الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيماضة من الماضي الجميل.... معلمون مسيحيّون ودروز ومسلمون سنة في المدرسة الجعفرية بلبنان

شكيب كاظم

2016 / 12 / 22
الادب والفن


احرص في قراءاتي، على البحث عن صور الالتقاء بين الديانات السماوية الثلاثة في بلدنا العراق، فضلا عن الوطن العربي، فأنا ابحث عن نصف الكأس المملوء وتأكيده، لا النصف الفارغ، نقاط الالتقاء لا نقاط الافتراق، قبل ان تطفو على السطح موجات الاقصاء والالغاء والكره والتكفير، حتى على مستوى الدين الواحد، وارى ان ذلك حصل، بسبب صعود نجم الراديكاليين العرب، وقفزهم الى سدة الحكم، منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، واهتمامهم بالحفاظ على كرسي الحكم، من خلال القولبة والتجهيل، لذا شهد العراق وبلدان عدة في الوطن العربي تراجعا في التفكير وعودة الى مفاهيم عصور خلت، لا بل الى ابشع ما في هذه العصور من مفاهيم ولقد حرصت من خلال قراءاتي على التقاط الصور الجميلة في ثقافاتنا التي كانت تعلي شأن المواطنة والعيش المشترك، وجعل الهويات والاعتقادات الأخرى السياسية او الدينية، وحتى المذهبية او الانتماء العرقي او القومي، شأنا خاصا بالفرد لا يميزه عن الاخرين، كذلك لا يقلل من قيمته واهميته ومازلنا نتذكر مسألة ترشيح رئيس الوزراء الأسبق الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، للعالم الفيزيائي الدكتور عبد الجبار عبد الله ليرأس جامعة بغداد الوليدة حديثا، واعتراض بعضهم على الترشيح، وينسب الاعتراض لرئيس مجلس السيادة، الفريق الركن محمد نجيب الربيعي كون الدكتور عبد الجبار صابئيا مندائيا، فينسب الى الزعيم قوله: انا ارشحه ليكون رئيسا للجامعة، وليس اماما لجامع! ولقد قرأت الكثير بشأن هذه القضية ونسبة الاعتراض الى اخرين منهم وزير الداخلية الزعيم الركن احمد محمد يحيى والى اشخاص اخرين لكني ارجح هذه الرواية التي كتبها المختص بالشأن القاسمي الدكتور عقيل الناصري.

أقول: في حين كان اول رئيس لجامعة بغداد أيام العهد الملكي هو العالم الدكتور متي عقراوي، الذي اقيل من منصبه بُعَيدَ تموز/ 1958 ولم يعترض احد على ترشيح هذا العالم المسيحي لمنصب رئاسة جامعة بغداد أيام العهد الملكي لتألق مفاهيم التقدم والمواطنة والاخذ بأساليب الحياة المتحضرة والراقية، ولقد قرأت ان الدكتور عقراوي ظل حزينا خائفا يترقب لما سيؤول اليه مصير هذا الصرح العلمي الرصين بعد اقالة ضباط تموز له، حتى اذا تناهى اليه ترشيح هذا العالم العلم الدكتور عبد الجبار عبد الله هدأ قلقه واطمأن على مصير هذا الصرح الذي غذاه بعمله وعلمه وروحه. وانها لمناسبة كي أؤكد ان اول رئيس لجامعة بغداد هو الدكتور متي عقراوي وليس الدكتور عبد الجبار عبد الله، وهو ما دأب الكثير على تأكيده، لعلها لدوافع سياسية او لقصور فهم.

لقد كتبت شيئا من هذه الصور الجميلة المحببة، التي تعلي شأن المواطنة على الشؤون الأخرى، ومنها ما ذكرته عن الاديب المسيحي اللبناني امين نخلة (1901 – 13/5/76) الذي كتب مقدمته المسيحية، لكتاب عنوانه (نفسية الرسول العربي) للكاتب اللبناني إسكندر الرياشي (1888 – 1961) في حين كتب مقدمته المحمدية العلامة الشيخ عبد القادر المغربي (1867 – 7/ حزيران/ 1956) الذي ترأس المجمع اللغوي بدمشق، فضلا عن مقالي عن الناقد اللبناني مارون عبود (1886 – 1962) الذي كان يكنى نفسه بـ (ابي محمد) فضلا عن مقالي عن الكاتب اللبناني المسيحي (بولس سلامة) (1902 – 1979) وكتابه الشعري (عيد الغدير. اول ملحمة شعرية) وجورج جرداق وحبه للامام علي، ما دفعه لتأليف كتابه الجميل (الامام علي صوت العدالة الإنسانية).

وانا اقرأ ملفا عن الكاتب والسياسي اللبناني محمد دكروب (1929 – الخميس 24/10/2013) استوقفني مقال للاستاذة نوال العلي، حمل عنوان (محمد دكروب: الصبي الفوّال.. تعلم على الطريق) وبعد ان تسرد علينا شغف ابي محمد دكروب بالنسوان، حتى ان زوجته كانت معتادة على الاصغاء لغراميات زوجها بائع الفول، فأن هذه الخصلة قد اورثها لابنه (محمد دكروب) وكما تعايشت امه مع غراميات ابيه، وعدتها امرا اعتياديا فان زوجة محمد دكروب الروسية (سفيتلانا) تعايشت مع شغف زوجها بالنساء، فكانت تلفت نظره الى النساء الجميلات ان اغفل – لامر ما – النظر اليهن! تقرأ في المقال، صورة جميلة من صور المحبة والتعايش الديني، لدى الناس في عشرينات القرن العشرين وما تلاه، اذ لم يكد محمد دكروب يقضي أربعة أعوام في (المدرسة الجعفرية) حتى اضطر ابوه – كما تكتب نوال العلي الى إخراجه منها ليساعده في العمل، فالاسرة فقيرة، والافواه بحاجة الى طعام يجلبه العمل، لا الدرس وعلى الرغم مما يحمله اسم (المدرسة الجعفرية) للوهلة الأولى من دلالة مذهبية، وكان مؤسسها احد رجال الدين، الا ان اساتذتها كانوا من المسيحيين والدروز والمسلمين، سنة وشيعة، بل ان مديرها عبد الحسين شرف الدين كان يصدر مجلة ذات طابع قومي عربي، هذا المناخ الثقافي السائد الغني، اسهم في تأسيس بنية منفتحة لابناء ذلك الجيل ومنهم محمد دكروب الذي ماتني مسألة خروجه لا بل إخراجه من المدرسة الابتدائية وفي مرحلة مبكرة من حياته، جرحا لم يندمل والامر ينطبق على المدارس الجعفرية في بغداد، اذ كان في الثانوية الجعفرية ومازالت قائمة قرب العبخانة، التي درست فيها وتخرجت عام 1963 – 1964 طلاب من مختلف الديانات والاعراق، وكان صديقي (جورج) من طلابها قبل ان تئدها الادلجة والرأي الأوحد، وليغير اسمها الى (ثانوية محمد سليمان) القائد البعثي السوداني، وعضو القيادة القومية لحزب البعث الذي ارسل صيف سنة 1971 على رأس وفد حزبي كان منهم صلاح صالح وحمودي العزاوي وسمير عبد العزيز النجم، للتهنئة بالانقلاب العسكري الذي قاده الضابط السوداني هاشم العطا، ضد الرئيس جعفر النميري، فسقطت الطائرة به ومن معه لدى نزولها في مطار جدة، فاطلق اسمه على الثانوية الجعفرية.

ويحدثنا رجل الدين اللبناني الجنوبي والمنشئ الجميل هاني (مصطفى حسن) فحص (1946 – الخميس 16/ من أيلول/2014) في الجزء الثاني من كتابه الرائع الذي هو اقرب الى سيرته الذاتية، وفيه يؤرخ لحياته في العراق يوم جاء عام 1963 للدراسة في حوزة النجف، مع مجموعة من الطلاب اللبنانيين، وليغادره سنة 1972 بعد اكمال دراسته، هاني فحص الذي احب العراق اكثر من حب العراقيين له، النخلة العراقية المزروعة في لبنان، وشجرة الأرز اللبنانية المغروسة في العراق، هاني فحص في الجزء الثاني من كتابه (ماض لا يمضي) يحدثنا عن المدرسة ذاتها المدرسة الجعفرية التي أسسها السيد عبد الحسين شرف الدين (1290 – 1872 – 1377 هـ – 1957) عام 1938 في مدينة صور وكان جهازها يضم عددا من الأساتذة المسيحيين منهم: متري الحلاج وجورج خوري وجورج كنعان، وإذ تحدث النكبة سنة 1948 فان الامام شرف الدين يخلي طلابها، ويفتح أبواب المدرسة والمسجد للنازحين الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين حتى ان المسيحيين منهم يبنون في وقت لاحق – كنيسة لهم في منطقة (البص) وهذا الأستاذ مارون الحاج المسيحي الماروني يأتي للتعليم في مدرسة القرية، ولم يعتم ان امسى مارون الحاج مستشار الضيعة في كل شيء، حتى ان مختار القرية عبد الغفار حرب يجعل ابنه حسينا رفيقا دائما لمارون الحاج.

صور جميلة رائعة من أيام التعايش والسلام، ما اجدرنا ان نتأساها ونجعلها في حياتنا نبراسا والهاما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل