الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نخلة يكتب مقدمته المسيحية لكتاب نفسية الرسول العربي

شكيب كاظم

2016 / 12 / 26
الادب والفن


من صور المحبة والتآخي


أمين نخلة (1901-1976) أديب لبناني رشيق العبارة، حلو الديباجة، نظم شعراً كما كتب نثراً، يضاهي شعره رقة وطلاوة وحلاوة، ولي رأي في كتاب لبنان وأدبائه، انهم أصحاب لغة أنيقة كثيرة الماء والرواء، ولعل هذا من نتاج الطبيعة الخلابة للبنان، فللبيئة تأثيراتها على ما يكتبه الكاتبون، إن مراجعة سريعة لنتاجات الأدباء اللبنانيين، الذين أنعم الله عليهم بجمال طبيعة بلدهم الخلابة، ليؤكد ما ذهبت إليه مثل: جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ومي زيادة، وجورج جرداق، ومارون عبود، وبشر فارس، وبولس سلامة، وعجاج نويهض، وسليمان كتاني، وفيليكس فارس، وأمير البيان شكيب أرسلان، وأمين نخلة وغيرهم، ولقد كنت أتابع أسبوعياً مقاله، الذي تنشره مجلة (الأسبوع العربي) اللبنانية تحت عنوان (أوراق مسافر) ومعجباً بما يكتب من رائع الصور والفكر، حتى إذا تولت المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع في بيروت، نشر أعماله الكاملة، وصدرت طبعتها الأولى 1402-1982، وصدر جزؤها الأول تحت عنوان (المجموعة الأدبية) واحتوت أربعة كتب من كتبه هي: (المفكرة الريفية) و(تحت تناظر أرسطو) و(كتاب الملوك) و(ذات العماد)، فيما صدر الجزء الثاني الذي حمل عنوان (في اللغة والأدب) واشتمل على كتبه: (أوراق مسافر) و(الحركة اللغوية في لبنان) و(في الهواء الطلق) و(أمثال الأنجيل) و(كتاب المئة) و(كتاب الدقائق)، فضلاً على الجزء الثالث الذي حمل عنوان (الأساتذة في النثر العربي) وهي مخطوطة لم ينشرها الأمين في حياته، ودواوينه الثلاثة ( دفتر الغزل) و(الديوان الجديد) و(ليالي الرقمتين) فضلاً عن مؤلفاته في القانون والتاريخ، إذ كانت مهنة أمين نخلة، المحاماة، فضلاً على فوزه بعضوية مجلس النواب اللبناني، وكان يطمح لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، كما أفاد بذلك لصديقنا الأديب المصري الكبير وديع فلسطين، وهو ما أوضحه الوديع في كتابه الجميل (وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره)، لكنه ترك هذه الأمور، وأستخلص نفسه نجياً للكتابة والمحابر، هذا الذي يكتب بلغة أرستقراطية رشيقة باذخة البهاء والثراء، ولأن جزءاً من اهتماماتي الثقافية، متابعة نتاجات الكتاب المسيحيين الذين يدعون إلى شد الأواصر مع إخوانهم المسلمين، ومعتنقي الديانات الإبراهيمية السماوية الثلاثة، وإذا كنا ننتمي إلى أكثر من ديانة فإن لنا من أرومتنا العربية ولغة الضاد، وأرضنا التي عشنا عليها منذ زمن سحيق ما يزيد وشائجنا ترابطاً، ومنذ أيام الفتوحات، قاتل مسيحيو الشام مع إخوانهم العرب المسلمين ضد الروم البيزنطيين، عن صدق مع الذات والنفس، وهل أتاك خبر البساتنة واليازجيين من عرب لبنان، وصرخة إبراهيم اليازجي بالعرب، ان تنبهوا واستفيقوا أيها العرب، وأنا أقرأ في (كتاب الملوك) من المجموعة الأدبية الأولى، أسترعى انتباهي فصل رائع وجميل عنوانه (المقدمة المسيحية) آثرت نقله كاملا، كي يطلع عليه الناس من مختلف الديانات، وليتأملوا كيف كان يفكر ويكتب أبناء عقود خلت، وقصة هذه المقالة الفريدة، ان الباحث اللبناني إسكندر الرياشي (1888-1961) كتب كتاباً عنوانه (نفسية الرسول العربي) وطلب كتابة مقدمتين لكتابه هذا، الأولى (المقدمة المسيحية) وكلف أمين نخلة بكتابتها، في حين طلب من العلامة الشيخ عبد القادر المغربي (1867-1956) نائب رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية كتابة (المقدمة المحمدية) ، لغة هذه المقدمة المسيحية لغة راقية رائعة، لا غرو في ذلك فأدباء ذلك الزمان كانوا من أصحاب الأساليب، حتى كان الكاتب يعرف من أسلوبه، حتى لو جاء مقاله خلواً من أسمه، في حين ضاعت الأساليب في وقتنا هذا، بعد ان قل مخزون الكتاب، وظلوا يستسهلون الكتابة، متأثرين بلغة الصحافة اليومية التي تقترب من لغة العوام.

قال الأديب أمين نخلة في مقدمته المسيحية ((محمد)) نغمة، لا كلمة، لفرط ما مسحت على شفاه الخلائق! تأخذ بالسمع، قبل الأخذ بالذهن، وتفيد خفة الحروف، وحلاوة اللفظات، قبل ان تفيد العلاقة بالله! وليس على بسيط الأرض عربي لا ينفتح صدره لها، ولا ترج جوانب نفسه، فمن لم تأخذه بالإسلام، أخذته بالعروبة، ومن لم تأخذه بالعروبة، أخذته بالعربية.

وفي هوى محمد- ولا حرج في التمسك بالقومية والكلف باللغة، كما لا حرج في الدين…- ان تتلاقى ملتا العرب: ملة القرآن، وملة الإنجيل، حتى كأن الإسلام إسلامان، واحد بالديانة وواحد بالقومية واللغة، أو كأن العربَ مسلمون جميعاً؟ – حين يكون الإسلام هكذا : هوى بمحمد وتمسكاً بقوميته وَكَلَفاً بلغته.

حفظ النفس

ومحمد لا تستطيع طائفة، في العرب ان تنفرد بالتجاهي به فهو فضلاً عن كونه للخلق كلهم، حيث يتشبهون بأكرم الآدميين في حفظ النفس، وحفظ الجار، وحفظ الله، لبالأجدر ان يكون للعرب كلهم حيث نتشبه، فوق ذلك، بأبلغنا في الفصحى، وأنهضنا في الجُلى، يوم حط الكفه بعرب، وشيلانها بأعجام.

وان لغير المسلم في ارض العرب، ان لا يدين بدين (ابن عبد الله) وان يخلب لبه مثلاً، كتاب (لإبن مريم)، كل حرف منه يقطر رفقاً، وصليب قعدت به دنيا، وقامت دنيا، فأما أن يكون فينا عربي من لحمنا ودمنا، ثم يغدو لا يمت إلى محمد بعصبية، ولا إلى لغة محمد أو قومية محمد، فهو ضيف ثقيل علينا، وغريب الوجه بين بيوتنا.

ولقد جعل محمد هذه الدنيا عربية، بحتاً، فأستنزل كتاب (الرسالة) بلغة قومنا، وحاط ديانتهم بها، بل أتى ببرهانه منها يوم زف هذا المعجز، المخلد بين الحلق والحنك، ثم أدار (الحديث) فمسح على الأخلاق، وكرائم العادات، في مختلف أطوار المعايشة، حتى في الملبس والمطعــم، بلون عربي، لا غبار اجنب عليه.

وان حظ اللغة – بل حظ القومية – من ديانة محمد لم يقف عند هذا القدر الوافر، بل تجاوزه إلى قدر أوفر، فإذا لسان قومنا يصل بين الحياة الدنيا والأخرى، وإذا هو لغة السعداء، في ضجة النعيم ( العربية لغة أهل الجنة).

ذلك، والجنة الموعودة نفسها لم تبسط في (الكتاب، ولا في الحديث) إلا على هوى العرب، وتنظر خواطرهم، وتلهف أكبادهم، ففيها الشجر والأنهار والقطوف الدواني، والأرائك الخضر، لا شمس ولا زمهرير، بل صحو دائم ونعيم وملك كبير.. إلى آخر ذلك اللوح الرضواني الممتع.

فجعل محمد الدنيا لقومية العرب، وجعل الأخرى للغتهم، ثم خاف ان ينشطر القوم من وراء الرسالة، إلى فريق مؤمن بها، وفريق مؤمن بغيرها، فجمع بكلمته (من أحب العرب فقد أحبني) حيث المخافة من الفرقة، ولمَّ حيث المخافة من الشتات! كأنما شرط عنده: الحب للعرب والحدب عليهم، والأخذ بنصرتهم، لا الدخول في دينهم! فأعجب لرسول همه في الأرض أمر الله، وجر الخلائق اليه، من كل جنس، كيف يعنى من أجل قوميته، هذا العناء ويبث هذا البث!

وها ان اقوامنا العرب في الآفاق، كلما اطلق المؤذن صوته بين السماء والأرض، عند تحرك الصبح، في العتمة، أو تنقل الشمس بين مبزغها ومغربانها ميز عنها ومفر بها، أحسوا في تلك الصيحة بأن (شيئاً) من قوميتهم يحلّق في الجوآء، ويغذ في السير، من فج إلى فج… واستشعروا كبرياء العصبية لديانة من عندهم، تدق بشائرها بلغتهم، ويكبَّر بها على اسم صاحبهم، ويدخل فيها من باب تأريخهم.

روى لي واحد، من الذين صرفوا طويلاً في باريس – وهو مسيحي من عندنا، من بلاد الجبل، درس الطب هنالك، وتملا من لغة الجماعة، ومن تأريخهم، وطرائق الأخذ والإعطاء عندهم، في كل دقيقة من دقائق المخالطة، أكثر مما يعرف من أشيائنا بكثير- قال: انه فيما هو يسير، ذات مرة في شارع (كاتر فارج) على مقربة من (جامع باريس) بعيد الخاطر عن هذه الأرض اللبنانية، إذا تكبيرة تطلق من المأذنة، وتتعالى على الجلبة الباريسية، فأخذ صاحبنا ببغتة حلوة، ملأت فؤاده، قال: ((فلم أتمالك ان حولت طريقي، وغشيت باحة المسجد، حيث قضيت نصف الساعة، بين تلك القناطر والقبب، وكأني في سربي في لبنان، أنظر إلى منازلهم، وأصغي إلى أحاديثهم – على ان بيني وبينهم سماوات ومفازات)).

فضل العربية

هكذا جمع محمد اليه بفضل العربية في رسالته، والعروبة في نعرته، هذه القلوب العربية، من كل ديانة، حتى يبيت يجد صديقنا، ذلك، تحت مأذنة الجامع في دار الغربة وهو أبن المسيحية و كما رأيت – ما لا يجده تحت قبة الكنيسة!! ذلك حيث ان اللغة، في باب الميول، وترك الطبع على عنانه هي فوق الدين، والعصبية القومية فوق العصبية الطائفية!.

فمحمد، إذن هو للعرب قاطبة، في لغة (الكتاب) و(الحديث) ونعرة الجنس، وشدة الحفيظة عن كرائم العنعنات، وفي تأريخ لفتح الممالك، وفتح العقول ملألاء كرأد الضحى، وأخلاق عليها سلام الله أما المسلمون، فليس لهم من زيادة علينا، حيث الانتفاع به، والأخذ عنه والتباهي بذكره إلا الإسلام ! وهي زيادة، ترى المسيحيين من العرب – أردت الأقحاح منهم في النسب، وفي الأدب – يتلافون فقدانها في (محمديتهم) فهم يستزيدون أكبادهم من هوى محمد، ويستزيدون السنتهم وأقلامهم من النصرة لشأنه، حتى ليكاد يتعادل النصيبان!.

لذلك تتماوج ارض العرب، اليوم بمجد واحد العرب، وحبه، وتتجاوب الأصداء فيه، على رمل البيد، ونبت الجبال، وعلى كل شاطئ، وخليج، من مطلع الشمس، في الزرقة المشرقية، إلى محطتها في الضحى، عند حدود الصحو.. حب (لأبن عبد الله)، سواء فيه ابيض وأسود، ومقيم وراحل، مسلم ونصراني، واعتزاز (بأبن عبد الله)، وهز أعطاف، على الأمم، بأسمه.

وبعد، فبهذا الحب كله لله، وهذا الاعتزاز، كله يعج كتاب صديقنا الفيلسوف الأستاذ (إسكندر) الرياشي وهو الذي اقدمه الآن، بين القراء ويانعم الحب للذي لم يبق للعرب غيره، ومن يجمع القلوب على القومية فتحفظ لغتهم بلغته، وتذكى نعرتهم الجنسية بنعرته، ويانعم الاعتزاز به.

ثم أني لا أدري أيصح ان أخص أنا، بكتابة هذه التمهيدة (المسيحية) في الكتاب، أم يخلق بي- ولساني (محمدي) وهواي، وشق هذه القصبة، التي في يدي – أن أخص بكتابة أختها (المحمدية).

ويا محمد يميناً بديني دين (إبن مريم) وبخشبات صليبه إننا في هذا الحي، من العرب، نتطلع إليك ، من شبابيك البيعة، فعقولنا في الإنجيل، وعيوننا في القرآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل