الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرر والمسألة البيئية

لطفي شوقي

2016 / 12 / 27
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر



المراد من هذا المقال هو التفكير في المعنى السياسي والاجتماعي للمسألة البيئية وعلاقتها بمشروع التحرر.



لقد عرف القرن التاسع عشرة والقرن العشرين الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية بشكل خاص، غير أن القرن الواحد والعشرين سيعرف سيطرة المسألة البيئية والمجتمعية على التيارات الفكرية اليسارية مما سيجعلها تدخل في تناقض مع العقلية اليسارية التقليدية.



يرتبط اليسار المغربي ب"أسطورة النمو" ويرى أن المشروع التحرري الوطني يلزمه قطع العلاقات التبعية وبناء اقتصاد محلي من أولوياته الاستجابة إلى الحاجيات المحلية. يهدف هذا النوع من الاقتصاد إلى تحقيق نمو متوازن يوفر فرص الشغل و يحقق العدالة الاجتماعية. يعتمد هذا المنهج الكلاسيكي للفكر اليساري على اتخاذ بعض الخيارات الإصلاحية لكن مع تغييب المسالة البيئية، أو في أحسن الأحوال يرجع تدمير البيئة والتلوث المياه إلى نمط الإنتاج الرأسمالي.

ترجع جذور هذا التوجه إلى عدة أسباب: من جهة، إرث الحركة الوطنية المرتبط بالتطور الاقتصادي و التصنيع و الإنتاجية الذي جعل منه آلية للاستقلال الاقتصادي والسياسي، ومن جهة أخرى نجد أيضا ما يطلق عليه بالإرث الماركسي.



الماركسية و المسألة البيئة:



إذا كنا نجد في أفكار ماركس تنبؤات ايكولوجية سابقة لأوانها وذلك في إعتماده على دعوته للتعديل العقلاني للتبادلات بين الإنسان والطبيعة، فذلك لا يعني أنه توفر على رؤية عامة تأخذ بعين الاعتبار الجانب البيئي للتحول الاشتراكي. بل نجد هناك ازدواجية وغموضا يُظهر أن الإرث الماركسي التقليدي يميل إلى تشجيع الإنتاجية:



- من بين الانتقادات الأساسية الموجهة للإقتصاد السياسي الرأسمالي وجود تناقض بين علاقات وقوى الإنتاج. فيرى المنظور الماركسي التقليدي أنه من اللازم تطوير قوى الإنتاج و تحريرها لإزالة الملكية الخاصة ومنطق الربح، وذلك من أجل ترسيخ أسس مادية لمجتمع لا يعاني من الخصاص. فقد تُعتبر الطبيعة كأرضية مادية يمكن استغلالها بدون قيود لتحقيق إنتاجية أكبر. وقد نخص بالذكر هنا مقولة لينين: "الإشتراكية هي السوفيات + الكهرباء". و يمكن انتقاد هكذا توجه في اعتبار أن كيفية الإنتاج لا تتلخص في العلاقات الإنتاجية والملكية ولكنها تأخذ أيضا بعين الاعتبار الخطط الطاقية إذ يعد تحديد تركيبة تكنولوجية جديدة للقوى المنتجة رهانا يهدف إلى استبدال الموارد الطاقية الحالية بأخرى غير ملوثة ومتجددة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية.



ولهذا فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:



- الوسائل التكنولوجية وموارد الطاقة وكيفية تحويلها ليست محايدة اتجاه المجتمع. فالتكنولوجيا يمكن اعتبارها كهيكل للعلاقات الاجتماعية.



- التناقض موجود بين الرأسمالية والطبيعة (وليس فقط بين الرأسمال والشغل) أو بشكل شامل بين قوى وشروط الإنتاج (المتعلقة بظروف الشغل والمجال الحضري، والطبيعة).



- علينا القطع مع الفكرة السائدة التي تعتبر آلية الإنتاج كآلية محايدة، إذا تم تخليصها من العلاقات الرأسمالية ستتطور بشكل لا محدود. فطبيعة وهيكل الآلية الإنتاجية يخدمان التراكم الرأسمالي والتوسع اللامحدود للسوق، و هذا يتعارض مع متطلبات حماية البيئة وحماية الشعوب والعمال. فلهذا ينبغي التحويل الجذري لللآلية الإنتاجية من خلال تقليص تقنيات الصيد البحري المكثف والقطع مع الصناعة النفطية والكميائية وصناعة الأسلحة وصناعة السيارات، الخ.



- تصور مستقبل الإنسانية لا يقتصر فقط على الوجود الاجتماعي ولكنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة التي تحيط بهذا الوجود. فالتحدي يتجلى في إدماج الإشتراكية للإيكولوجيا.



الرأسمالية تؤثر سلبا على الظروف الإجتماعية السليمة و ظروف الشغل كما أنها تؤثر على ظروف الحياة الكريمة بكوكبنا. فالاحتباس الحراري يشكل خطرا على المناخ ويجب اعتباره كتحدي شامل دون الاقتصار على إدماج بعض الإجراءات الإيكولوجية لمواجهته.



خصوصية الأزمة البيئية أنها تشكل حداثة جذرية ذات تهديد لم يسبق له مثيل تجعلنا نستنتج أن هناك أزمة تاريخية تجمع علاقة الإنسان بالبيئة.

تسلط الأزمة المناخية الضوء على أزمة حضارية تحتاج إلى عقلانية تتخذ بعين الاعتبار المدة الطويلة التي تلزم لإكتمال الدورات الطبيعة، كما أنها تحتاج لمراقبة اجتماعية للقرارات الاستثمارية وللتغيرات التكنولوجية، كل هذا يلزمه إعادة تنظيم ايكولوجي للنظام الإنتاجي القائم. كما يجب تغيير طريقة العيش، والتخلي على المشروع الذي يجعل الحضارة ترتكز على وفرة المال والعادات الاستهلاكية المفترطة.



العلاقة الظاهرة بين الرأسمالية والأزمة البيئية:



إن قانون القيمة يجعل من المستحيل توقف الرأسمالية عن نهب الموارد الطبيعية أو استغلال قوة الشغل إذ أنه تم بناء الرأسمالية اعتمادا على الاستحواذ على الموارد الطبيعية كالخشب والماء والأرض والمعادن.



يدفع السوق إلى تصنيع منتجات غير ضرورية حيث أن هدفها بالأساس هو تحريك عجلة الإنتاج كيفما كانت الوسيلة. فالتوسع الاقتصادي اللامحدود لا يحافظ على النظام البيئي الهش لان الرأسمالية لا تسمح بتحديد وثيرة للنمو الاقتصادي.



يعرف قطاعا الطاقة النووية و الطاقات الأحفورية احتكارا على يد عدد قليل من الشركات تستحوذ على كم هائل من الرساميل وعلى التملك الخاص للأرض والموراد الطبيعية الموجودة تحت الأرض من نفط وغاز وفحم حجري. ويقدر الريع النفطي بألف وثلاث مائة مليار أورو سنويا. إذا أخذنا بعين الإعتبار القطاعات ذات صلة بالنفط كقطاع السيارات والكيمياء والبترو كيمياء وصناعة الطيران وصناعة السفن قد نفهم قدرة هاته الشركات في فرض سياسة مناخية تخدم مصالحهم وتثبتها.



لهذا فإن الرأسمالية لا تسمح بوجود مخرج للأزمة المناخية، كما أن اقتراح مشروع بديل يتلخص في تغيير القواعد الاجتماعية للنمو مع اتباع منطق إنتاجي لا يسمح أيضا بوضع حد لهاته الأزمة.



فلا يمكن إذن وجود بديل، إذا تم التفريق بين العدالة الاجتماعية والعدالة المناخية. فالأزمة البيئية تجعل من هاتين العدالتين مرتبطتين ببعضهما البعض. ولهذا فإن الحديث على تغيير أساسي للنظام المجتمعي يستلزم الإنطلاق من الحاجيات البيئية .



لزوم ديمقراطية جذرية يتطلب إذا:



- عدم المتاجرة بالموارد الطبيعية وكل ما هو مشترك.

- خلق طرق جديدة للإنتاج والإستهلاك وذلك باستبدال المحروقات العضوية المكونة من الكاربون بموارد طاقية نظيفة تهدف إلى الإستجابة إلى الحاجيات والضرورات الإيكولوجية.

- يجب الإعتماد على التخطيط للتمكن من توفير ظروف التجديد للموارد الطبيعية. فلا يمكن الحفاظ على أسس الحياة المادية بالإعتماد على اختيارات قصيرة المدى لما قد ينتج عنه من عواقب وخيمة على المدى البعيد.

- البحث على حلول للأزمة المناخية تكون شاملة ودولية لأن مشكل الإحتباس الحراري لا يمكن حله على صعيد اقتصاد معين أو بيئة بلد واحد.

وللخلاصة، فإن المسألة البيئية لا تتجزأ عن المسالة الاجتماعية كما أنهما يشكلان نقطة انطلاق تمكن من تحيين مشروع تحرري اجتماعي ذو مصداقية.



ترجمة غيتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟