الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية لقيطة اسطمبول لإليف شافاق

مولاي عبد الحكيم الزاوي

2016 / 12 / 20
الادب والفن


كثيرا ما يكون مِحْبر الروائيين مُؤلما لحظة تصويره للواقع الإنساني، مُكاشفا عن عوراته وانعطاباته، وفاضحا عن حديقته السرية التي تعتمر داخل أقبية النسيان. إبداعات جريئة تتجاوز مساحات المحظور، وتتخطى الهامش المُسيج، وتكشف عن انجراحات الإنسان وعذاباته المختلفة، فتثير بذلك نقعا على أصحابها تحت يافطة الذاكرة والقيم وثوابت البقاء المشترك.
روايات عديدة استقبلت بالاستهجان، وأُدرجت ضمن باحة الأدب الأسود، لتجاوزها منطقة الخط الأحمر، ولعل مُجايلي لحظة الحرب العالمية الكبرى يتذكرون في حمأة لهيب صراع السوفيات بالأمريكان ،رواية عالمية للروائي البريطاني جورج أرويل بعنوان " 1984"Nineteen Eighty Four، وهي تنكتب على تصوير وحشية النظام الستاليني، وترصد ما يعتمل داخله من فَقْد للإرادة وسلب للكينونة وتعتيم على الحقيقة.
وغير بعيد عنا، وبأرض الكنانة، معين الأدب والإبداع، أثارت رواية المصري علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" جلبة قوية، وهي تكشف عن عالم مدينة القاهرة السري، وصخب لياليها الحمراء، الموسومة باللواط والشذوذ الجنسي والجماعات السلفية، وقد نضيف إليها واحدة أخرى للمصري، لا تقل جرأة عنها، للروائي المثير للجدل يوسف زيدان بعنوان "سقط القناع"، التي تسبر خبايا عالم المسيحية الأقباط بصراعاته وتناقضاته، بمفارقاته لعالم الرهبنة المضادة للغريزة الإنسانية.
قد يطول بنا المقام، ونحن نُعَدد أسماء تلك الأعمال الروائية التي أبحرت في عمق الواقع، ولأن المناسبة شرط كما يقال، فمناسبة هذا التقديم، هو انكتاب عن مُتمردة الأدب التركي إليف شافاق في رائعتها العالمية "لقيطة إسطمبول"، من حيث هي رواية تستغور كُنْه ذاكرة موشومة بالألم التاريخي بين الأتراك والأرمن، وتصوير لواقع انساني تعتصره المعاناة النفسية، عبر سرد قصة عشيقين، جمعهما الفؤاد، وجَرَّمتهما السياسة، بسبب إرث التاريخ وثقل عذابات الذاكرة.
عمل إبداعي عميق وممتع، يتجاوز حدود الزمان والمكان، نحو ملامسة خبايا الفكر السياسي والتاريخي والديني والاجتماعي، مُعريا عن عتمة من تاريخ بلاد الرجل المريض، وتضاداتها العرقية والطائفية والقومية والدينية والسياسية، الماتحة من طروحات خرافية وتاريخية، مستمدة من ثقافة التعصب وعلياء تقديس الماضي ونفي الآخر، كاشفا عن عدم قدرة المجتمع التركي على الإعتراف بالتعدد الثقافي والقومي والديني في بوثقة المصالحة مع الذات والتاريخ.
رواية "لقيطة اسطمبول the Bastard of Istanbul"، الصادرة سنة 2006، تعود بالسردية إلى واقعة مذابح الأرمن من طرف النظام الكمالي، وتُعري عن سنوات الاضطهاد التاريخي من تاريخ تركيا الأسود، وهو وضع كان كافيا لملاحقتها قضائيا بمنطوق الفقرة 301 من القانون التركي.
رواية عن التاريخ التركي، لحظة وفاة الرجل المريض، وولادة تركيا الأثاتوركية، تحكي عن العلاقة الشائكة بين الأتراك والأرمن من خلال عائلتين واحدة تركية في اسطمبول، والثانية أرمينية تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، جمعتهما علاقة إبادة تاريخية منذ أجيال، لا يعرف عنها الأحفاد، خلال رواية قصة شوشان الفتاة الأرمنية التي هجرت بلدها نحو الولايات المتحدة، هرباً من مجازر النظام التركي، وذلك على لسان حفيدتها أرمانوش التي عادت إلى إسطنبول للبحث عن أصولها، وسوف تكتشف أرمانوش، بالتعاون مع آسيا، أسراراً كبيرة عن العائلة وعن تاريخ تركيا الحديث.
رواية إليف شافاق عمل أدبي يتزيا بعباءة الفلسفة والفكر السياسي الحديث، وينطق بكونية حقوق الإنسان، وينتصر لقضايا مستضعفين تركيا ومهمشيها، من خلال تصوير حياة عائلة قزانجي، التي تعيش في منزل كبي، ويتكون من عدة أفراد، زليخة الأخت الصغرى التي تملك صالوناً للوشم، وهي والدة آسيا اللقيطة، وبانو التي اكتشفت مؤخراً مواهبها كمُنجّمة، وسيزي الأرملة والمُدرِّسة، وفريدة المهووسة بالكوارث، أما الأخ الأوحد، فيعيش في الولايات المتحدة.

إنها رواية موغلة في القساوة وجَلْد الذات، والمصارحة الجريئة بعذابات الذات التركية من ثقل مرايا الذاكرة، ناقلة المتمردة إليف شافاق، كما يحلو لعشاقها أن ينعتوها إلى دائرة العالمية الروائية، بل وأضحت رواياتها الأكثر مبيعا، والأكثر ترجمة بكل لغات العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس