الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجمعت الجماهير ... هتفت الجماهير ... سيقت الجماهير للموت .

صادق العلي

2016 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


طالما وقفت الجماهير الغفيرة امام السياسي او امام رجل الدين , لتهتف بحبها له وتعلقها به , بعد ذلك يتم اسكاتهم بحركات توحي بالامتنان لهم من قبل قائدهم , ليتحدث بعد ذلك بموضوع ما ,هو يريد منهم ان يقوموا به , اما بصورة مباشرة او غير مباشرة , وهذا ما يُعرف بـ ( عسكرة الجماهير) او تحشيدها من اجل حربا ً او غيرها , والجماهير بالضرورة ستعلن موافقتها الجماعية من خلال المزيد من الهتافات , والتضحية بحياتهم وما يمتلكون من اجل القائد المفدى .
قطعا ًسوف يستخدم هذا السياسي او رجل الدين بعض الكلمات المكررة , والتي تناسب جميع المناسبات وتناسب ايضا ًجميع طبقات الجماهير ... منها :
ايها الشعب العظيم ! .
ايها الجماهير الابية ! .
يا ابناء الوطن الشجعان ! .
وغيرها من المصطلحات , التي يأخذها الجزء الاكبر منهم او اغلبهم , على انها شهادة تقدير له شخصيا ً دون الاخرين , بمعنى انها رسالة شكر وامتنان له بالتحديد , الاخرون بدورهم يعتقدون انهم المعنيون بتلك الكلمات, هكذا يكونوا جميعا ً مطالبين بالولاء له اولا ً , وتحقيق ما يطلبه منهم ويأمرهم به ثانيا ً , والحفاظ على شخصه العظيم كونه يفكر عنهم ويتخذ القرارات المناسبة لهم ثالثا ً!.
كانت الخطابة وما زالت , من اهم ادوات قيادة الجماهير , بل اهمها على الاطلاق , لدرجة انها اهم بكثيرمن الاعمال التي يجب ان يقوم بها القادة , بمعنى ليس من الضروري القيام بأعمال عظيمة من قبل السياسي او من قبل رجل الدين , ولكن من الضروري ان يكون خطيبا ً قويا ً مؤثرا ً !, نجد هذه الحالة في اغلب مجتمعات العالم , ولكن في المجتمع العربي تكون اكثر من غيرها , لانه مجتمع يعتمد على السمع دون التدوين !, فلقد تناقل العرب تاريخهم وادبهم وتقاليدهم وغيرها , تناولوه عبر النقل من جيل لاخر , ولم يكن للتدوين اهمية كبيرة لديهم الا قليلا ً .
بالرجوع الى موضوعنا , وهو وقوف وهتاف الجماهير امام السياسي او رجل الدين , والاستماع الى كلماته المعبرة عن حالتهم وعن طموحاتهم , والتي تستوجب موافقتهم المطلقة عليها , هذا السياسي اورجل الدين يجعلهم قتلة اذا اراد , ويجعلهم حملان وديعة اذا ما طلب منهم ذلك , على هذا الاساس يمكن للجماهير ان تتحمل اصعب الظروف من اجل قائدهم , ومن اجل رغبات وكلمات قائدهم , ومن اجل لاهداف واجندات قائدهم , وبالتالي تكون هذه الجماهير بمثابة قبنلة موقوتة بيدهم .
المعيب في هذا الموضوع , انه لحد هذه اللحظة , ما زالت الجماهير تتجمع وتصفق وتهتف لهؤلاء الساسة او لرجال الدين , والمعيب ايضا ً انهم يفتخرون بتغييب عقولهم بهذه الطريقة , وبأعطائه الحق بالتفكر عنهم , وايجاد الطرق المناسبة لحياهم و لموتهم , لهذا نجد القرارت الجماعية والموت الجماعية هي الحدث الابرز في المجتمعات العربية , اما بخصوص ما يمتلكه هذاالسياسي اورجل الدين من مواصفات وقابليات, فليس بالضوروة ان يكون الافضل , ولكن بالضرورة يكون الاقدر على عسكرة وتجييش هذه الجماهير .
لقد عمل هؤلاء القادة ( الساسة ورجال الدين ) ,عملوا على خلق اكثر من حالة لقيادة الجماهير , ولكني اركز على حالتين مهمتين جدا ً هما :
الاولى :
ارتباطهم هؤلاء القادة بالمقدس , بمعنى وصولهم الى مرتبة التقديس ( وليس العبادة ) , اما من قبل المنظرين لهم او من قبل اتباعهم , وهذه ليس غريبا ً في المجتمعات غير الواعية , ولكن الغريب انهم ينكرون على الاخرين تقديسهم لما يعتقدوه !, مما يجعلهم يوغلون بالجهل وبالتخلف , وهذا بالضبط ما يحتاجه القادة من اتباعهم , جماهيرغبية متخلفة لا تطرح اي سؤال , لا يثيرها اي تصرف من قائدهم , والدليل اننا نشاهد اجتماع هؤلاء القادة وجلوسهم مبتسمين مع بعضهم البعض , ليتحاوروا بامور الدولة والجماهير , اما قطعانهم ( الجماهير) فأنهم ينتظرون ما يقرره اسيادهم , او انهم يتقاتلون فيما بينهم الى ما شاء قادتهم .
ثانيا ً :
جعل الموت فكرة جماعية تتشارك بها الجماهير , وفي حالات متقدمة يكون الموت هدف اوغاية تسعى لها اغلب الجماهير , بل ويتسابقون ويفتخرون بوصولهم للموت اسرع , لذلك تجد الموت الجماعي اقل تأثيرا ً حتى على ذويهم ,انه استيعاب سهل بسيط لفكرة الموت التي حيرت الانسانية على مر التاريخ , في حين يكون تأثير الموت الفردي بين فترات زمنية متباعدة كبيرا ًعلى النفس الانسانية .
يعتقد بعض المفكرين ان المجتمعات الشرقية بحاجة دائما ًالى ديكتاتور , سواءً ديني او سياسي , وان هذه المجتمعات غير مهيئة لتكون شعوب ديموقراطية , وهذه ليست تهمة من قبل اعدائها , انما هي نتائج بحوث طويلة اجريت عليها , بدليل ان سقوط الديكتاتور في اي دولة عربية , بالضرورة ينتج ديكتاتوريات متعددة الاتجاهات والاجندات , المستفيدون من هذه الديكتاتوريات يبررون افعالها ووجودها , لانهم خبراء في كيفية صنع الديكتاتور , ايضا ًوخبراء في كيفية الاستفادة منه .
في الطرف الثاني من المعادلة الاجتماعية العربية , هناك الشرفاء الذين يعتقدون ان الافضل والاصلح هو الذي سيحكم بلدانهم في وقت ما , على اعتقادهم هذا تجدهم ينتظرون وينتظرون , ولن يأتي الاصلح ولن يأتي الافضل , وهكذا تعيد الحياة الاجتماعية دورتها بوجود ( المستفيدون من الديكتاتور السابق ) وقد شغلوا الفراغ الموجود لصناعة ديكتاتور جديد .
يجب ان تدرك الجماهير وهي تهتف وتغنى للسياسي او لرجل الدين , انهم فقط ارقام في اجندة القادة , وانهم حطب الحروب والصراعات التي يصنعها السياسي او رجل الدين .
صادق العلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا