الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحنين الى الاستبداد في سوريا والعراق

عبدو خليل

2016 / 12 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الحنين إلى الاستبداد في سوريا والعراق.
ما زلت أتذكر جيداً ذاك اليوم . كيف انطلقت عشرات الحافلات من مدن سورية مختلفة. الوجهة كانت بغداد عشية هجوم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية لدك نظام الديكتاتور صدام حسين. كانت تلك إحدى أهم فعاليات المعارضة السورية بكل تشعباتها وتعقيداتها. اليسار مع الإخوان و القوميون والناصريون و من لف لفهم. شاطرهم في ذلك كتاب وفنانون ومثقفون سوريون. كانت غايتهم واضحة. رسالة أولى للمجتمع الدولي لوقف قرار الحرب، ورسالة ثانية لأمير المؤمنين وسادس الخلفاء الراشدين كما كان يحلو للبعض تسميته للزود من عزيمته في مواجهة الغزو الصليبي الكافر.
وما زلت أتذكر تلك المفارقة. البعث السوري وكل أجهزته الأمنية يقف متفرجاً، على غير عادته وصفاقته. لا بل قام بتقديم بعض الخدمات اللوجستية في حدث غير مسبوق. تصاريح سفر. خاصة للموظفين أو الممنوعين من مغادرة البلاد بالإضافة إلى دفع تكاليف بعض الحافلات وتسهيلات العبور نحو الأراضي العراقية.
تلك الرحلة التي حطت في مملكة بطل القادسية. مملكة الرعب. كانت في الحقيقة تمثل نخبة وصفوة رجالات المعارضة السورية الكلاسيكية التي تمسك وتسيطر اليوم على مفاصل ومحاور كتلة المعارضات السورية . بكل اتجاهاتها. ربما يستثنى من ذلك الكرد وبعض الشخصيات المعارضة ذات الخلفيات الاقتصادية أو ذات الإنتاج المعرفي والفكري. على ندرتهم وقلتهم.
هذه الصفوة. إن جاز التعبير، هي نفسها التي سطت منذ خمس سنوات على مفاصل ما تسمى اليوم بالمعارضة السورية وأمسكت بتلابيب ثورتها ومزقت ما تبقى من النسيج السوري المثخن بالثقوب و الفجوات نتيجة حكم البعث خلال العقود الماضية .
وبالعودة إلى بغداد عشية حرب 2003. تم استقبال وفد المعارضة السورية بحفاوة كبيرة وبتغطية إعلامية واسعة. أقيمت الندوات وألقيت الخطب العصماء من قبل الضيوف السوريين. لرفع معنويات الأب القائد صدام حسين . وتغنى البعض من هؤلاء المعارضين بجيوشه الجرارة التي كادت أن تحرر القدس لولا تخاذل بعض العربان من دول البترودولار على حد وصفهم، و أرسل لهم القائد ابنه البكر عدي صاحب فيالق الماجدات وقائد قوات فدائيي صدام. التقى بهم وأغدق عليهم وفرة المال و الثناء، و علق للبعض منهم أوسمة تحمل طلاسم حروبه الخاسرة التي خاضها القائد بسيوفه المرصعة بالذهب والدم، وللأمانة التاريخية تسابق الجميع للقاء عدي باستثناء كاتب سوري. روائي و آخر هو فنان درامي . رفضوا لقاء المعتوه عدي ، وسط تذمر جوقة المعارضين من تصرف زميليهم الغير لائق.
بعد سقوط الطاغية أخذت ملامح مرحلة أخرى تتبلور مع تصاعد موجة التفجيرات الإرهابية التي كانت تنفذها القاعدة في عموم العراق. تلك التفجيرات التي استهدفت و قتلت من الشعب العراقي آلاف الضحايا الذين سقطوا في الأسواق الشعبية وأمام مراكز التوظيف والتطويع في سلك الشرطة والجيش. بسطاء ومعدومون يبحثون عن مصدر للعيش. تم التنكيل بهم بحجة تعاملهم مع الاحتلال الأمريكي . وبالمناسبة كان أول من أطلق على تلك التنظيمات الجهادية صفة المقاومة العراقية هو نظام البعث السوري و كرست المعارضة السورية ذاك المصطلح، ومع توافد الجهاديين و المتشددين من شتى أصقاع العالم تحولت سوريا إلى معبر و نقطة تجميع. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث توجه الآلاف من الشباب السوري للجهاد في العراق. كانت دائماً المعارضة السورية حاضرة من خلال الإطناب والثناء على أولئك المغرر بهم، و أقيمت خيم العزاء في حلب وإدلب وحماة ودير الزور لأولئك الضحايا. ضحايا الجهاد المقدس. و ألقيت الخطب الذي زادت من دفق الحماس ونصرة الأشقاء.
ربما يذكر بعض اللاجئين العراقيين في سوريا هذا الأمر جيداً، كانوا يبدون استغرابهم من فرح السوريين بتلك العمليات الإرهابية. حتى أن البعض منهم. أي اللاجئين العراقيين تعرض للتحقيق في الأفرع الأمنية السورية نتيجة محاولاتهم شرح حقيقة ما يجري في وطنهم. لكن دون جدوى. تم تكريس مفهوم المقاومة العراقية وتحول الزرقاوي بقدرة قادر إلى بطل قومي و رمز يحتذى به في ذهنية العديد من المعارضين السوريين لنظام الأسد الذي أتقن اللعبة. لعبة المقاومة والممانعة. كانت تراجيديا بكل ما للكلمة من معنى. معارضة تناضل في سبيل التخلص من عقلية الحزب الواحد والقائد الأوحد في بلد يعاني منذ اربعة عقود من كابوس الأحكام العرفية. تنوح وتبكي على أمجاد ديكتاتور آخر، كانت أوابده الحضارية ليست أكثر من مجازر وقبور جماعية و معتقلات و حروب، هذه الآثار التي كان يتم التنقيب و الكشف عنها محط ذهول العالم، بينما هي محل استهجان المعارضة السورية لمجرد الحديث عنها.
في حقيقة الأمر لم تستطع المعارضة السورية أن تنشق عن عقلية النظام السوري فيما يخص قضايا الشعوب العربية. استطاع النظام أن يستجوف تلك المعارضات بمفاهيم وأحابيل المقاومة والممانعة. تكرر السيناريو نفسه في حرب تموز 2006 . تلك الحرب التي كانت رداً على بعض الصواريخ العمياء التي أطلقها حزب الله على الأراضي المحتلة من جنوب لبنان، مما دفع بإسرائيل لإظهار كل وقاحتها في تدمير البنى التحتية اللبنانية خلال ثلاثة أيام، وتشريد سكانها. آنذاك أيضاً تغنت المعارضة السورية ببطولات وهمية زعمت أن حزب الله يقوم بتسطيرها في صفحات التاريخ. ومضى بعضهم لحد القول أن غياب صدام خلخل خارطة الموازين، و برر آخرون عدم مشاركة الجيش السوري بالقول. المقاومة تقوم بالواجب على نحو كامل. تلك المقاومة هي نفسها التي تتسبب اليوم بتهجير سكان المدن السورية، وهي نفسها التي تشتمها المعارضة السورية. ليل نهار.
اليوم وبعد مرور عقد من الزمن يكرر الأشقاء العراقيين تجربة السوريين. عشرات الفصائل و الكتائب العراقية تدخل للزود عن حمى النظام السوري. وبينما يبدي السوريون استغرابهم من حماس العراقيين للدفاع عن استبداد نظام بلدهم لا يتورعون بنفس الوقت. أي السوريون. عن سرد مآثر القائد الفذ صدام حسين في سياق سردهم لما آلت اليه أحوالهم نتيجة غيابه. لا يمكن تفسير هذا التبادل في الأدوار ما بين السوريين والعراقيين سوى بأنه (نوستالجيا) الحنين لدى كلا الطرفين إلى الاستبداد.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟