الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة الخاطئة لتصريحات السيد خدام

صالح بوزان

2006 / 1 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان من الطبيعي أن يتحدث خدام بما تحدث وقد أصبح خارج السلطة، لأن الموقع بالنسبة لغالبية الساسة في الشرق الأوسط هو الذي يحدد أقوالهم لا المبادئ والقيم. فعدما يكون حاكماً (مهما كان موقع المسؤولية) فهو يجسد شخصية الدكتاتور الشرقي، ولا يسمع بالتواجد حوله إلا من يمدحه ويصفق له ويقول له بالروح والدم....، وعندما يصبح خارج السلطة فيغير لغته ويصبح ديمقراطياً وشعبياً وإنسانياً. إنها تجارة الكلمة وتجارة الموقف.
في الحقيقة لو رجع أي منا إلى أدبيات المعارضة السورية سيلحظ وكأن خدام عضو أصيل فيها، فهو يستخدم مصطلحاتها ومفرداتها.
وما سمعناه من أعضاء مجلس الشعب السوري الوقورين، هو الآخر لا يثير استغراب المواطن السوري. فلا بد أن يقولوا ما قالوه، لأن ذلك مطلوب منهم. ولو أن السيد خدام أعاد الاتصال بالنظام السوري من جديد، ودخل معه في صفقة متوازنة للطرفين، لأعاد مجلس الشعب الوطنية له، وربما هتف بعضهم باسمه في قاعة مجلس الشعب، وقد يتخذونه مثالاً للوطنية.
يتساءل المواطن السوري: لماذا كل هذه الموبقات التي نطق بها أعضاء مجلس الشعب بحق السيد خدام الآن، والشعب السوري يعرفه ويعرف غيره منذ سنوات، بينما اكتشف أعضاء مجلس الشعب الوقورين ذلك فجأة وبعد تصريحه الجديد؟.
يتساءل المواطن السوري: إذا كان السيد خدام يدرك كل ما قاله سابقاً( وأعتقد أنه كان يدرك)، فلماذا لم ينطق به إلا بعد أن أصبح خارج النظام مكرهاً وأمّن لنفسه ولأولاد أولاده حياة رغيدة في مدينة الأحلام الفرنسية؟
وكمواطن سوري، لم أخجل في الحقيقة من تصريح خدام. فهو له حساباته مع النظام الذي شارك بفاعلية كبيرة في بنائه وديمومته حتى الآن، وإذا اكتشف الآن أن ما بناه كان مجرد كثبان من الرمال، وقرر هدمها، فهو يعطي لنفسه هذا الحق لأنه شريك أصيل في كل ما فعله حزب البعث خلال أربعة عقود.
لكني خجلت كثيراً من أقوال أعضاء مجلس الشعب السوري الوقورين الذين أتحفونا، وأمام أنظار العالم، بما تفوهوا به من مسبات وشتائم وغير ذلك. وللأسف يدعي هؤلاء أنهم يمثلون الشعب السوري، وكأن الشعب السوري بهذه الأخلاقية التي أظهروها. وأعتقد جازماً أن 95% من الشعب السوري على الأقل ليسوا كذلك، وكل من تعرف على هذا الشعب من غير السوريين وعاش قليلاً بينه يدرك أن أخلاق الشعب السوري أرفع من هذا المستوى بكثير. ولعل هذه الحقيقة بحد ذاتها تبرهن للملأ أن أعضاء مجلس الشعب السوري لا يمثلون هذا الشعب، وألا لكانوا جسدوا قيمه وأخلاقه، وأظهروا شيئاً من الحضارة في مداخلاتهم التي تذكرنا بالشاعرين العربيين جرير وفرزدق.
بكلمة أخرى، أن ما قاله خدام، وما قاله أعضاء مجلس الشعب السوري الوقورين يوصلنا إلى حقائق لا يمكن لأحد التهرب منها:
أولاً- إن المشكلة الأساسية كانت وما تزال في طبيعة النظام، هذه الطبيعة التي لا يمكن أن تنتج إلا أمثال خدام بشقيه السابق واللاحق، وأمثال أعضاء مجلس الشعب السوري الذين استيقظوا على عجل من النوم عند الطلب، وهم لا يتقنون سوى الشتائم والهتافات الجوفاء.
ثاًنيا- أن طبيعة حزب البعث الحاكم في سوريا يستلب من أعضائه المبادئ والقيم، ويتركهم أدوات يتحركون بغير إرادتهم، مقابل ما يحقق لهم الحزب والمنصب من جاه ومال( وغالباً بطرق غير شرعية كما تجلى في ثروة خدام). ولذلك فالمواقف والآراء محكومة بما يحقق لهم الحزب والمنصب كل ذلك. فالحزب والسلطة مقدسات كبرى ماداما في خدمة كل منهم.
ثالثاً- أن مؤسسات الدولة هي مؤسسات شكلية ومستلبة ، فلا محاسبة لأعضاء الحزب والمسؤولين ( وخاصة الكبار) إلا عندما يخرج عن محراب النظام والرف البعثي. فما دام هو داخل المحراب ومع الرف لا تطبق عليه أية قوانين لا وضعية ولا سماوية. وويل له إذا خرج عن الرف، فعندئذ ستنزل عليه كل اللعنات الأرضية والسماوية كما فعلها أعضاء مجلس الشعب السوري الوقورين تجاه خدام.
رابعاًً- أن الأسلوب الأمني المتبع من قبل النظام تجاه المواطنين والمعارضة يدفعهم غالباً إلى السكوت أو الهجرة أو الخنوع أو السجن أوالتصفية. لكن هذا الأسلوب الأمني متبع أيضاً تجاه أركان النظام وأعضاء الحزب من القاعدة إلى القيادات العليا، مما يجعل الانتهازية والتملق الوسيلة الوحيدة لأعضاء النظام لصيانة الذات من ناحية، وتحقيق الأهداف الشخصية على حساب الوطن والشعب من ناحية أخرى. وبمجرد ما تنقطع أمامه منابع النفع والكسب، يصبح حاقداً على حزبه والنظام الذي كان جزءً منه، متجاوزاً في ذلك حتى مواقف المعارضة السورية من النظام.
خامساًً- إن الفساد ليس في طبيعة الأشخاص وكذلك الخيانة الوطنية التي اكتشفها أعضاء مجلس الشعب السوري الوقورين في السيد خدام، بل لهما تربتهما التي يولد وينمو فيها الفساد والخيانة. أقصد أن السكوت على كل موبقات خدام السابقة، والتملص من التغيير الجوهري بالشعارات والهتافات هو الذي أوصل البلد إلى هذا الحالة الراهنة. والخطر الأكبر لا يكمن اليوم في خدام، بل في أمثاله داخل النظام وفي مؤسساته؛ هؤلاء الذين لا يتجرأ أعضاء مجلس الشعب السوري الوقورين من الحديث عنهم في مجلسهم الموقر.
وأخيراً سأقول ما أراه حقيقة مؤكدة، وهي أن الواقع السوري الراهن بجدليته الداخلية والإقليمية والدولية لا يمكن أن يستمر في هذه المراوحة الراهنة. فالبنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السورية تفرض التغيير العميق، وهذا التغير حتمي، ولا يجوز إخفاء هذه الحقيقة وراء ستار الوطنية والمؤامرات الخارجية والخونة والمأجورين والإمبريالية والصهيونية. فالتغيير إما سيأتي من الداخل، وهذا التغيير لن يأتي إلا إذا اجتمع جميع الوطنيين داخل النظام وخارجه للالتقاء وتحت مظلة الوطن ومصلحة الشعب الاستراتيجية وبدون شروط مسبقة، وذلك لوضع برنامج وطني كامل للتغيير،على أن يعتمد تنفيذ هذا البرنامج بالدرجة الأولى على الشعب. في هذه الحالة ستسقط كل المؤامرات والدسائس، وسينتصر الوطن والشعب. وإما سيأتي التغيير من الخارج، وسيكون في إطار الأجندة الأمريكية والصهيونية. ومن يعتقد أنه قادر على إيجاد طريق ثالث فهو واهم وألف واهم.
صالح بوزان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه