسيعه ، بحسب اللامتناهي ، من كل يُجَوِّفُهُ ويحطمه . " ( الحوار اللانهائي ، ص . 448 ـ 449 ) .
إن الحوار اللانهائي ، ذلك المجموع هو اللحظة حيث كتابة بلانشو تغير الزمن ، النبرة ، الاتجاه ، يبدو أنها تعتزل النقد الأدبي شيئا فشيئا لصالح اللوغوس logos) ( الفلسفي . يسجل الحوار اللانهائي ، الزمن البلانشوتي بشكل مضاعف ، فهو في نفس الوقت وداع لكتابة معينة ، [وداع] للنقد ، لكتابة السيطرة ، على أنه أيضا يشكل فجرا لكتابة جديدة ، متعددة ، بوليفونية ، شذرية . بعد الحوار اللانهائي ، أصبحت كتابة بلانشو النقدية نادرة جدا ، سوف لن يقوم بأي تعليق على نص ما من النصوص ، باستثناء أعمال أصدقائه ( دي فوريه ، دريدا ، لفيناس ، سيلان ...) النفس يضعف ودون الدخول في التفاصيل المفرطة في البيوغرافية ، فإن الكتابة الشذرية هي بدون شك أيضا كتابة سَقِيمَةٌ .
ظهر [كتاب] خطوة إلى الوراء سنة 1973 وكتابة الكارثة عام 1980 ، وهما كتابان ضخمان أخيران لبلانشو على الأقل ، من خلال الانتظار النسيان ، وهو الكتاب الوحيد الذي يتضمن عبارة " غياب الزمن " .
إنه الانتظار ، حينما الزمان على الدوام يكون فائضا ومع ذلك فإن الزمان يضيع في الزمان .
إن ذلك الغياب الفائض للزمان هو مدة الانتظار .
في الانتظار ، فإن الزمن الذي يسمح له بالانتظار يتلاشى كي يستجيب بشكل أفضل للانتظار .
إن الانتظار الذي يحدث في الزمن يفتح الزمان على غياب الزمن حيث لا توجد حاجة إلى الانتظار .
إن غياب الزمان هو ما يجعله ينتظر .
الزمن هو الذي يمنحه شيئا للانتظار .
في الانتظار يسود غياب الزمان حيث الانتظار توجد استحالة الانتظار .
يجعل الزمان استحالة الانتظار ممكنة حيث يتأكد ضغط غياب الزمن .
ففي الزمان ، يأتي الانتظار على نهايته ، دون أن يضع حدا للانتظار .
إنه يعرف ، حينما يأتي الزمن على نهايته ، يتبدد غياب الزمن أو يتوارى . على أنه ، في الانتظار ، إذا ما كان يمنحه الزمن دائما شيئا ما لانتظاره ، كانت نهايته الخاصة أو نهاية الأشياء ، فقد كان مُهَيَّئاً سلفا لغياب الزمن الذي خَلَّصَ على الدوام الانتظار من تلك النهاية ومن كل نهاية . ( الانتظار النسيان ، ص 98 ـ 101 )
الكتابة الشذرية هي كتابة التكرار ، التغير ، وربما [هي] فن الاختفاء . يتلاعب السارد بالتقويم épanorthose) ( بقدر تلاعبه بالمفارقة paradoxe) ( ، ثم إننا نستعيد هنا صفات المحايد . نتذكر فيما بعد أن بلانشو يعرف ، أوبالأحرى يقترب بواسطة دوائر متراكزة concentrique) ( لفكرة غياب الزمن عاملا على ضمها إلى الانتظار . فبفضل الانتظار يكون بمستطاع الذات أن تقوم باختبار زمن حيث لا شيء يحدث ، وبإمكان المرء إذا تصور أن الانتظار ليس هو زمن غياب الزمان ، بل زمن فائض الزمن ، اللحظة حيث أنتظر ، يتجمد الزمن . ففي الانتظار ، لا يوجد أفق بالنسبة للذات ، الانتظار هو زمن السُّهاد ، وهو أيضا [زمن] المعاناة . ففي الألم لا يمر الزمن ، لا ينفتح على مستقبل سوف يعتبر وَعداً لمواساة . الانتظار هو اختبار الزمن .
إذا كانت الكتابة الشذرية هي المكان المفضل للتعبير عن ما هو الانتظار فلأنها تستطيع إيقاف المدة بواسطة التكرار . ففي اجترار أصوات الانتظار النسيان ، في تلك الأسئلة التي تلقى جوابا لأنها دوما مؤجلة ، دوما يتم نفيها إلى وجهة أخرى ، هل كان بإمكان تلك الأصوات ، أن تقتسم شيئا آخر غير الصمت الذي تجسده بياضات الفضاء الشذري ؟ كانت بعض السطور التي وجهها إلى مترجمه الياباني بخصوص الانتظار النسيان معبرة جدا ، في ما يتعلق بحاجة بلانشو إلى اللجوء إلى الكتابة الشذرية :
لنفترض أن مُؤَلِّفا اعتاد على استمرارية ناجحة ( أو فاشلة ) للسرد تفرض الحاجة إلى كتابة ، أحيانا في آن واحد تقريبا ، جُمَل منفصلة ، قصيرة ، مُقفَلة ، تتأبَّى أن تتلاحق فتظل منتصبة في الفراغ ، متصلبة ، عنيدة وجامدة . إن تزامن الجمل التي يبعد بعضها عن البعض الآخر لا يمكن تلقيه إلا كميزة مثيرة للقلق بما أنه [التزامن] يدل على تصدع معين للروابط الداخلية . غير أنه ، مع مرور الوقت وبعد محاولات بغاية توحيد ، بشكل متعسف ، من خلال إكراه خارجي ، ما هو متناثر ، وقد كان يبدو أن ذلك التبدد يمتلك أيضا تماسكه وحتى أنه يلبي مطلبا عنيدا ، إن لم يكن وحيدا ، ينزع إلى إثبات علاقة جديدة ، وربما إن ذلك يشكل موضوعا في الكلمات المتحاورة التي تمنح عنوانها للمحكي 20 . "
يلاحظ ، وبشكل مفارق ، أن الكتابة الشذرية تفشل هنا حيث ترغب في أن تكون أكثر ادعائية ، أعني ضمن اهتمامها بإزاحة كل محاولة للوحدة . ينبغي انتظار العملين اللاحقين كي يتمكن بلانشو من إزاحة ذلك الاهتمام بوحدة الشذرات ، على أنه في الانتظار النسيان ، فإن قانون المحكي لايزال يهيمن ويحدد تسلسل الشذرات ، وبطريقة ما فإن هذا العمل لا يمتثل إذا إلى الضرورة الشذرية . لايزال كتاب الانتظار النسيان يتردد بين المحكي ، تبادلات الأقوال والتعليقات ، يرسم هذا العمل التخلي النهائي عن كل تخييل ، باستثناء لحظة موتي 21 .
الكتابة الشذرية ، أصوات مفوضة عن الكارثة تكرر القول الأخير ل(Très- Haut) ، حينما يتلفظ السارد عباراته الأخيرة : " الآن ، النهاية " ، كتابة أُخرَوِية بيد أنها لا تتنبأ ، كتابة النهاية غير أنها لا تنقطع .
لنواصل عبورنا للزمن مع خطوة إلى الوراء وكتابة الكارثة . لو تم القيام بإجراء فهرسة معجمية لهذين العملين ، فقد يلاحظ أنه من بين المنعوتات substantifs) ( ، الأكثر تواترا هو كلمة " زمن " ، متبوعة بكلمة " موت " . هذا يعني أن مسألة الزمن التي كانت تصوغ كتابة بلانشو ، خصوصا منذ في الوقت المناسب Au moment voulu) (، تغدو في ذينك النصين إلى هذا الحد وسواسا حقيقيا . ومع ذلك ، فلا الكتاب الأول ، ولا الكتاب الثاني لا يعتبران بحثين فلسفيين حول الزمن ( بالرغم من الإحالات العديدة إلى نيتشه ، وإلى هيديغر كذلك ) ، بالإمكان القول أيضا أنهما لا يطوران نظرية للزمن ؛ ليست كتابة بلانشو وثوقية ، إنها تسائل ، تسائل نفسها . الشذرة تعبر ، تلتمس المجهول عاملة على تركه مجهولا ، فهي لا تثبت سوى حضورها ثم إنها تمتنع عن كل شكل من أشكال السلطة .
فحتى لو رغب المرء بعزل مجموعات الشذرات التي تنتمي إلى مضمونية معينة ( الغُفلية ، لفيناس ، الكارثة ، المعتقلات ، إلخ . ) فإن الشذرات لا تتعارض ، بل تتكدس [إلى جانب بعضها البعض ] ، تتوارى عن التزامن كما [تتوارى] عن التعاقب في تجربة ليست جدلية للكلام لكنها لا تستثني الجدل . تتحدث الشذرة كما لو أنها تتحدث خارج الزمن ، [خارج] الخطية ، إنها تحطم في صمت وحدة واستمرارية اللوغوس . لا تشكل القطيعة التي تميز الأعمال الشذرية ، في شيء ، ظاهرة بسيطة : لا تشير الكلمات الأولى والأخيرة للشذرات أبدا إلى انفتاح وانغلاق يرسخ نهائيا ، لكن على العكس ، استحالة تشييد بداية حقيقية للكتابة . فبين الفضاء الأبيض للفراغات والفضاء الأسود للكتابة ، ابتدأت الكتابة ، ليست الشذرة الأولى إطلاقا هي الأولى كما لو أنها كانت تشكل صدىً ، أثراً ، لما يطلق عليه بلانشو " القديم الأشد قِدَماً " .
كل شذرة تشكل مجموعا ، غير أن ذلك المجموع يحمل في داخله الغياب ذاته للكل الذي يشكل منه ، مع ذلك ، جوهرا منتهيا . فلاوجود لشذرة والحالة هذه تكتفي نفسها بنفسها ، وكل شذرة تحمل على النقيض من ذلك ، ما يجذبها نحو عودتها ، نحو تكرارها اللانهائي . كل شذرة تعكس وتكون في نفس الوقت كلا منتهيا ،وغيابا للمجموع .
يكشف عنوان خطوة إلى الوراء ، جيدا الانتهاك الذي قام به بلانشو . عبور الفراغ الذي يفصل الماضي عن المستقبل ، المرور عبر الحاضر الذي يتكلم بصيغة " أموت " . إن الخطوة إلى الوراء هي الخطوة نحو الموت ، خطوة انتهاكية ، ثم إنه " يُحضر الموت في الحاضر " ( خطوة إلى الوراء ، ص 147 ) . [كتاب] خطوة إلى الوراء الذي توجب عليه تحقيق تطابق الكاتب مع الحاضر ، على العكس من ذلك فهو يؤجله . " زمان ، زمان : خطوة إلى الوراء التي لم تتحقق في الزمن تقود خارج الزمن ، دون أن يكون ذلك الخارج لا زمنيا ، بيد أنه هناك حيث الزمن يتلاشى ، سقوط هش ، بحسب " خارج الزمن في الزمن ذلك " الذي تجذبنا نحوه الكتابة ، لو كان سُمح لنا ، يتوارى عنا ، الكتابة تحت الخوف القديم . " ( خطوة إلى الوراء ، ص 8 ) . يترك ذلك " السقوط " في الزمن ، المكان للمحايد . سيصبح هذا الأخير مرة أخرى أكثر حضورا متخذا شكل الكارثة . بناء على ذلك فإن المحايد سيعتبر تَرَنُّحاً ، كارثة صامتة ، ضجة العالم الذي انطلاقا من عمل متمهل للسلبية والصبر سيفتح لنا طريق مقاربة مغايرة للغة ، للأدب ، للزمن والذات .
كذلك فإن ما يعتبره [كتاب] خطوة إلى الوراء ذا أهمية ، هو التفريق بين الشذرة والضرورة الشذرية . فهذا التمييز يعتبر جوهريا بالنسبة للإشكالية التي تشغل بالنا ، ألا وهي إشكالية الزمن . وبالفعل ، فإن بلانشو ليس في حاجة إلى كتابة شذرات حتى يستجيب إلى الضرورة الشذرية . وهكذا فإن الشذري لا يمكن أن يكون واقعا ، عليه أن يكتفي بكونه ضرورة . لا يمكن للشذري الحدوث إلا من خلال الشرط الوحيد أن " كل شيء قد قيل " ، إن الشذري والحالة هذه ، هو كتابة للنهاية ، وهو يعتبر في ذات الوقت دليلا بالبينة وإيصائيا .
تجد تلك الضرورة ، التي تعتبر نظيرة لكتابة النهاية ، صورتها في الكارثة . إن حالة الجر المضاعفة والغريبة للعنوان ، كتابة الكارثة ـ شخص ما يكتب الكارثة ، أو أن الكارثة تكتب ـ ، يسمح بتفكير الكارثة نظير ذلك الغير الذي عبره تنكتب الكارثة ، الذي من خلاله يصير الكاتب بواسطة الكتابة .
إن الصعوبة الكبرى التي تستدعينا إليها ونحن نقرأ بلانشو هي مواجهة كتابة تعتبر مشروعا طويلا للتفكيك ، وحتى الهدم ، إن زمن الكتابة هو الزمن حيث يتفكك الواقع . لكن وبشكل مفارق ، ربما إن الكتابة الشذرية هي كذلك الزمن ، موضع الاتصال المستحيل بين القول النقدي ، الخطابي والمحكي . إن زمن الغياب يفتح على مكان معين ، فضاء يكون بإمكان شكلي كتابة بلانشو أن يتعايشا ، من دون أن تتقدم إحداهما على الأخرى .
ستصبح الكتابة الشذرية المجازفة ذاتها . فهي لاتحيل على نظرية ، لاتتيح المجال لممارسة سيتم تحديدها عبر الانقطاع . تتوقف ، تتواصل . متسائلة ، لا تستأثر بالسؤال ، لكنها تؤجله . ( دون أن تبقي عليه ) في لا ـ جواب . فإذا ادعت عدم امتلاكها لزمنها إلا حينما الكل ـ على الأقل بطريقة مثالية ـ سيتم تحققه ، بناء عليه فإن ذلك الزمن لم يكن زمنا مؤكدا قط ، غياب الزمن ضمن معنى ليس نافيا ، سابق على كل ماض ـ حاضر ، كلاحق على كل إمكانية حضور آت . ( كتابة الكارثة ، ص 98 )
تعمل الكتابة الشذرية على تأجيل المعنى وإطالته في ال"خطر " ، فهي لاتحيل لا على نظرية ، ولا على ممارسة ، تؤجل سؤالها في انتظار جواب لن يأتي على الإطلاق ، استحالة يحققها قول يحافظ على أثر ما قيل سابقا . إن زمن " غياب الزمن " ، وبعيدا عن تجريدنا من كل زمنية ، يبدو على خلاف ذلك يدعونا إلى وفرة زمنية . تكشف الكتابة الشذرية تلك المفارقة ، فبواسطة الإعادة تعيد المتصل ضمن المنفصل . إنها ، وبشكل مفارق ، لما تكون في إعادة القول ، في الحاضر الذي لا ينتهي فإن الشذرة تكون أقرب إلى الضرورة الشذرية .
إن زمن " غياب الزمن " ، زمن الكتابة ، يعتبر لا زمنياachronie) ( يفرض علينا مواجهة فكر غير مسبوق ، غير مسموع ، لا يتوقف عن القول ، يناقض الضرورة الشذرية ، إن زمن العود الأبدي ذلك ، الزمن العدمي ، المنطوي على ذاته ، الزمن البلانشوتي هو زمن مرفوض ، لا يمتثل إلا لقانون الكتابة الوحيد ، فهو يجعل كل شيء ممكنا ، يصبح ما لا يمكن مواجهته عالمَهُ . ينجم عن غياب الحاضر أن الأحداث المستقبلية لن تتمكن من الحدوث في الواقع ، ولا الأحداث الماضية ، تعود إلى الوعي ، بما أنه بدون حاضر فإن كل تذكر يصبح مستحيلا . إن تجربة الزمن تلك التي تترك الذات مهزومة تشهد بأن الكتابة الشذرية هي تجربة للجسد ، التي هي [التجربة ] زمن التعب والانتظار ، زمن السلبية القصوى .
تعتبر كتابة بلانشو الشذرية تفعيلا لذلك اللقاء المستحيل مع الغير ( معه هو نفسه؟ ) الذي يحدث على الدوام على أنه لا يتوقف عن الحدوث لأنه لم يستطع قط من أن يحدث في زمن ما أو في فضاء ما يتم فيه استعادتهما . إن اللقاء بالغير ، هو لقاء " الطائفة المخجلة " ، الحصة غير الإنسانية التي يحملها المرء في ذاته والتي عنها يحيد ، على أنه يتم اللقاء بالرغم من الذات في الآخرين . إذا كان يمكن للتشذير أن يعتبر حوارا لانهائيا فلأنه بعيدا عن جعل توزيع الأصوات المتعايشة ممكنا ، فإنه يعمق الفجوة . فإذا كان بلانشو يلتزم بالسير جيدا في الأثر الذي تركه لفيناس من أجل تفكير الغيرية كغيرية أخرى تماما ، إنه أكثر جذرية من صديقه ؛ والآخر هو المجهول وهذا فقط ما إذا كنا نستطيع تقاسم هذه العزلة .
" منذ أن قام صمت الكارثة السحيق والمداهم بصنعه ، غير معروف وبدون أنا ، يتلاشى في الليل حيث تحديدا الليل المرهق ، الفارغ ، المُبَدِّدُ دوما ، المجزأ ، الغريب ، بفصله ثم فصله كي تحاصر الرابطة غيابه ، عن بعده اللانهائي ، كان ينبغي على شغف الصبر ، سلبية زمن بدون حاضر ـ غائب ، غياب الزمن ـ كان هو هويته الوحيدة ، محصورة في تفرد نموذجي . " ( كتابة الكارثة ، ص 29 )
لايختزل العمل الشذري إلى حركة فردية للكتابة ، من هنا ، فهو يبتكر قارئا جديدا ، لا يتوقف عن الفقدان ، التماس الخسارة ، أن يلاحق وأن يكون ملاحقا من طرف لاإبطالية المحايد .
ومما لاشك فيه أنه ينبغي من أجل الانتهاء على أنه لن أفتح هنا سوى قوس صغير ، وضع عدمية الزمن البلانشوتي موضع تساؤل . وبالفعل ، فإن نصوص بلانشو الأخيرة تلمح إلى انعطافة ذات أهمية ، زمن " نسيان الزمن " ، زمنا مسيحيا ؟ إحدى آخر شذرات كتابة الكارثة توحي بذلك ربما .
ــــ
هوامش
1 ـ بالنسبة للجوانب السيرية سوف تتم الاستفادة بقراءة كتاب كريسطوف بيدن Christophe Bident) (، موريس بلانشو ، شريك مرئي ، دار نشر champ Wallon) (، 1998 .
2 ـ ملاحظة المقال " الرفض " منشور في المجلة في 14 يوليوز ، تم ضمه إلى مجلد في كتاب الصداقة ( ص 130 ـ 131 ) ، غاليمار ، 1971 .
3 ـ بالنسبة لكتاب الانتظار النسيان ، ثمة مقتطفات مطولة تنتمي إلى فروع تختلف عن العمل سيتم نشرها في مجلة بوتيغيه أوسكير Botteghe Oscure) (( وهي مجلة ثلاثية اللغة إنجليزية / فرنسية / إيطالية ، وقد ساهم فيها على الخصوص بلانشو ، شار ، دي فوريه ) تحت عنوان : " الانتظار " ، عدد 22 ، غشت 1958 . وقد سبق لبلانشو أن نشر بهذه المجلة مقتطفات من كتاب الرجل الأخير : " الهدوء " عدد 16 ، شتنبر 1956 ثم " مثل يوم ثلج " ، شتنبر 1957 .
4 ـ يمكن الاطلاع على ملف المجلة الدولية ( نصوص تحضيرية ، مراسلات ) في مجلة سطور Revue Lignes) ( عدد 11 ، خصص لموريس بلانشو ، دار نشر Librairie Séguier) ( ، شتنبر 1990 .
5 ـ مجلة Botteghe Oscure) (، عدد 16 ، شتنبر 1955
6 ـ مجلة Botteghe Oscure) (، عدد 18 ، خريف 1956
7 ـ المجلة الفرنسية الجديدة ، عدد 46 ، أكتوبر 1956
8 ـ مجلة عالم جديد ، يناير 1957
9 ـ Botteghe Oscure) (، عدد 22 ، [غشت] 1958
10 ـ خطوة إلى الوراء ، ص 27
11 ـ إ . لفيناس ، مكتشفا الكينونة مع هوسرل وهيديغر ، دار نشر Vrin) (، 1982 ، ص 211
12 ـ جاك دريدا ، أصول Parages) (دار نشر غاليلي ، 1986
13 ـ بيير مادول Pierre Madaule) ( ، مهمة خطيرة ؟ ، غاليمار ، 1973
14 ـ يتعلق الأمر بالشذرة والكتابة الشذرية في فصول : " قول الشذرة " ( ص 450 ـ 455 ) بخصوص رونيه شار في مكابدة الفكر ، تحية لجان دوفريه ، بلون ، 1968 ، « Ars Nova » ( ص 506 ـ 515 ) حول طوماس مان ، المجلة الفرنسية الجديدة NRF) ( عدد 125 ، ماي 1963 وأخيرا في المجلة الأدبية والسياسية L’Athenaeum) (( ص 515 ـ 527 ) حول الرومانسية الألمانية ، وهي في الأصل جزء من المجلة الفرنسية الجديدة عدد 140 ، غشت 1964
15 ـ " نيتشه والعدمية " الحوار اللانهائي ، ص 250 ـ 254 ، لاسيما الجزء الثالث والرابع : " نيتشه والكتابة الشذرية " الذي يبلغ حوالي ثلاثين صفحة . وقد تم نشر هذا النص الأخير في أول الأمر بالمجلة الفرنسية الجديدة ضمن العددين 166 ، دجنبر 1966 و1969 ، يناير 1967 .
16 ـ الحوار اللانهائي ، ص 235
17 ـ نفس المرجع ص 238
18 ـ ليس من المثير للاهتمام ملاحظة الأوقات التي يلجأ فيها بلانشو إلى استعمال الحرف الكبير أو الصغير .
19 ـ لقد تم تأويل هذا " التصور " طويلا في العديد من التحاليل حول عمل بلانشو مع حجبه ، على ما أعتقد ، على أن ذلك قد يعتبر جدلا آخر ، عما هو ديني لدى بلانشو ، باختصار ، من المشهد العِبادي لنهاية طوماس الغامض إلى النصوص حول التوراة والتي كتبت في أثر فلسفة لفيناس .
20 ـ تمرينات الصبر ، بلانشو ، عدد 2 شتاء 1981 ، ص 106
21 ـ موريس بلانشو ، لحظة موتي ، دار نشر فاتا مورغانا Fata Morgana) (، 1994 .
*مصدر النص : Eric Hoppenot , Maurice Blanchot et l’écriture fragmentaire : « le temps de l’absence de temps » , Colloque du Groupe de recherche sur les Ecritures subversives Barcelone , 21 – 23 juin 2001 Textes réunis et présentés par Ricard Ripoll Editions Presses Universitaires de Perpignan , 2002 , 363 p.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نهال عنبر : المسرح جزء من الثقافة المصرية ونعمل على إعادة جم
.. إيمان رجائي: النسخة السابعة من مهرجان نقابة المهن التمثيلية
.. لقاء سويدان : خشبة المسرح الدافع الأول للتألق والإبداع الفني
.. نرمين زعزع : رعاية المتحدة للمهرجانات الفنية والثقافية يزيد
.. استعدوا للقائهم في كل مكان! تماثيل -بادينغتون- تزين المملكة